مطلع صيف 1975 وعلى أثر إعلان هدنة بين الميليشيات اللبنانية، تألفت حكومة اتحاد وطني برئاسة رشيد كرامي وأُسندت وزارة الصناعة والنفط إلى غسان تويني الذي كلف باستكمال مراحل استغلال النفط التي برزت عامي 1973 و1974 عندما طلبت شركات الحصول على امتيازات في مناطق بحرية («توتال» و«أجيب» و «تكنو إكسبرت»). وبسبب افتقار الوزارة إلى خبراء في موضوع استغلال النفط، طلب تويني من مصر إيفاد خبير. وبعد أيام وصل بيروت إبراهيم رضوان، الخبير في العقود النفطية. وخلال شهر تقريباً أعِدّت الترتيبات والإجراءات العملية لاستدراج عروض شركات النفط وأهم هذه الترتيبات، وضع «أحكام عامة في شأن عمليات البحث عن النفط واستغلاله على أساس المزايدة العامة لاستدراج العروض عالمياً». ووفِق على مشروع لإنشاء مؤسسة عامة للنفط أعدّته سابقاً دائرة المحروقات بعد إدخال تعديل على بعض العبارات، واستوحي المشروع من مضمون نصوص تتعلق بمؤسسات عربية. ووفِق أيضاً على لائحة بالمستندات والدراسات والنصوص القانونية التي ستوضع في تصرّف الشركات العارضة وهي دفتر الشروط، والشروط العامة لمنح الامتيازات على أساس المشاركة بالإنتاج، وخريطة للمياه الإقليمية اللبنانية وتدرج الأعماق، ودراسات جيولوجية فنية (أعدها زياد بيضون، غسان قانصو، جو صباغ)، ونصوص قانونية تتعلق بالمعادن والهيدروكربون، ونتائج حفر الآبار التي تمّت في البرّ سابقاً، ومجموعة الاتفاقات والتشريعات البترولية في لبنان (أعدها كاتب هذه السطور). وفي الثامن من آب (أغسطس) 1975 وجّه تويني دعوات إلى 60 شركة عالمية، أجابت 10 منها عن اهتمامها بالأمر ولكنها في صدد درسه، منها «هاندباي» و «ميلفورد» و «تريبكو» و «كنديان كلفين» و «إلف إراب» و «تكساكو - ألمانيا» و «سوبريور أويل» و «إيني – أجيب». شركة واحدة هي شركة «تريبكو» التي كانت تعمل في سورية قدمت عرضاً جدياً إلا أن طلبها رفض لانعدام المنافسة. مرّ لبنان خلال 15 سنة بمرحلة عصيبة من الاقتتال الطائفي وكان لاتفاق الطائف الفضل في إنهاء الاقتتال وبدء مرحلة سلام دائم. غير أن الحكومات كلها التي تعاقبت على الحكم أغفلت موضوع النفط الخام واستغلاله على رغم تزايد حجم الدين العام. ونذكر أن المرسوم الرقم 5039 صدر في التاسع من نيسان (أبريل) 1994 ويتضمن أحكاماً عامة للتعاقد مع الشركات من أجل البحث والتنقيب عن النفط والغاز وذلك في عهد وزير الصناعة والنفط أسعد رزق. وهناك نقاط مختلفة بين هذا المرسوم والأحكام التي أصدرها تويني عام 1975. فالمادة السادسة من المرسوم، مثلاً، تنص على إعفاء الشركة المتعاقدة من دفع أي دفعات مالية عند توقيع العقد، بينما يترتب وفق أحكام تويني على الشركة المتعاقدة أن تتقدم بكفالة مصرفية تغطي على الأقل نفقات إجراء مسح زلزالي وحفر بئر، ويجب على الشركة المتعاقدة عند التوقيع تقديم هبة وإكرامية على أساس المنافسة. وفي مشروع رزق يجب على الشركة المتعاقدة دفع مليون دولار عند تصدير شحنة من 50 ألف برميل وكذلك عند بلوغ الإنتاج 100 ألف برميل يومياً. وبعد سنوات، ربما بعد إقدام إسرائيل على خطوات عملية لاستغلال النفط والغاز تحت سطح البحر، جرت محاولة للتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود المائية عام 2007 مع قبرص لكنه لم يعرض على مجلس النواب في حينه وأصبح لاغياً. ووافقت قبرص على اتفاق مع إسرائيل لترسيم الحدود المائية، واستغلت إسرائيل الوضع واستباحت ما يقدَّر ب 850 ميلاً مربعاً من المنطقة الاقتصادية للبنان. حاول لبنان تصحيح الأمر وأجرى اتصالات بقبرص من دون نتيجة لأن المشكلة هي عند إسرائيل وليست عند قبرص. لذلك تقدم بشكوى ضد إسرائيل لدى الأممالمتحدة ومؤسسة قانون البحار الدولي ولا يعرف متى ستلقى هذه الشكوى صداها الإيجابي، علماً أن مرور الزمن هو في مصلحة إسرائيل التي تواصل عمليات استغلال النفط، وهي لن تتورّع عن سرقة نفطنا بشتى الوسائل التي شهدت تطورات تكنولوجية في مجال استخراج النفط حتى من الآبار العائدة لامتيازات أخرى! ولو تنبّه المسؤولون في حينه إلى معالجة الشوائب التي تضمنها الاتفاق مع قبرص وبادروا إلى إزالة هذه الشوائب لما كنّا قد وصلنا إلى هذه الحال من الارتباك! ومهما يكن من أمر فإن مساحة المياه الإقليمية اللبنانية عدا المنطقة الاقتصادية المسروقة، تسمح بمتابعة التحضيرات لاستدراج الشركات الكبرى لمنحها امتيازات التنقيب عن النفط، خصوصاً أن خرائط قديمة تشير إلى وجود مكامن واعدة في الساحل الشمالي، خصوصاً في جزيرة النخل الواقعة قبالة مدينة طرابلس. يتوقف مصير قطاعنا النفطي واستغلاله في مستقبل قريب على توافق السياسيين، والعُقَد كما يبدو كثيرة. وقد يتطلّب حلّها مباحثات واجتماعات على أعلى المستويات. ولا يأمل كثيرون في حلٍّ قريب نظراً إلى السوابق سواءً في التشكيلات الديبلوماسية أو القضائية، فضلاً عن ملء المراكز الشاغرة العديدة في مختلف دوائر الدولة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - بيروت