إذا كان العالم اعتاد مشاركة الصين احتفالها بذكرى اعلان جمهوريتها، في اليوم الأول من تشرين الأول اكتوبر من كل عام، فإن هذا الاحتفال يتخذ في عامنا هذا، بالذات، معنى اضافياً، لأنه احتفال بمرور نصف قرن على قيام تلك الدولة/ القارة، ولأن الصين الشعبية كما كانت تسمى طوال عقود من السنين، عرفت كيف تحافظ - بشكل أو بآخر - على مقوماتها الايديولوجية، على رغم العواصف التي هبت على هذه الايديولوجيا، خلال العقد الأخير من الزمان. بيد أن ما يتناساه العالم، عادة، هو أن ذلك التاريخ نفسه، الذي شهد ولادة الصين الشعبية، هو التاريخ الذي شهد ولادة الصين الأخرى: فورموزا، أو تايوان، تلك الدولة التي ولدت من رحم الصراع الايديولوجي - العسكري حول الصين، والتي من الملفت أنها لا تذكر في أيامنا هذه، إلا لمناسبة زلزال أصابها، أو تهديد صيني أحاط بها. ومع هذا، ليست تايوان دولة صغيرة الحجم: انها دولة كبيرة، يزيد عدد سكانها عن خمسين مليون نسمة، بل كانت طوال سنوات طويلة، واحدة من أقوى حلفاء الولاياتالمتحدة الأميركية في تلك المنطقة من العالم. وكانت - حتى بداية السبعينات - عضواً دائماً في مجلس الأمن، يومذاك أدى التقارب بين واشنطن وبكين، تحت رعاية ريتشارد نيكسون، الذي يوصف مع ذلك بأنه "أكثر الرؤساء الأميركيين يمينية، اذا نحينا رونالد ريغان جانباً"، أدى التقارب الى ابتعاد تايوان وانزوائها، والى حصول الصين الشعبية على مكانة جديرة بها - على أية حال - حجماً وأهمية. إذن، في الأول من تشرين الأول 1949 ولدت تايوان، كجزيرة صينية حولها الى دولة، لجوء الكومنتانغ - جماعة تشان كاي تشيك - اليها بعد هزيمتهم في الصين القارية على يد شيوعيي ماو تسي تونغ. والجدير ذكره هنا هو أن تايوان كانت، حتى من قبل هزيمة الكومنتانغ ولجوئهم اليها، مركزاً عسكرياً، برياً وبحرياً وجوياً، أميركياً كبيراً، كما كانت مركزاً مهماً من مراكز تدريب الجنود الصينيين على أيدي خبراء أميركيين. وبعد الهزيمة تمكن الكومنتانغ من أن ينقلوا الى هناك معظم الطائرات وسفن الأسطول الصيني. وقبل الهزيمة أيضاً كانت حكومة الكومنتانغ قد نقلت الى الجزيرة، جزءاً كبيراً من محفوظاتها، اضافة الى أن مسؤولي البنك المركزي الصيني، نقلوا بين 100 و150 مليون دولار على شكل سبائك ذهبية... وعلى هذا كان من الواضح أن وطنيي الكومنتانغ، أرسوا بسرعة دعائم سلطة قوية، ذات ادارة ومال وسلاح. ولئن كان قد توجب عليهم، في ذلك الوقت، أن يقنعوا الأميركيين بالأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للاعتراف بهم هناك كسلطة صينية في المنفى، ولمساعدتهم في حال ما إذا قرر الشيوعيون مطاردتهم الى هناك، فإن الجنرال الأميركي ماك آرثر، تحمل عنهم عبء ذلك الاقناع، اذ أنه - وهو صاحب الكلمة المسموعة في وزارة الدفاع الأميركية في ذلك الحين، حسب تأكيد الصحافة التي تحدثت عن ذلك الموضوع -، أفتى بضرورة وقف الزحف الشيوعي عند مجرى النهر الأصفر، بغية الحفاظ على القطاع الجنوبي من الصين في أيدي الكومنتانغ، فإذا تعذر ذلك - وهو تعذر بالفعل بعد الهزيمة - يصبح من الضروري جداً الحفاظ على تايوان لأنها "حلقة أساسية في سلسلة القواعد الأميركية القائمة على طول الساحل الشرقي للقارة الآسيوية". ان فقدان الصين القارية كان، في رأي ماك آرثر، أمراً مهولاً. ولكن فقدان تايوان سيكون كارثة حقيقية، لأن هذا "سوف يكون معناه ابعاد خطوط الدفاع والمقاومة الأميركية الى الوراء" أي كشف اليابان والفيليبين وغوام. ولقد تبين بسرعة أن السلطات الأميركية العليا ميالة الى مشاطرة ماك آرثر رأيه. وعلى ذلك النحو كان لا بد للشيوعيين من أن يستنكفوا عن الاقتراب من الجزيرة. وبالتالي ولدت دولة خاصة بالصينيين، الرافضين للحكم الشيوعي. وبعد ذلك، في الوقت نفسه الذي بنى فيه الصينيون الوطنيون، بمساعدة الأميركيين المطلقة، قاعدة عسكرية صلبة في تلك الجزيرة/ الدولة، تمكنوا أيضاً من بناء اقتصاد قوي، خصوصاً وأن تايوان أرض خصبة من الناحية الزراعية، وذات تربة غنية بالمعادن. فإذا أضفنا الى هذا، العدد الكبير من المصانع التي كانت فككت في الصين القارية طوال الفترة السابقة، ليعاد تركيبها في تايوان، يمكننا أن نفهم بسرعة "سرّ" تلك "المعجزة" التي جعلت من تايوان - ولا تزال تجعل منها حتى اليوم - واحدة من أقوى الدول اقتصادياً في ذلك الجزء من العالم. تشان كاي تشيك: دولة على انقاض دولة.