كشفت مصادر اسرائيلية محاولات يقوم بها أتباع "حركة أمناء جبل الهيكل" اليهودية المتطرفة لشراء قطعة أرض "وقف ذري" تقع داخل الحرم القدسي الشريف لايجاد "معقل يهودي" في المكان المقدس، في وقت تطالب فيه اسرائيل بتغيير الوضع القائم في هذه المنطقة في اطار التسوية النهائية يضمن وصول اليهود للحرم القدسي الشريف. وتقود اليهودية العنصرية المتطرفة ايستر أبو طبول، وهي أحدى أعضاء هذه الحركة التي تحاول منذ أكثر من ثلاثين سنة الدخول الى الحرم القدسي والصلاة فيه، حملة منذ عام 1985 لشراء قطعة أرض تبلغ مساحتها ثلاثة دونمات تقع جنوب قبة الصخرة المشرفة وتمتد من باب المغاربة في الشمال وحتى السور الجنوبي للحرم القدسي، وهي جزء من "وقف آل سعود الذري"، وكانت تستخدم منذ زمن العثمانيين كُتّابا لتعليم القرآن الكريم. وكتبت صحيفة "هآرتس" العبرية أن أبو طبول جددت محاولاتها اخيراً للعثور على "ورثة" لسيدة من عائلة أبو السعود لم يذكر اسمها توفيت قبل سنوات في الاردن لتقديم عرض "مغري" لهم لبيع هذه القطعة من خلال سمسار أراضي أشارت اليه بالحرفين أ ك. ونقلت المصادر عن أبو طبول قولها ان "ما جرى وما سيجري تم وسيتم بأقصى الحذر، أنا لم أعد شابة وسيسألونني في العالم الآخر ما الذي فعلته حتى أعيد الحرم لشعب اسرائيل". وتعود محاولات الاسرائيليين للاستيلاء على هذه المنطقة منذ حرب العام 1967 وفور احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس، حيث أعلنت منطقة عسكرية مغلقة حظر على القاطنين فيها البقاء. وأمر وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه موشيه دايان بهدم أكثر من 55 بيتا في باب المغاربة يعود معظمها لوقف آل سعود الذري الذي لم يتبق منه بعد الهدم سوى هذه الزاوية. وكان الهدف تنفيذ حفريات أثرية بحثاً عن هيكل سليمان المزعوم الذي يدعي اليهود أنه شيد في تلك المنطقة. ولكن بعد سنوات من العمل، خرجت سلطة الاثار الاسرائيلية بنتائج تفيد بانها لم تجد اثرا للهيكل وان مدينة أموية تقع أسفل باب المغاربة. وتقول المصادر الاسرائيلية أن سمسار الاراضي أ ك الذي طلبت منه أبو طبول في العام 1985 "شراء ولو متر واحد من أجل أن يكون لليهود موطئ قدم مجدداً في أقدس موقع لهم"، استعان بسمسار أراضي من قرية صور باهر في القدس الذي ساعدهما على دخول مكتبة الارشيفات وسجلات الطابو داخل الحرم القدسي حيث ظهر أن الارض مسجلة باسم عائلة أبو السعود وتم ايجاد رقم القطعة في سجل الطابو من عهد الانتداب البريطاني. وتزامنت محاولات أبو طبول بتشديد منظمة التحرير الفلسطينية قبضتها على سماسرة الارض في ذلك الوقت خصوصا بعد ان نجحت وزارة الاسكان الاسرائيلية بتمويل من أثرياء يهود بشراء نزل القديس يوحنا في الحي المسيحي من البلدة القديمة واسكنت 150 يهودياً فيه. وكان للرد الجماهيري العنيف على هذه الحادثة أثراً على السمسار الذي هدده ناشطو الانتفاضة الفلسطينية بالقتل وتراجع عن مساعيه لمساعدة أبو طبول واختفى من المنطقة. ونفى عزمي أبو السعود، أحد افراد العائلة، أن تكون القطعة المعنية ملكا للعائلة، مشيراً الى أنها تعود للوقف الاسلامي بل تعتبر الآن جزءاً من المتحف الاسلامي التابع للمسجد الاقصى. وقال أبو السعود في حديث ل "الحياة" ان أحداً من عائلته صغيرة العدد 40 شخصاً "لا يجرؤ حتى على التفكير ببيع هذه الارض". وأشار الى أن هذه الزاوية التي عاش فيها الرئيس ياسر عرفات والدته من عائلة أبو السعود هي جزء لا يتجزأ من الحرم القدسي الشريف ولن يبيعها أحد ناهيك عن أن أحداً أيضاً لا يستطيع بيعها كونها تابعة للوقف الاسلامي والعائلة فقط "تتولى العناية بها" لصالح الوقف الاسلامي. وتتوزع عائلة أبو السعود في سورية والاردن وفلسطين تحديداً في القدس. ويقول أبو السعود أن "متولي الوقف، وهم أربعة محامين من العائلة وتحت رعاية عرفات نفسه، يقومون بالعناية بوقف هذه العائلة منذ سنوات عديدة. ويضيف أن المحاولات الاسرائيلية "لا تتجاوز نسيج خيالهم يعتبرونه بداية الطريق للاستيلاء على الارض وهم يخرجون بهذه القصص بين فترة وأخرى، لكن لا وجود لشخص من هذه العائلة يملك أوراق تسجيل ملكية هذه الارض الطابو". وأضاف: "نحن عائلة أبو السعود نملك الادارة ولا نملك الملكية". ويعمل أبو السعود منذ سنوات في "بيت الشرق"، مقر مسؤول ملف القدس، عضو منظمة التحرير الفلسطينية فيصل الحسيني في مركز حقوق يتابع قضايا سحب هويات المقدسيين. وقال أبو السعود أن القطعة المذكورة وتسمى "الزاوية الفخرية" استخدمها الشيخان حسن وياسين أبو السعود، وهما عالمان اسلاميان في زمن العثمانيين وكانا يعلمان فيهما الناس الدين، وأن جميع المنطقة المحيطة كانت تخصص للفقراء من العائلة للسكن فيها "لكن لا يوجد الآن في ما تبقى منها بعد الهدم الاسرائيلي أي ساكن ولهذا فمن رابع المستحيلات أن يقوم متأجر بتسريبها". وأشارت مصادر فلسطينية ل"الحياة" أن مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في العالم أوقفت عمليات المصادقة على معاملات الوكالة الدورية أو غيرها من الوكالات بعد أن تبين أن جزءا من أراضي جبل أبو غنيم الذي تقيم عليه الآن الحكومة الاسرائيلية مدينة استيطانية كبيرة على مشارف مدينة القدسالجنوبية سرب من خلال سماسرة بهذه الطريقة، لمنع تسريب الاراضي الفلسطينية من دون علم أصحابها. تغيير الوضع القائم غير أن مراسل صحيفة "هآرتس" لشؤون القدس والاستيطان نداف شرغاي، أكد في مقال له أن اسرائيل تسعى الى تغيير الوضع القائم في منطقة الحرم القدسي الشريف في مفاوضات التسوية النهائية مع الفلسطينيين. وأشار الى أن محادثات جرت في أثينا وباريس وعمان برعاية مراكز أبحاث مختلفة بعلم من المستوى السياسي، توضح أن اسرائيل تميل الى رفض الطلب الفلسطيني باستعادة الملكية على المحكمة الشرعية وباب المغاربة، وكذلك وقف عمليات الحفريات التي تجريها أسفل الحائط الجنوبي للحرم القدسي. ويوضح التقرير أن اسرائيل، في المقابل، ستوافق على عدم تجسيد حق اليهود في الصلاة في الحرم، الا انها تطلب من الفلسطينيين في المقابل الاعتراف "بحقهم المبدئي" في ذلك إضافة الى تسوية تضمن "حق وصول اليهود للحرم حسب مواعيد يتم تنسيقها بين الطرفين". وتقترح اسرائيل حسب كاتب المقال "أن يوافق الفلسطينيون على اقتطاع أو أن تقوم اسرائيل باقتطاع منطقة من الحرم لصلاة اليهود في منطقة الغلاف الخارجي المحيط بالحرم مقابل رفع علم ديني فلسطيني على الحرم" والذي تعتبره اسرائيل تنازلاً سينقل ملكية الحرم القدسي قانونياً وليس فعلياً فقط للفلسطينيين. ويرمي اقتطاع جزء من الحرم القدسي الى ارضاء "حركة أمناء جبل الهيكل" و"خفض الخطر المتوقع من جانب الاطراف المتطرفة في اوساط هذه المجموعات وانشاء وضع يكون لهم فيه ما يخسرونه اذا اتبعوا وسائل عنيفة". وأعدت اسرائيل مواقع عدة في اطار "خطط احتياطية" لتجسيد هذا التوجه منها المصلى المرواني أو ما تسميه اسرائيل اسطبلات سليمان والذي قامت الدولة العبرية الدنيا ولم تقعدها عندما شرع المسلمون بترميمه. أما الموقع الثاني فهو منطقة باب الحديد. ويقول التقرير أن هذا البديل لم يعد ملائماً بعد أن سيطرت الاوقاف الاسلامية عليه "بتشجيع من الحركة الاسلامية في اسرائيل". والمدرسة العمرية التي تطل على الحرم القدسي حيث تتم دراسة ايجاد مكان بل وموقع للصلاة اليهود فيه. واخيرا، قدم يفرح زلبرمان من مركز القدس للدراسات الاسرائيلي اقتراحاً نقل الى صانعي القرار في الدولة العبرية يتضمن خيارا رابعاً ويتمثل ببناء "موقع تذكاري" في منطقة الحفريات في الحائط الجنوبي على أعمدة. ويعتقد صاحب الفكرة أن هذا الموقع يستطيع الوصول حتى مستوى الحرم القدسي من دون أن يلتصق بالحائط الجنوبي وأن يكون مركزاً دينياً عالمياً لكل التيارات اليهودية "بشكل يقلص تأييد الكفاح من اجل صلاة اليهود في الحرم".