تقطع هذه الزاوية حلقات كتبتها من وحي زيارة أميركا، والسبب وزير خارجية اسرائيل ديفيد ليفي، فأنا الذي قيل فيه المثل "اللي يخاف من العفريت يطلع له". مع ذلك أعد القارئ بألا أترك ليفي يحتل الزاوية كلها، وانما أرد عليه، وانتقل منه الى مواضيع أخرى. كنت دخلت قاعة الجمعية العامة الأربعاء لسماع خطاب الشيخ محمد بن مبارك، وزير خارجية البحرين، وسبقه ليفي فاستمعت الى آخر خمس دقائق من خطابه، ما جعلني أعود الى نص الخطاب كله. دخلت وليفي يقول، قرب نهاية كلمته، ان بعض الدول العربية عاد الى التهديد بالمقاطعة، وشركة ديزني هُددت لأنها "تجرأت فسمحت بتقديم القدس في معرض يحتفل بالألفية". هذا ما قال ليفي حرفياً، وهو كذب وقح على مندوبي 185 دولة، فالاعتراض لم يكن على تقديم القدس أو تأخيرها، وانما على اعتبارها عاصمة موحدة لاسرائيل. غير أن ليفي لم يقل كلمة "عاصمة" أو يشر اليها، وانما كذب "عينك عينك" كما كان يفعل معلمه السابق بنيامين نتانياهو. عن سورية قال: أخاطب قادة سورية قائلاً كفى تردداً... من يتردد؟ لماذا لا تعلن اسرائيل أنها ستنسحب من الجولان كله، وهو أرض محتلة باعتراف العالم كله، بما فيه اسرائيل. وعند ذلك تبدأ المفاوضات غداً. عن لبنان شكا من أن الحكومة اللبنانية لم تجرد حزب الله من السلاح، وهدد بأن حكومته لن تتحمل الوضع طويلاً. هو يريد من الحكومة اللبنانية ان تعمل شرطياً على بابه، وتجرد المقاومة من السلاح قبل الانسحاب. هو يحلم، وقد هددت كل حكومة اسرائيلية منذ أوائل الثمانينات ولم تخف سوى نفسها. عن الماء قال ان اسرائيل تريد تعاون الأطراف الأخرى لفائدة الجميع. الفائدة لاسرائيل وحدها طالما ان المطروح ليس أن تقتسم اسرائيل ما عندها من ماء معنا، بل أن نعطيها فوق ما تسرق يومياً من الفلسطينيين. وإذا اعتقد القارئ انني أخالف ليفي في كل شيء فهو مخطئ لأنه دعا الى عزل سياسي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وأنا اؤيده في ذلك لأنني لا أريد أي صلة أو اتصال مع أمثال ليفي. وكلمة اضافية عن خطاب ليفي، فقد شغل أكثر من تسع صفحات تضمنت خرافات دينية وتاريخية عن القدس، ومع ذلك لم يتضمن اشارة واحدة الى القرارات 242 و833 و425. وكلمة على هامش الخطاب، فقد جلست في مقاعد الوفد اللبناني، وراء وفد اسرائيل مباشرة، ورأيت مندوبة اسرائيلية تحتل مقعداً في قسم ايرلندا المجاور. أهم من ذلك، وعندي شهود من الوفد اللبناني، ان أربعة من أصل سبعة في مقاعد اسرائيل كانوا يضعون سماعات الترجمة في آذانهم، ما يعني أنهم لا يعرفون العبرية، أو يعرفون لغة أخرى أكثر منها. ولا أعرف اسماء كل مندوبي اسرائيل، غير أنني عرفت رئيس الوفد دوري غولد، وكان يضع سماعة في اذنه، فهو مستوطن، ويدّعي أن القدس له. واستطيع ان أزيد الا أنني وعدت القارئ بألا أترك ليفي يحتل الزاوية، كما احتُلت أشياء كثيرة أخرى. وهكذا فعندي التالي: - اكتب صباح الخميس، وهناك خطاب لقطر وآخر لسورية في جلسة الصباح، ثم خطابات ليبيا واليمن والسودان والمملكة العربية السعودية بعد الظهر. لماذا لا يوزع الأعضاء العرب خطاباتهم بالتساوي على أيام الدورة، فنستطيع ان نتابعها بشكل أفضل؟ ولماذا لا يطلبون الحديث في الصباح فقط، ليستطيع الصحافيون التغلب على فارق الوقت، وليزيدوا الى الخطب المطبوعة شيئاً من جو الجلسات. نظموها يا شباب. - كانت لازمة الدورة كلها انه لم يتحدث مندوب عربي عن أي موضوع إلا وطالب بالتركيز على المسارين السوري واللبناني. المتنبي خُلِقَ الوفاً وأنا خُلِقتُ شكاكاً. وفي حين أنني أعرف ان بعض العرب يشدد على المسارين السوري واللبناني، ويعني ما يقول، إلا أن بعضاً آخر يقول ذلك من نوع رفع العتب أو إراحة الضمير، لأنه لم يفعل لهذين المسارين سوى الحديث عنهما. يعني كان هناك مسار سوري ومسار لبناني أكثر مما كان هناك قهوة في إفطار السيدة مادلين اولبرايت. - أرجو ألا تخيب آمال العرب في تعليق العقوبات على العراق. ومع ذلك هناك تقدم فالحديث الآن انتقل من التكثيف الى التخفيف، وهذا وحده خطوة الى الأمام. - بالاضافة الى لازمة المسارين اللبناني والسوري، كانت هناك لازمة حملها الوزراء العرب معهم من بلادهم هي ان أمر العراق متروك لشعبه، واننا لا نتدخل في شؤونه الداخلية. شعب العراق لا يملك من أمره شيئاً، والقول ان يُترك العراق لشعبه يعني ان يُترك هذا الشعب فريسة حكومته، ويعني تهرباً من المسؤولية. بل أقول: لماذا لا نتدخل في شؤون العراق الداخلية؟ بعض الدول العربية تدخل باستمرار في شؤون غيره، ومن دون سبب مشروع أو مبرر. والآن تقرر هذه الدول ألا تتدخل ولديها كل سبب مشروع ومبرر. رأيي، وأنا حرٌّ فيه وأصر عليه، ان عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية، بغرض اطاحة نظامه، تهرب من المسؤولية وخذلان لشعب العراق والأمة كلها.