وجهت "الحياة" خمسة أسئلة عن الوضع العراقي بعد الضربة الاخيرة 20/12/98 وموقف المعارضة منها ورؤيتهم لاستراتيجية التغيير. والاجابات التي قدمها ممثلو التيارات العراقية المختلفة لا تغطي بالضرورة مجمل المواقف العراقية، فعدا عن تعسر الوصول إلى كثير من الشخصيات والأحزاب لأسباب تقنية بحتة، هناك شخصيات وأحزاب عديدة عبرت عن رأيها بوضوح ولم نعد إليها. وهنا الأسئلة والردود عليها: أولاً: الموقف من الضربة الجوية الانكلو - أميركية، هل تؤيدونها أم ترفضونها، وما هي أسبابكم؟ ثانياً: المشروع الأميركي - الغربي للتغيير في العراق. ما هو هذا المشروع؟ ملامحه؟ هل تؤيدون الدور والمشروع الأميركي بصدد العراق، أم تعارضونه؟ ولماذا؟ ثالثاً: البديل عن النظام الحالي في العراق. هل بوسع المعارضة العراقية في الخارج اقامة البديل؟ أم هو بديل من الداخل... داخل النظام؟ رابعاً: ثمة حديث عن "مرحلة انتقالية"، ما هو تصوركم لهذه المرحلة. وهل هنالك مخاوف من حصول اصطدامات، مجازر، أو نزوح سكاني وما إلى ذلك مما يتبادر لذهن المراقب السياسي، أم ليس ثمة داعٍ للخوف والقلق؟ خامساً: ما هي شروط المشروع الوطني لعراق المستقبل في نظركم؟ فالح عبدالجبار كاتب عراقي. 1- الضربة الانكلو - اميركية تفتقر برأيي الى الأسس التي تحكم، أو يفترض ان تحكم، عالمنا المعاصر. أعني أنها تفتقر الى أي مسوغ اخلاقي أو قانوني حقوقي أو سياسي. وأظن لو اقتصرنا على البعد السياسي انها سياسة حمقاء وضارة في التعامل مع القضية العراقية. فمن الوجهة الاخلاقية لا يمكن القبول بسفك دماء الأبرياء تحقيقاً لغرض سياسي. لم تعد الحرب وسيلة مقبولة من وسائل السياسة وحقوقياً، لا تملك الولاياتالمتحدة وبريطانيا أي تفويض لتطبيق القانون الدولي في منطقة من دون أخرى، انتقائياً، أما سياسياً فإن العمل العسكري يولد نتائج عكسية. يذكر ان الخطر الخارجي هو أحد العوامل التي تشد تلاحم النخب الحاكمة وتعالج تصدعاتها، كما انه يضفي عليها طابعاً وطنياً يزيد من شعبيتها عربياً في الأقل، ويمنع طرح الأسئلة الداخلية. باختصار ان ظروف الحرب تشل أو تلجم التطور الداخلي. ولما كان النظام السياسي في العراق يتميز بطابع شمولي، يقوم على نظام الحزب الواحد المندمج بنظام الأسرة، ويعتمد على شبكة تحالفات عشائرية، وعلى اقتصاد أوامري، تجمع فيه الدولة احتكار السلطة السياسية بالسلطة الاقتصادية، فإن بوسعنا ان نتخيل النتائج الكارثية لسياسة العصا الغليظة الدولية. 2- ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا هما طرف مستجد في الخصومة والمعارضة للحكم العراقي. وترجع هذه الخصومة الى عام 1990 وهي مدفوعة بالاعتبارات نفسها التي جعلت واشنطن تدعم الحكم العراقي خلال حربه مع ايران لتمده بالقروض والدعم الاستخباراتي والديبلوماسي، وصولاً الى الدعم العسكري المباشر. ذلك ان للولايات المتحدة مصالح اقليمية محددة في المنطقة. ولا يعنيها في شيء ان تشير وجهة التطور الداخلي دول المنطقة باتجاه دولة الحزب الواحد، أو دولة القانون والتداول الدستوري. يخطئ من يظن ان الولاياتالمتحدة تريد نظاماً "ديموقراطياً" في العراق. فكل ما تبتغيه هو وجود أو مجيء نظام يتفق مع اعتبارات مصالحها الاقليمية، سواء كان عسكرياً أم ديموقراطياً، وأظن انها تسعى، عن طريق الضغط العسكري، الى استيلاء جنرال على حصان أدهم، جنرال أكحل العينين، عربي الأرومة، من مذهب معين، بيجاتي تكريتي المنحدر. 3- ما من معارضة منفية خارج بلادها قادرة على تغيير الحكم في الداخل. فالمنفي أصلاً عاجز عن البقاء على أرض وطنه ليس إلا. وقد عاش كثير من المعارضين خارج أوطانهم، ابتداء من يعاقبة الثورة الفرنسية هربا من الباستيل مروراً ببلاشفة الثورة الروسية هرباً من سطوة الأوخرانا، وانتهاء بملالي الثورة الايرانية هرباً من السافاك. لكن للمعارضة في الخارج دوراً تعبوياً وإعلامياً. وهي، بمعنى ما، ذراع مساعد، وقوة اخلاقية يمكن ان تسهم في خلق أجواء مواتية وان تعبر عن تطلعات للأمة الصائمة عن الكلام في الداخل لتوصل صوتها الى المحيط الاقليمي المباشر. والمحيط العالمي الأوسع. 4- التغيير المقبل في العراق أمام خيارين، إما نار للتطور الهادئ في الداخل، أو جحيم التدخل العسكري الخارجي. هذا الأخير، باعتراف الساسة الاميركيين والبريطانيين، في حكم المحال، اذ أن أقل ما يتطلبه هو احتلال البلد بأسره جيش قوامه نصف مليون جندي. ليس هناك من سبيل سوى التطور الداخلي التدريجي، الطبيعي. ولا يمكن لهذا التطور ان يمضي بمرسوم أو بصاروخ. وحين تأزف لحظة التغيير لن يقدر أحد على ايقافه. فنظام الحزب الواحد صار من مخلفات الماضي. وهو عاجز خصوصاً في مجتمع متعدد الاثنيات والاديان والطوائف والطبقات مثل المجتمع العراقي. وهناك حقيقة اخرى هي اننا نعيش في عصر المجتمعات الحضرية المعقدة. لقد ولى زمن الحروب الفلاحية منذ ماو وهوشي منه وكاسترو ودخلنا عصر التمردات الجماعية في المجتمعات الحضرية المعقدة بكثافتها السكانية الكبيرة، ونظم اتصالها السريعة، على غرار ما حصل في ايران 1979 ورومانيا 1989. فما ان تنضج حركة احتجاج هائلة حتى تستثمر كل ما يقع في حياة المدينة من مؤسسات ووسائل لأجل التنظيم الذاتي، من الجوامع الى الساحات العامة، ومن المدارس والجامعات الى الأسواق الشعبية والكراجات، ومن المآتم والمقابر، الى منابر الروزخون وأئمة الجوامع، مروراً بالأندية الرياضية والزورخانا الشعبية. 5- لا ريب في ان التغيير المقبل سيكون عنيفاً، وان درجة عنفه تتحدد بدرجة المقاومة التي تبديها النخب الحاكمة الآفلة. لست من المبشرين بالحرب الأهلية، لكن التطور الحالي يقود اليها. ثمة مخرج واحد، وحيد، لتجنب أنهار الدماء المقبلة، استقالة القيادة الحالية، يمكن بالطبع ضمان أمن وسلامة الرئيس وأسرته اشقاءه، أبناءه، أبناء عمومته ومجيء قيادة جديدة تلتزم بإنهاء نظام الحزب الواحد. هل يمكن انتظار مبادرة تاريخية كهذه؟ ربما. فالبلاد في نفق مسدود. والخيار يقوم بين التضحية بأمة أو التضحية بأسرة. هذا الخيار مرهون بعدد من شخصيات الحزب الحاكم. انشق الكثير من أعضاء هذا الحزب على حزبهم، بعضهم حمل السلاح في الانتفاضة، وبعضهم تحول من بياع خدمات لصدام الى بياع خدمات لمن يدفع في الخارج. لا ريب ان هناك قطاعاً منهم يرى ان مصيره معلق على كف عفريت. وانه سيتدمر بدمار هذا النظام. هذا التصور ليس خاطئاً، ولكنه ليس صحيحاً بكامله. فمن يعتزم البقاء في المركب حفاظاً على مصالحه الأمنية معرض للضياع بسقوط هذا النظام. لكن الانتقال الى إزاحة نظام الحزب الأسرة يمكن ان يفتح، لمن يريد، طريق الخلاص. وهو خلاص مركّب يغسل ذنوب الولوغ في دم العراقيين. ينبغي للمعارضة في الخارج ان تخاطب هذا القطاع أولاً، وأن تبلور بيئة خارجية مؤاتية ثانياً، وأن تعمل على بلورة نموذج لدولة القانون الدستورية في المستقبل، ثالثاً. يمكن، في الأقل، ان تبدأ حركة مطالبة باستقالة الرئيس العراقي مشفوعة بإقصاء أبنائه وأخوته وأبناء عمومته عن مقاليد الحكم. صلاح عمر العلي سكرتير تجمع الوفاق الديموقراطي 1 - ندين ونستنكر العدوان الجوي والصاروخي الانكلو - اميركي البربري ضد العراق بذريعة عدم تعاون نظام بغداد مع اللجنة الدولية الخاصة، تلك الذريعة التي لم تظل على احد في هذا العالم. فقد مضى على ممارسة هذه اللجنة لمهماتها التفتيشية قرابة ثماني سنوات وهي تجوب ارض العراق شبراً شبراً وتفتش كل موقع فيه من الجبال والوديان والانهار والجامعات والمدارس والمعامل والدوائر الحكومية وحتى دور سكن المواطنين. وقد اعترف رئيس اللجنة ريتشارد بتلر اكثر من مرة بأنه تم تدمير 95 في المئة من اسلحة العراق ذات التدمير الشامل، كما دمرت هذه اللجنة عشرات المعامل والمؤسسات الصناعية التي تشكل جزءاً مهما من أسس البنى التحتية العراقية، بعد ان اعتبرتها مشمولة بقرار مجلس الأمن 687. واستهدفت تلك الهجمات القضاء على البقية الباقية من البنى التحتية العراقية ومواقع عسكرية ومنشآت مدنية ومبان سكنية وخدمية هي ملك لشعب العراق وليست ملكاً للنظام، بالاضافة الى قتل آلاف من المواطنين العراقيين الابرياء. وأكدت المصادر الدولية المستقلة ان قرار العدوان على العراق اتخذ من قبل الرئيس بيل كلينتون قبل يومين من وقوعه بعد ان اطلع على تقرير رئيس اللجنة الدولية الخاصة قبل ان يعرض على مجلس الأمن. ومعروف ان القصف الجوي والصاروخي على العراق بدأ في وقت كان فيه مجلس الأمن الدولي - وهو اعلى سلطة دولية - يعقد اجتماعاً لمناقشة الازمة الاخيرة مع حكومة بغداد. وإذا كان لذلك من معنى فانه يعني عدم التزام الادارة الاميركية بأحكام القانون الدولي واصرارها على لعب دور شرطي العالم. وإذا كان نظام بغداد برفضه الانصياع لكل قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة قد ارتكب جرماً، فالقانون الدولي العام لا يبيح الحق في معالجة الجرم بجرم معاكس له. 2 - عملياً، فان المشروع الوحيد الذي طرحته اميركا وبعض الدول الحليفة لها لتغيير النظام في العراق هو مشروع المؤتمر الوطني العراقي الذي اعلن عن تأسيسه عام 1992 بعد عقد مؤتمر في فيينا لعدد من السياسيين العراقيين الذين كانوا يتعاطفون مع الطروحات الاميركية آنذاك. وعارضنا هذا المشروع منذ بدايته وحتى نهايته وأكدنا في كل المناسبات عدم واقعية هذا المشروع وعدم قدرته على الاستمرار. كما اكدنا في الوقت ذاته ان السبيل الوحيد للخلاص من النظام العراقي يأتي عن طريق اتفاق القوى الوطنية العراقية على مشروع سياسي يستوعب مفردات القضية العراقية ويحترم ارادة المواطنين العراقيين من خلال الايمان بالتعددية السياسية والثقافية والدينية والقومية وبتداول السلطة سلمياً. وما عدا مشروع المؤتمر الوطني هذا الذي فشل فشلاً ذريعاً على رغم المحاولات الاميركية المستمرة لانعاشه وبث الحياة فيه، لم نسمع ولم نطلع على اي مشروع آخر. وما يطرح هذه الأيام على لسان بعض المسؤولين الاميركيين لا يزيد عن كونه مجرد شعارات وتلويحات عامة خالية من اي مضمون. ومن المهم ان تترسخ قناعة لدى كافة القوى والعناصر الوطنية العراقية بأن التغيير اذا ما تم على ايدي الآخرين فإنه سوف يخدم مصالحهم وليس مصالح الشعب العراقي، الامر الذي يفرض عليهم ضرورة الاتفاق التام على الثوابت الوطنية مجسدة بمشروع عام للتغيير. 3 - عند الحديث عن المعارضة في الخارج لا يعني انها مقطوعة العلاقة مع معارضة الداخل بل هي جزء مهم ومتمم لمعارضة الداخل وهي امتداد طبيعي لها. ومن هنا نرى ان الحديث عن امكان معارضة الخارج في اقامة البديل للنظام او عدمه حديث غير دقيق ولا يعكس حقيقة الوضع السياسي العراقي. صحيح ان مهمات المعارضة في الخارج تختلف مرحلياً عن مهمات المعارضة في الداخل، لكن الجميع يعملون في خط سياسي عام يستهدف الخلاص من هذا النظام الذي عرض العراق وشعبه الى العديد من الويلات والمآسي. ونظراً للتعقيدات الشديدة التي يعيشها الشعب العراقي في ظل النظام الديكتاتوري فليس مستبعداً ان يأتي البديل من داخل النظام، كما حصل في مختلف التجارب المماثلة التي كان آخرها ما حدث في اندونيسيا ونيجيريا. 4 - عندما تنجح المعارضة العراقية، بالتوصل الى اتفاق عام على وضع برنامج سياسي مستقبلي للعراق وتعمل متضامنة - على هدي الافكار والمبادئ الواردة فيه - للاطاحة بالنظام، فلا خوف عندئذ على العراق ولا أتوقع حصول مضاعفات سلبية مهمة بعد التغيير. لكن الخوف كل الخوف يأتي من عدم قدرة القوى الوطنية العراقية وعجزها عن الاتفاق في ما بينها. فاذا كنا ونحن نناضل من اجل اسقاط سلطة جائرة لم نتفق على الاهداف الوطنية العامة التي تحدد مستقبل العراق، فما هو البديل اذن؟ لا شك في انها ستؤدي الى حرب اهلية وانفلات امني وفوضى لا مثيل لها واستنزاف لطاقات البلاد البشرية والمالية، وربما تقود الى تمزيق وحدة العراق الجغرافية والسياسية، الامر الذي سيترك آثارا مدمرة على عموم دول المنطقة، مما يدعونا للتشديد على ان الضمانة الوحيدة لتجاوز اي معضلة مستقبلية لا تتحقق بالاعتماد على المشاريع الاجنبية بل من خلال الاتفاق الوطني العام. 5 - أرى ان اهم شروط المشروع الوطني لعراق المستقبل تتحدد بالآتي: اولاً: الاتفاق على الاحتكام الى دستور دائم يجسد المبادئ العامة التي يتم الاتفاق عليها بين القوى الوطنية العراقية. ثانياً: اعتماد صيغة ديموقراطية للحكم تتلاءم وظروف العراق الراهنة وتستجيب لتطلعات الشعب العراقي المشروعة في ان يحيا عزيزاً كريماً وحراً. ثالثاً: ضمان ايجاد الحل النهائي للقضية الكردية على قاعدة الحل الديموقراطي بعيداً عن استعمال القوة والارهاب. رابعاً: الاتفاق على تبادل السلطة سلمياً وفقاً لصناديق الاقتراع واحترام ارادة المواطن العراقي مهما كان جنسه او قوميته او دينه او انتماؤه السياسي. غسان العطية كاتب وسياسي عراقي مستقل" 1 - من الناحية المبدئية والذاتية لا يمكن ان اكون مع اي ضربة عسكرية ضد بلدي. ولكن من الناحية الموضوعية يمكنني ان أفهم لماذا لجأت واشنطن الى الضربة، من دون ان يعني ذلك تأييدها. فقد سبق لواشنطن ان اعلنت منذ عام بأن عدم تعاون بغداد مع لجان التفتيش سيواجه بضربة عسكرية. وتمت الحيلولة دون ذلك في شباط فبراير الماضي ازمة تفتيش القصور بالتوصل الى اتفاق عزيز - انان واستجابة بغداد للتعاون. ومرة اخرى تم تحاشي الضربة في منتصف تشرين الثاني نوفمبر الماضي عندما تراجعت بغداد عن قرارها بعدم التعاون مع اونسكوم، وبذلك انقذت العراق والعراقيين من ضربة تم تلافيها في الساعة الاخيرة، ان لم يكن في الربع الأخير من تلك الساعة. وعليه عندما تقدم بتلر بتقريره الاخير الذي يؤكد عدم تعاون بغداد، اسقط بيد واشنطن وأصبحت الضربة محتمة لاعتبارات اميركية داخلية تتعلق بهيبة الادارة والرأي العام الاميركي والصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وعلى حد تعبير رئيس الوزراء البريطاني "لم يكن امامنا اي خيار آخر". وباعتقادي ان بغداد كانت تريد مثل هذه الضربة. لأن في تراجعها، كما حصل في تشرين الثاني الماضي، خسرت اعلامياً وسياسياً. والنظام كان يسعى لمواجهة عسكرية محدودة يخرج منها سالماً، انطلاقاً من مقولة "الضربة التي لا تقتل تغوي" النظام. وفعلاً كسب النظام الكثير من الضربة الاخيرة، بدءاً من انقسام مجلس الأمن الى كسب التعاطف الشعبي العربي والاسلامي وحتى العالمي، والى فرض ضرورة اعادة النظر بنظام التفتيش بالكامل، وبشخص بتلر كذلك. 2 - لا اعرف بوجود مشروع اميركي محدد للتغيير في العراق. عبرت واشنطن مراراً عن تمنيها بحلول نظام اكثر انسانية واستجابة لرغبات الشعب، من النظام الحالي. ولكن كيف يتم تحقيق ذلك ومتى؟ اسئلة لا جواب عنها عند الادارة الاميركية. كانت امام الادارة الاميركية فرصة للتغيير ابان انتفاضة آذار مارس 1991. لكن قناعتها كانت آنذاك ضد مثل ذلك التغيير. وفي ما بعد سمعنا عن رغبتها بتغيير يتحقق عبر "انقلاب القصر"، او انقلاب عسكري، وربما الاغتيال؟ وفي كل الاحوال كانت تريد ايادي عراقية تقوم بهذه المهمة وليس جنود الاحتلال الاميركان. ان العراق بعد قبوله قرار مجلس الأمن 687، بات بحكم الدولة المنتدبة، وأصبحت الولاياتالمتحدة صاحبة شأن في تقرير مستقبل العراق، شئنا ام أبينا، وسبق للعراق ان كان تحت الانتداب البريطاني لكن الفرق اليوم ان الانتداب السابق ساهم في بناء الطرق والجسور بينما الانتداب الجديد اخذ يهدم تلك الطرق والجسور. المطلوب مراجعة جذرية للسياسة الاميركية تجاه العراق، ووضوح اكثر في الرؤية والأهداف وفي ادوات تحقيق تلك الأهداف. 3 - هناك بدائل وليس بديل واحد للنظام الحالي في العراق. ولكن السؤال هو اي بديل نريد؟ وكيف نحقق ذلك؟ نظرياً يقال ان الشعب العراقي هو الذي يجب ان يقرر البديل والتغيير. لكن الواقع شيء آخر. الشعب لم يقرر مجيء البعث للحكم عام 1968، ولا الانظمة السابقة. وإذا كانت بعض فئات الشعب العراقي قادرة في الماضي على تغيير النظام عبر انقلاب عسكري او اغتيال، فان واقع النظام الحالي يجعل من ذلك امراً صعباً ان لم يكن مستحيلاً من دون دعم خارجي. صحيح ان المعارضة العراقية في الخارج غير قادرة على اقامة البديل لكن لها دور سياسي وريادي واعلامي. ومع ذلك فشلت حتى في ذلك. وبعض المسؤولية تقع على بعض الدول التي تعاملت مع المعارض العراقي كورقة سياسية لخدمة مصالح ضيقة. اما عن المعارضة في الداخل فيجب ان نكون دقيقين. ان الطبيعة الارهابية والقمعية للنظام حالت دون نمو معارضة على ارض الوطن. فمصير المعارض تحت النظام الحالي هو الموت او الهرب خارج العراق. وما قيض للمعارضة العراقية الكردية ان تكون قوية الا بمساعدة اجنبية وتحديداً اميركية. ولا اعتقد ان هناك كردياً مستعداً لمقايضة الدعم الاميركي بحكم صدام حسين. وكذلك الحال بالنسبة للمعارضة الاسلامية العراقية فلولا حماية ايران وتوفير الملجأ والامان لها لكان مصيرها الموت والسجن في العراق. 4 - ان طبيعة النظام الحاكم في العراق ونتائج غزو الكويت اخرجت الشأن العراقي من يد ابنائه، لصالح تدويل قضيته. ومع ذلك يبقى الرقم العراقي المعارض اساسياً في اي معادلة للتغيير في العراق الآن او المستقبل. اما الاشارة الى ان التغيير يدفع العراق نحو مجازر او نزوح سكاني فهذه احتمالات واردة. والمسؤولية تقع على النظام الذي يرفض الاعتراف بحق هذا الشعب بالحياة الكريمة. ويرفض بعد كل مآسي الحرب مع ايرانوالكويت المراجعة او الانفتاح بما يحقق مصالحة وطنية وتغييراً سلمياً يخلص العراق من قيود وعقوبات الأممالمتحدة. وان النظام يريد استغلال هذه المخاوف لتبرير استمراره في السلطة. 5 - عراق ما بعد صدام سيكون مختلفاً لا شك. وهناك جملة متغيرات لا بد من ان تؤخذ في الاعتبار: 1 - عراق اليوم هو عراق مقسم فعلاً بين شمال شبه مستقل وجنوب في حال تمرد، ووسط يعاني من اضطهاد مافيات السلطة. ان المعارضة القادرة على اعادة وحدة العراق هي التي تملك شرعية البديل الوطني. 2 - لا بد من اعتماد المشاركة الأوسع في الحكم والسلطة عبر نظام برلماني تمثيلي في اطار حكم لامركزي او فيديرالي. 3 - الاعتراف بتعددية المجتمع العراقي قومياً ومذهبياً وسياسياً، وايجاد صيغة تجمع الجميع في اطار "الهوية العراقية" والانتماء العراقي اولاً. 4 - اعتماد نهج سياسي خارجي يكرس العراق الأمن والأمين، بعيداً عن المغامرات، بهدف اعادة بناء الوطن والمواطن.