يوم الجمعة الماضي أفطرت مع السيدة مادلين اولبرايت في نيويورك، وتناولت الغداء مع السيد ياسر عرفات في واشنطن. وزيرة الخارجية الاميركية لم تدعني الى إفطار "شركاء السلام"، مع ان ميولي كلها سلمية، وانما دعوت نفسي، فقد كنت خارجاً من فندق والدورف استوريا، في طريقي الى العاصمة الاميركية، عندما وجدت نفسي وسط "هيصة وزمبليطة"، فقد كان الشركاء إياهم حول السيدة اولبرايت في طريقهم الى غرفة الافطار، فاندسست بينهم، وجلست وراء وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر. هو جلس في مواجهة الوزيرة الاميركية، وهذه جلس الى يمينها وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف والى يمينه ممثل فلسطين الدكتور نبيل شعث، ثم وزير خارجية الأردن السيد عبدالإله الخطيب. وجلس الى يسارها وزير خارجية اسرائيل ديفيد ليفي، وبعده وزير خارجية مصر السيد عمرو موسى. وزير خارجية البحرين الشيخ محمد بن مبارك جلس عند طرف الطاولة، ولم يأكل أو يشرب شيئاً، وكان وا ضحاً انه يشعر بأنه ليس بعيداً كفاية، ويفضل لو كان في مكان آخر. وسألته لماذا لم يأكل، فقال: يكفي اننا حضرنا. تحدث ليفي بالعبرية بعد وزيري خارجية البلدين راعيي السلام، ولم أفهم من كلامه سوى كلمة "شالوم" التي كررها مئة مرة. غير ان السفير الفلسطيني السيد ناصر القدوة كان أمامي، ويستمع الى الخطاب مترجماً عبر سماعتين، وهو قلب شفتيه وهز رأسه باستياء، ما طمأنني الى ان ليفي لم يطلع من جلده القديم بعد. الوزراء العرب كلهم دعوا الى احياء المسارات كافة، وشددوا على المسارين السوري واللبناني، فالجلسة لم تكن مهمة بمن حضر فقط، بل بغياب سورية ولبنان عنها. وفهمت لماذا لم يعجب اخونا ناصر بكلام ليفي عندما علق السيد موسى قائلاً ان تأجيل بعض المواضيع يعني تأجيل السلام. وكان الوزير المصري يتحدث عن المواضيع الشائكة مثل القدس واللاجئين عندما قلب كأس الماء، فتذكرنا موضوع المياه ايضاً. الشيخ حمد بن جاسم لاحظ ان ثمة اتفاقات كثيرة وتنفيذاً قليلاً، ودعا الاسرائيليين الى اثبات التزامهم بما وقعوا. اما السيد الخطيب فقال ان السلام سيتحقق فقط عندما تقوم دولة فلسطينية، وكرر ككل وزير عربي آخر ضرورة التقدم على المسارين السوري واللبناني. كنت أسمع وأنظر الى ساعتي، فحضور الإفطار لم يكن في الحسبان، وأخيراً أرفض الجمع بعد العاشرة، ووصلت الى المطار قبل الحادية عشرة، واقلعت بنا الطائرة في موعدها، ووصلنا الى واشنطن ظهر اليوم، وكنت في الغداء الذي استضافت فيه غرفة التجارة الاميركية أبو عمار في الساعة الثانية عشرة والنصف. رئيس الغرفة توماس دوناهيو عكس تغير النظرة الاميركية الى الفلسطينيين، فقد راحت تهم الارهاب ليحل محلها حديث عن تضحيات الشعب الفلسطيني وأمانيه المشروعة. دوناهيو قال للرئيس الفلسطيني انه جمع في غرفة التجارة عدداً من المراسلين وكاميرات التلفزيون يفوق ما جمعه أي رئيس آخر زار الغرفة. وأضاف انه إما أن الأمر ان وسائل الاعلام تعرف ان أبو عمار سيقول كلاماً مهماً، أو انه لا يوجد حدث آخر في العاصمة ذلك اليوم. أبو عمار لم يقل شيئاً مهماً، ولكنه تحدث بذكاء عن الاقتصاد الفلسطيني، فقال ما خلاصته: بدأنا من الصفر وبنيتنا التحتية مدمرة... لا نستطيع ان نبني من دون مساعدتكم... يهمنا تقدم المفاوضات على المسارين السوري واللبناني... اعتمدنا نظرية الاقتصاد الحر ووضعنا قوانين تضمن حرية التجارة والعمل. الرئيس الفلسطيني تحدث بالعربية، وترجم له بتصرف صائب عريقات. وهو دعا الاميركيين الى المشاركة في احتفالات بيت لحم بأعياد الميلاد ورأس السنة والألفية الثالثة. ولاحظ اخونا صائب ان الرئيس يشارك المسيحيين الفلسطينيين احتفالهم بعيد الميلاد، وانه لا يحضر قداساً واحداً بل قداديس الكاثوليك والارثوذكس والأقباط والأرمن والسريان وغيرهم. جاوب أبو عمار بذكاء عن كل الاسئلة، وعندما سئل ماذا يضمن سلامة الموظفين والعمل في أراضي السلطة، قال انه لم يحدث على مدى خمس سنوات اعتداء واحد على موظف أو مكان عمل، وهو سجل أفضل مما في اميركا أو أوروبا. مع ذلك تحدث أبو عمار بتكرار عن "شريكه" بيريز و"شريكه" باراك، وأتمنى لو يوقف هذه الشراكة، لأنه يجب ان يسبقها اتفاق على السلام. خرجت من الغداء الى الفندق، ووصلت مع السيد عبدالمجيد شومان، رئيس البنك العربي، ووجدت في ردهة الاستقبال جاري في لندن يوسف أبو خضرا، وهو من أركان انفستكورب، والصديق رمزي دلول، وهو رجل أعمال خطير. ثم جاء السفير عبدالله أبوپحبيب، وهو الآن من أركان البنك الدولي. كنت طلبت الاقامة ثلاث ليال، واعطيت ليلة واحدة لأن فنادق واشنطن كلها ملأى بسبب مؤتمر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واستنجدت بالأصدقاء، ووزنهم الاقتصادي، فتنازلت إدارة الفندق وبُلغت انني استطيع بعد اليوم الأول ان انتقل الى جناح أجر الليلة فيه 1600 دولار. كيف أنام وأجر الليلة 1600 دولار، ما يعني ان ساعة نومي أغلى من ساعة يقظتي. شكرت ادارة الفندق على "تجاوبها"، واعتذرت لأنني لست من مستوى الحيتان من الأصدقاء. وكنت سجلت اسمي مع موظفة استقبال شابة سمراء، فعدت اليها، واكتشفت انها من اريتريا، وقلت لها انني قريب سمير صنبر الذي كان ممثل الاممالمتحدة في مفاوضات استقلال اريتريا. وهي عادت إليّ بعد نصف ساعة، وقالت انني استطيع ان أبقى في غرفتي ما أشاء. وأنا هنا أشكر أصدقائي الأثرياء، والأثرياء جداً، وأرجو ألا يحاولوا مساعدتي بعد الآن.