إن فضل العرب على أوروبا في قضية الوحدة لايقل عن فضلهم على البشرية في الطب والكيمياء والجبر، ولايمكن استبعاد أو تجاهل دورهم الرائد في ما تحقق للوحدة الأوروبية من إنجازات توجت أخيراً بتوحيد العملة باليورو. ولا بد للأوروبيين وهم يحتفلون بتدشين عملتهم الجديدة أن يتذكروا فضلنا نحن معشر العرب عليهم في هذا الإنجاز التاريخي، نحن الذين علمنا أوروبا فكرة الوحدة، وتجنب الأوروبيون كل مشاكلها من خلال تعلمهم من تضحياتنا الجبارة والفادحة في غياهب الوحدة. بدأ العرب المعركة من أجل الوحدة الكاملة قبل أوروبا بسنوات، واقتحموا كل الأبواب خلال معركتهم للفوز بها، دخلوها من أبواب توحيد اسم الزعيم، وشكل العلم، واسم الدولة، والسلام الوطني، وتحديد إجازة نهاية الأسبوع، ومواعيد الامتحانات في الثانوية العامة، وملابس جنود الشرطة والمرور، والمنتخبات الرياضية، والأغاني الوطنية، ومهرجانات الشعر والقصة القصيرة، إلى غيرها من الأبواب. وفي كل مرة خاض العرب معركة شرسة أنستهم سابقتها، لكنهم لم يفكروا قط في دخول معركة الوحدة من الباب الأخير، والممكن، باب الفلوس، الذي وجدت فيه أوروبا الحل. العرب يعرفون أن الاقتصاد والتجارة والفلوس والمصالح تؤدي إلى الوحدة من دون حاجة إلى حروب وانقلابات وبيانات، وإلغاء خصوصية الشعوب، وأعلام الدول، وأسماء العواصم، ومواعيد نشرات الأخبار، ولون جواز السفر، لكنهم لايستطيعون خذلان شاعرهم الكبير أبوفراس الحمداني. لهذا سيبقى ذنب فشل كل تجارب الوحدة السابقة في رقبة هذا الشاعر الحالم. حين دخل أبوفراس أسيراً قال له قائد الروم مستهتراً: ما للعرب والحرب والسياسة، أنتم أهل التجارة والبيع والشراء ورحلات الشتاء والصيف، وإيلاف قريش. فرد عليه أبو فراس غاضباً: ياضخم اللغابيب من للحرب إن لم نكن لها، ثم أنشد قصيدته المعروفة في الفخر، ومن يومها أصبح العرب لايطيقون التعاطي بالتجارة والفلوس وحطب الدنيا، وتركوها لذلك الرومي الجبان، وانتصروا لشاعرهم واحترفوا الوحدة بالحروب. ليت أبوفراس يقوم من رقدته الأبدية ليرى كيف ورّطنا بشعره، وليتأكد من انتصار ذلك الرومي علينا، وكيف أصبحنا لا في العير ولا في النفير.