هناك في اسرائيل من طرح اسم ناتان شارانسكي، وزير التجارة والصناعة، كمرشح آخر لرئاسة الوزارة. وفي حين ان اسماء كثيرة مطروحة الآن، وان امل شارانسكي برئاسة الوزارة يكاد يكون معدوماً، فان تداول اسمه يعكس زيادة نفوذ المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق. وكان حزب المهاجرين الذي يرأسه شارانسكي حقق نجاحاً غير متوقع في انتخابات سنة 1996، وعاد هذه السنة فحقق نجاحاً اكبر في الانتخابات البلدية، ما أثار قلق فئات اخرى من السكان، خصوصاً اليهود المغاربة. عدد السكان في اسرائيل اليوم حوالي 4.5 مليون نسمة، منهم 1.2 مليون من الصابرا، اي الذين ولد آباؤهم في اسرائيل. ويأتي بعد هؤلاء 900 ألف من الاتحاد السوفياتي السابق، و505 آلاف من المغرب و250 الفاً من العراق، ومثلهم من رومانيا، و155 الفاً من اليمن، و136 الفاً من ايران، و126 الفاً من الجزائر وتونس، و823 الفاً من بقية دول العالم. وتقول دراسة صادرة عن الجامعة العبرية ان المهاجرين من الاتحاد السوفياتي في التسعينات زادوا عدد سكان اسرائيل بنسبة 15 في المئة، واصبحوا اكبر مجموعة مفردة في البلاد، بعد ان كان اليهود المغاربة اكبر مجموعة. وأتوقف هنا لأسجل كذبة اخرى لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، فهو اكد امام لجنة الاستيعاب والهجرة في الكنيست اخيراً ان لديه معلومات اكيدة تشير الى ان عدد المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق سيزيد مرتين او ثلاث مرات السنة القادمة، وان الرقم سيتراوح بين مئة الف و150 ألفاً. غير ان ياكوفو كيدمي، المسؤول عن الهجرة في مكتب رئيس الوزراء نفسه اكد للجنة في وقت لاحق ان تقديرات الهجرة لا تتجاوز 45 ألفاً كحد اعلى. وخارج نطاق كذب نتانياهو، فقد أدت زيادة اعداد المهاجرين الروس الى تصادم مع اليهود المغاربة في مدن مثل اشدود وعسقلان وبئر السبع. ففي اشدود يشكل المهاجرون الروس ثلث سكان المدينة البالغ عددهم 170 ألفاً، ويسيطرون على احياء كاملة منها، ما جعل اليهود المغاربة يخشون ان يخسروا وظائف او عقود العمل او السيطرة على دوائر الاسكان والتعليم والهجرة. وهم ايضاً غاضبون لأن اليهود الروس غير متدينين ويريدون فتح الاسواق سبعة ايام في الاسبوع كما انهم يأكلون لحم الخنزير. في عسقلان قتل الجندي جان شيبشوفيتز، وهو مهاجر من مولدوفا السوفياتية، لمجرد انه كان يتحدث بالروسية مع اصدقائه في مقهى. وقالت صوفيا لاندفر، وهي عضو في الكنيست، انه لم يكن يتقن العبرية بما يكفي لاستعمالها في الحديث. غير ان الخلاف بين الجماعتين هو اوضح ما يكون في بئر السبع التي انتقل اليها 50 ألف مهاجر روسي في السنوات الاخيرة. والخلافات فيها تعكس تعقيد المجتمع الاسرائيلي والسياسة. ففي الانتخابات البلدية الاخيرة أيّد حزب المهاجرين بعاليا او الصعود، تعني المهاجرين الى اسرائيل مرشح حزب العمل يعقوب تيرنر، وعقد شارانسكي نفسه الاتفاق معه، على الرغم من مطالبة نتانياهو اعضاء الحكومة تأييد مرشح ليكود ديفيد بونفيلد. ولم يخف تيرنر اعتماده على اصوات اليهود الروس، وزعم انه منهم، في حين انه مولود في اسرائيل لأبوين من اصل يهودي روسي، ما يجعله من الصابرا. كما انه اشار تكراراً الى ان منافسه بونفيلد من اصل مغربي، املاً بإقناع الناخبين من اليهود الروس بالتخلي عنه. واذا كانت الانتخابات البلدية التي جرت للمرة الاولى منذ سنة 1993 مؤشراً صحيحاً، فان الخلافات التي أفرزتها بين اليهود الروس والمغاربة، وبين الاشكناز والسفارديم ككل، لا بد ان تتكرر في انتخابات الكنيست القادمة. ويتوقع اليهود الروس ان يفوز منهم عدد من المرشحين يعكس نسبتهم من السكان، اي 15 في المئة، ما يجعلهم من اقوى الكتل في البرلمان الجديد. هذا الوضع يقلق بعض المراقبين الاسرائيليين، لانه يجعل الجماعات الأقل عدداً تتكتل دفاعاً عن مصالحها، فلا تعود اسرائيل تلك البوتقة التي ينصهر فيها يهود العالم، بل جماعات متنافسة متباينة، لا يجمع بينها سوى الخوف من الجيران. ونقطة اخيرة عن القدس، فالمدينة المقدسة تتعرض هي ايضاً لتغييرات ديموغرافية سببها الهجرة اليها، والهجرة المضادة، فالدراسات تظهر ان اليهود العلمانيين ينزحون عنها الى الضواحي، في حين يأتي اليها يهود متدينون من الخارج، فينقص العلمانيون بمعدل واحد في المئة في السنة، ويزيد المتدينون بمعدل 1.5 في المئة. ومجمل زيادة السكان هي 2.4 في المئة، منها زيادة 1.3 في المئة للقطاع اليهودي، و3.5 في المئة للفلسطينيين. وبين هؤلاء يزيد المسلمون 3.8 في المئة في السنة، مقابل زيادة واحد في المئة للمسيحيين. غير ان وضع القدس لن يختلف بما يكفي للتأثير في انتخابات الكنيست القادمة، فالمدينة، تمثل تيار المتدينين اليهود، مقابل تيار العلمانيين في تل ابيب، التي لن تشهد بدورها تغييراً ملحوظاً. غير ان اليهود الروس سيبرزون كقوة كبيرة في الانتخابات، وبما انه لن يفوز حزب واحد بغالبية لتشكيل حكومة فانهم قد يصبحون قوة مرجحة بين العمل وائتلاف ليكود، وربما حزب الوسط الذي ينوي آمنون شاحاك تشكيله.