صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة ل 115 مقيمًا لتبرعهم بالدم عشر مرات    الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الفيحاء    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    لاندو نوريس يتصدر التجارب الثانية بجدة وتسونودا يتعرض لحادث    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية بنسبة (50%) وعودتها إلى قيمتها الأساسية    انطلاق البرنامج التدريبي والتأهيلي ل "هاكثون التحوّل"    السعودية تنهى مشاركتها في ألعاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله    إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة        قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإخوان المسلمون" والدولة الوطنية في الجزائر
نشر في الحياة يوم 07 - 01 - 1999

منذ أن اشتد عود الحركة الوطنية الجزائرية في الأربعينات، بدا أن هناك صراعاً يلوح في الأفق بين التيار الوطني والتيار الإسلامي مختصراً في "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، إذ تحالفت هذه الأخيرة مع فرحات عباس الذي كان مخالفاً في أطروحاته لمصالي الحاج الذي كان يقود حزب الشعب، علماً بأن هذا الأخير بدأ يسارياً، وأنهى مشواره وطنياً يدمج العروبة بالإسلام. غير أن الاختلاف الذي وقع في البداية لم يؤد إلى العداء بين التيارين أثناء الثورة، بل العكس، إذ أن "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" أيدت "جبهة التحرير الوطني" وجيشها، وإن كان هذا التأييد جاء متأخراًَ. ولكنإ بعد الاستقلال تراجع دور "جمعية العلماء المسلمين" بسبب موقف السلطة منها أولاً، ولدخول نشطاء إسلاميين جدد للجزائر، جاءوا كأساتذة جامعات وثانويات ومدارس ابتدائية، حاملين روح العداء للدولة الوطنية، وهم من "الإخوان المسلمين" المصريين، ومنذ ذلك الوقت بدأت الجزائر تأخذ طريقاً آخر غير الذي اختارته من البداية.
لا شك أن هناك ميلاً عاطفياً لدى الجزائريين. تجاه "جماعة الإخوان المسلمين" وما واجهته من محنة لاختلافها مع نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، غير أن هذا الميل لم يكن تأييداً في المطلق، لكن قدوم الأساتذة المصريين للتدريس جعله يؤثر في الشباب الجزائري المتعطش، آنذاك، لكل ما يأتي من الشرق، وبالذات من مصر، وتحول التأثر العاطفي إلى قناعة أيديولوجية، ونتيجة لذلك ذهب بعض عناصر التيار الفرنكوفوني إلى القول: "إن عبدالناصر أراد أن يتخلص من القنبلة ويفجرها بعيداً عن مصر، فتفجرت في الجزائر". ويتردد هذا القول كلما ظهر أن هناك عنفاً وراءه الإسلاميون.
وبغض النظر عن مدى إدراك النظام المصري، آنذاك، للأفكار التي يمكن أن تبثها جماعة "الإخوان المسلمين" في الجزائر، فإنه من غير المعقول، من الناحية الواقعية على الأقل، أن يتم هذا بإيعاز من النظام الناصري، ما دامت هناك دلائل تشير إلى عكس ذلك.
ومن هذه الدلائل أن الرئيس السابق أحمد بن بله طلب من الرئيس عبدالناصر منع البشير الإبراهيمي من مغادرة مصر - وهو أحد القادة الرئيسيين في "جمعية العلماء المسلمين" - وحقق له ذلك، ما يعني عدم صحة الفكرة السابقة التي يقول بها بعض دعاة الفرنكوفونية في الجزائر.
عموماً فإن نشاط "الإخوان المسلمين"، ظهر في الجزائر بشكل واضح في ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تعقد كل سنة بإشراف وزارة الشؤون الدينية الجزائرية. وأتاحت تلك الملتقيات لرجال جماعة "الإخوان المسلمين" الوجود بشكل منظم ومقبول، ولم تكن السلطات الجزائرية تخفي موقفها منهم، لكنها كانت تفصل بين أمرين، الأمر الأول: أنهم جماعة دينية أصولية لها موقف عدائي من الأنظمة الوطنية الحاكمة، والأمر الثاني: أنه لا مبرر لحظر نشاطها، حتى لا تلجأ الى العمل في الخفاء.
وأبدى الرئيس الراحل هواري بومدين الموقف السابق غير مرة خلال الملتقيات التي حضرها. ليس هذا فقط بل إنه بومدين في الوقت الذي كانت السلطات الجزائرية - مثل كثير من السلطات العربية - تعلن موقفها العدائي للإخوان المسلمين، كان يسمح بتوزيع كتابات أقطاب هذه الجماعة، خصوصاً سيد قطب.
ولم يكن أقطاب "الإخوان المسلمين" الذين يحضرون إلى الجزائر على استعداد للتخلي عن قناعاتهم، حتى أن الداعية زينب الغزالي كانت تهاجم السلطات العربية بما فيها السلطة الجزائرية، خصوصاً رئيسها بومدين لتطبيقه النظام الاشتراكي، لكن الأخير لم يكن ليمنعها من هجومها، بل بالعكس وحسب بعض تصريحاتها، فإنه كان يدعو معها أن تعود الجزائر الى الإسلام.
آنذاك كان التيار الإسلامي في الجزائر فريقاً واحداً، لم يدخل لعبة السياسة بعد، ولم يكتشف مناطق الضعف في الدولة.
لذلك كانت الاستجابة تلقائية. وما كادت السبعينات تنتهي، حتى دخل بعض الجزائريين فرادى وزرافات في جماعة الإخوان المسلمين المصرية أولاً، ثم في التنظيم العالمي للإخوان ثانياً.
ومع السنوات، وما سمحت به فترة الرئيس الشاذلي بن جديد من حركة وحرية أوسع للتيار الإسلامي، عادت محنة الإخوان في مصر للظهور ثانية، لكن هذه المرة ليست مجرد معاناة يريد الحفاظ عليها في ذاكرة الأمة، وإنما كفعل سياسي للوقوف ضد الدولة الوطنية، وإسقاط النظام القائم، ولو دفع الأمر إلى استعمال القوة، غير أن اللجوء للعنف كشف عن اختلافات داخل التيار الإسلامي الجزائري، على صعيد التنظير، وعلى صعيد الممارسة أيضاً، لذلك تعددت الجماعات وتباينت، فهناك "جماعة الجزأرة" - نسبة للجزائر - و"جماعة السلفية" وجماعة "مالك بن نبي"، وجماعة "الإخوان المسلمين"، ويمكن القول إن هناك فريقين رئيسيين تختصر فيهما الجماعات السابقة هما: تيار الجزأرة، الذي يؤمن بخصوصية التجربة الجزائرية، وجماعة "الإخوان المسلمين" التي تؤمن بارتباطها بالتنظيم العالمي، أي أن الأولى محلية، وإن صنعت جل الأحداث السياسية الكبرى في الجزائر التي هي مثار الاهتمام، والثانية عالمية وإن اعتمدت على قوتها الجماهيرية داخل الجزائر.
واضح الآن، أن جماعة "الإخوان المسلمين" أصبحت مشاركة في السلطة من خلال حركة مجتمع السلم حمس، وتراهن على مزيد من المشاركة، وتطمح إلى أن تكون بديلاً عن كل الأحزاب الإسلامية الأخرى. وهي متهمة بزرع أفكار العنف والإرهاب في الجزائر، رغم أن خطابها السياسي تغير تماماً. وإن كانت لم تتخل عن محاولة المساهمة في حل الأزمة الجزائرية بنظرة إسلامية خصوصاً بعض رجالها الذين هم أصلاً من النخبة المثقفة في البلاد. لكنها وهي تقوم بذلك تخلط الدين بالسياسة، وكأنها تنتقم لما أصاب قادتها في مصر، ورغم أن بعض قادتها عانوا في الجزائر من السلطات، إلا أن معاناتهم تلك لم تكن في مستوى ما حدث في مصر.
يلاحظ أن حركة مجتمع السلم "حمس" تعيش في خطأ تاريخي هو صراعها مع الدولة الوطنية من منطلق محاربة العلمانية، في حين أن أصحاب هذا التيار الآن - داخل الجزائر - يحاربون الدولة أيضاً، ولا أحد يدري الآن ما إجابتها عن سؤال يطرح كل يوم: "هل تخلت عن محاربة السلطة الجزائرية لأنها أسلمت، أم لأنها أصبحت هي السلطة فتخلت عن قناعاتها الدينية السابقة؟". وهذا السؤال نفسه يطرحه بعض عناصر الجماعات المسلحة بطرق مختلفة، وذهب ضحيته كثير من الإسلاميين. وبغض النظر عن الإجابة، فإن زحف "الإخوان المسلمين" نحو السلطة في الجزائر لا يقضي على ذكراهم المريرة في مصر، ولكن يؤكد رؤية الأنظمة المتعاقبة في مصر، أنهم يسعون الى السلطة بكل الوسائل، غير أنه على رغم وصولهم في الجزائر، وجماهيريتهم، ما يزالون يعيشون على هاجس يقض مضجعهم اسمه "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهم في ذلك يلتقون مع بعض رجال الحكم، مثلما يقض مضجعنا جميعاً كابوس مزعج فتاك اسمه "الجماعات الإرهابية" المتعددة.
* كاتب جزائري مقيم في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.