تتحدث اسرائيل عن خطة جديدة في لبنان. ويعني ذلك بادئ ذي بدء انها قررت ادامة الاحتلال في المدى المنظور. لم يتجاوب بنيامين نتانياهو مع دعوة ارييل شارون الى الانسحاب التدريجي من طرف واحد. واسقط كل حديث عن انسحاب دفعة واحدة ومن دون تفاوض. لقد فضّل هذا الخيار لاقتناعه به وحتى لا ينقلب اسحق مردخاي انتخابيا ضده. وهذه الخطة من شقين. الأول هو حماية الاحتلال ضمن الشروط التي يصفها "تفاهم نيسان". والثاني هو التهديد بالخروج على "التفاهم". وفي المجال الأول ثمة حديث عن تخفيض حجم التواجد البشري المباشر. وكذلك عن زيادة الاعتماد على وسائل تكنولوجية جديدة. وأخيراً تكثيف العمل المخابراتي في الداخل اللبناني. ولقد لوحظ ان تل أبيب تعمّدت الاعلان بفخر عن سلسلة من عمليات تفجير العبوات معتبرة انها عطلت، بذلك، السلاح الذي طوّرته المقاومة والذي الحق بجنود الاحتلال خسائر مؤلمة في الاسابيع الاخيرة. كما لوحظ ان اسرائيل اعطت اهمية كبيرة لاستشهاد زاهي حيدر احمد موحية انها "قضت" على "المهندس" اللبناني الذي نجح في تجاوز التعقيدات التي وصفها خبراؤها في سياق السعي الى تعطيل قدرات المقاومة. اما في المجال الثاني فقد استقر الرأي في المجلس الوزاري المصغّر على عدم ترك الكاتيوشا على مستعمرات الجليل من دون رد. هذا هو القرار الذي اتخذ الاسبوع الماضي والذي يفهم منه ان تل أبيب ستعطي نفسها الحق بالخروج عن "تفاهم نيسان" الذي ينظم اطلاق النار، لا وقفها، في الشريط المحتل. لقد ابقيت حيثيات التوجه الاسرائيلي المستجد محاطة بنوع من الكتمان يراد له ان يلعب دور "الغموض الرادع". ففي حين يقول معلقون ان اهدافاً للمقاومة ستكون في خط المرأى حيث هي موجودة، يقول آخرون ان النية متجهة الى قصف منشآت مدنية واقتصادية "عقابا" على الكاتيوشا. ويستند الرأي الثاني الى ان الناطقين الاسرائيليين اعلنوا انهم يحمّلون الحكومة اللبنانية المسؤولية الامر الذي يعني ان الرد سوف يطالها بشكل أو بآخر. لقد ادخلت اسرائيل معطى جديداً على المعادلة. فمن الواضح انها سوف تسمح لنفسها بحرية حركة يمكن لها ان تطاول المدنيين اللبنانيين من غير ان يكون لأحد حق المعاملة بالمثل. اي انها، بكلام آخر، تريد للمقاومة وحدها ان تحترم "اتفاق نيسان" بحيث تتكاثر الشكاوى امام لجنة المراقبة. وفي حال لم يحصل ذلك، اي في حال عدم الاكتفاء بالشكوى، فان الجيش سيكون طليق اليدين لعمليات واسعة. ان الهدف الواضح من وراء ذلك هو الغاء الكاتيوشا وتحييد الشمال الاسرائيلي تماماً من دون ان يعني ذلك التزامات مقابلة حاسمة. فاذا كان بالامكان التغاضي مرة وثانية عن اصابة مدنيين لبنانيين والاكتفاء برفع الامر الى لجنة المراقبة فان الموضوع برمته يتغير اذا تكررت هذه الحالة وكانت الخسائر كبيرة وكانت قرارات اللجنة ضعيفة او عديمة الجدوى. ولقد شرعت اسرائيل في عملية الاستدراج منذ يوم امس الامر الذي يضع اللبنانيين والسوريين امام اسئلة صعبة. وهي تزداد صعوبة بفعل اجواء الحملة الانتخابية الاسرائيلية التي هي، في غالب الاحيان، مناسبة "نموذجية" للتصعيد. فكيف اذا كان نتانياهو رئيساً للوزراء؟ وكيف اذا كان، فوق ذلك، محشوراً؟