مع بروز اتجاه جدي لدى حكومة العهد الاولى في لبنان لدمج بعض الوزارات واعادة تنظيم وزارات اخرى عبر عملية اصلاح اداري عُهد بها الى الوزير الدكتور حسن شلق، اكثر المسؤولين خبرة بالادارة اللبنانية، ومعرفة بثغراتها ومساوئها تبدو وزارة النفط وكأنها اكثر الوزارات حاجة الى اعادة تنظيم سواء لجهة الهيكلية او لجهة المهام. وغني عن القول ما لهذه الوزارة من اهمية بالغة في النهوض الاقتصادي كونها تتولى ادارة شؤون قطاع يمثل نحو 90 في المئة من الطاقة المستخدمة في لبنان. ولعل من الاسباب الملحة لتفعيل دور الوزارة وتمكينها من تنفيذ المهام الاساسية الملقاة على عاتقها، انها كادت في الاعوام القليلة الماضية، ان تتحول الى مجرد جهاز يستورد المشتقات النفطية اما مباشرة او بواسطة الشركات الخاصة، مع ما اثارته صفقات الاستيراد من انتقادات وشكوك. وانطلاقاً من مهام الوزارة الاساسية، ودورها المستقبلي كما ينبغي ان يكون، لا بد من هيكلية حديثة ذات صلاحيات بعضها مستحدث، وصلاحيات يمكن إلحاقها بوزارة الاقتصاد والتجارة لملاءمتها مع صلاحيات هذه الوزارة. وعلى هذا، فإن الوزارة قد تتألف من الاجهزة والوحدات التالية: أ - ديوان الوزير الذي يُناط به اقتراح السياسة النفطية والعمل على تنفيذها بعد اقرارها من الحكومة. ب - لجنة الطاقة التي تشكلت عام 1982 برئاسة الوزير وتضم ممثلين عن المؤسسات الرسمية المعنية بشؤون الطاقة، ومهمتها وضع الدراسات والبحوث المتعلقة بشؤون الطاقة واقتراح السياسة العامة للدولة في هذا المجال في ضوء حاجات هذه المؤسسات والقطاعات الاقتصادية. ج - مؤسسة عامة للنفط والثروة المعدنية وحدة مستحدثة تتولى: تأمين حاجة البلاد من المشتقات النفطية، اما عن طريق الاستيراد المباشر واما عن طريق الانتاج المحلي، عند وجود مصفاة او اكثر لتكرير النفط الخام كما كان الحال قبل الحرب الاهلية. وفي هذا المجال ينبغي درس اوضاع المصفاتين القائمتين في الشمال والجنوب عند نهاية خطي انابيب العراق والتابلاين السعودية بهدف التأكد من امكانية اعادة تأهيلهما وتشغيلهما بشكل اقتصادي او تقرير الغائهما وانشاء مصفاتين جديدتين مكانهما او انشاء مصفاة كبيرة في احد الموقعين طرابلس حسبما ينتهي اليه رأي الخبراء الفنيين والاقتصاديين. مع الاخذ في الاعتبار امكانية اعادة ضخ النفط العراقي والنفط السعودي بعد زوال الاسباب التي ادت الى توقف الخطين. وسيكون من المهام الرئيسية للمؤسسة المقترحة، استئناف المساعي في مجال البحث والتنقيب عن النفط من النقطة التي توقفت عندها اواخر صيف عام 1975. يوم اعدت وزارة الصناعة والنفط في عهد حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي والوزير غسان تويني الترتيبات الفنية والقانونية لاستدراج عروض بهدف منح امتيازات للتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية. وقد دُعيت نحو 56 شركة عالمية لتقديم عروضها، الا ان استئناف العمليات العسكرية اواخر صيف 1975 حال دون منح الامتياز لأي شركة على رغم ورود طلبات عدة في هذا الشأن. على ان الاهتمام الدولي بالتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية بعد فشل المحاولات التي جرت في البر بين عامي1947 و1966 يتمثل بتنافس شركات نفط دولية عدة عامي 1973 - 1974 للحصول على امتياز للتنقيب في المياه الاقليمية ابرزها شركة فرنسية وشركة اخرى ايطالية. ولم تبت الحكومة آنذاك بأي من العروض لافتقارها الى الجهاز الفني والقانوني والانظمة التي تتلاءم مع واقع هذه الصناعة. وفي عام 1975 على اثر تأليف حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي التي عُين فيها السيد غسان تويني وزيراً للصناعة والنفط، قررت الحكومة استئناف اعداد الترتيبات القانونية والفنية لاستدراج عروض التنقيب عن النفط. وأصدرت بتاريخ 31 تموز يوليو المرسوم رقم 10537 القاضي بوضع موضع التنفيذ مشروع القانون المحال على مجلس النواب بتاريخ 11 نيسان أبريل 1975 اي قبل اندلاع الاحداث بيومين. وكان الهدف من القانون المذكور تحرير الاراضي اللبنانية من الرخص والامتيازات السابقة التي لم تسفر عن اي نتائج ايجابية، واتاحة الفرصة امام الشركات الدولية لاختيار المساحة التي تريد سواء في البر او في البحر واستعانت الوزارة آنذاك بالخبير المصري في عقود الامتيازات ابراهيم رضوان لاستكمال الترتيبات التي مكنت الوزارة من توجيه الدعوة الى 56 شركة عالمية بتاريخ 6 آب أغسطس 1975. اجابت يومها ثماني شركات، اهمها الفرنسية "الف - ايراب"، والايطالية "ايني - أجيب" والالمانية - الاميركية "تكساكو جرماني" والاميركية "تريبكو"، التي قدمت وحدها عرضاً متكاملاً. بينما افادت الشركات الاخرى بأنها مهتمة بدراسة الدعوة. وعلى رغم تمديد مهلة تقديم العروض لم تبادر اي شركة الى تقديم عرض، ما دعا الوزارة الى تأجيل الموضوع الى اجل غير مسمى خصوصاً بعد استئناف العمليات العسكرية. ثم تجدد الاهتمام بموضوع التنقيب عن النفط في عهد الوزير الاسبق الدكتور أسعد رزق، الذي كلّف شركة "شلومبرجيه" بإجراء مسح جيولوجي في منطقة محدودة قبالة مدينة طرابلس. ثم حمل نتائج المسح مصطحباً الخبير الجيولوجي الدولي الدكتور زياد بيضون الى بريطانيا والولايات المتحدة حيث عقد مؤتمرات صحافية عرض فيها ملف الدراسات الفنية. وصرح بعد عودته الى بيروت ان عدداً كبيراً من الشركات البريطانية والاميركية ابدى الاهتمام بالحصول على امتيازات للتنقيب الا ان اياً من هذه الشركات لم يتقدم بأي عرض. كما ان الوزارة لم تقدم على اي خطوة لمتابعة الاتصالات. ويعود اهتمام الشركات الدولية بالتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية اللبنانية في الواقع الى دراسة فنية قدمها الدكتور زياد بيضون الى مؤتمر النفط العربي في الجزائر عام 1972 تضمنت تقويماً جديداً لاحتمال وجود النفط في لبنان ونظرية جديدة تقول بوجوب الاهتمام باستكشاف النفط في المياه الاقليمية الجرف القاري معتبراً ان بقايا النفط التي عثر عليه في الآبار التي حفرت في عدد من المناطق تدل على ان التربة اللبنانية كانت تحتوي على مكامن خازنة للنفط، وان عوامل جيولوجية احدثت شقوقاً وأدت الى تسرب النفط باتجاه البحر وعين مكمناً ملائماً لخزن النفط قبالة مدينة طرابلس وآخر في البحر منطقة قرطبا لهما تكوين جيولوجي مماثل. وتحتم هذه المعطيات المشجعة متابعة المساعي لاستدراج عروض الشركات الدولية في اقرب فرصة خصوصاً ان كل الترتيبات القانونية والفنية جاهزة للقيام بهذه الخطوة، ولا بد من وجود مؤسسة عامة ذات استقلال اداري ومالي للقيام بها. اما مهمة الاشراف على توزيع المحروقات، وهي من صلاحية وزارة النفط حالياً فمن الافضل إلحاقها بوزارة الاقتصاد والتجارة. لأن عمل شركات التوزيع يغلب عليه الطابع التجاري، الى جانب الطابع الفني، علماً بأن مصلحة حماية المستهلك مسؤولة عن مراقبة تطبيق التسعيرة ومكافحة الغش كما تقوم بكيل عدادات محطات البيع وخزانات صهاريج النقل. ووجود الجهازين تحت مظلة وزارة الاقتصاد والتجارة من شأنه تسهيل التعامل بينهما وسرعة البت بأي مخالفة. وهكذا تصبح المؤسسة المقترحة مسؤولة عن توفر النفط ومشتقاته بينما يتولى الجهاز المولج بمراقبة شركات التوزيع مديرية او مصلحة ولا رابط عضو بينهما. علماً بأن على المؤسسة المذكورة تفعيل قطاع تكرير النفط وتأمين الاكتفاء الذاتي. * الرئيس السابق لدائرة المحروقات.