يعود الرسام الفرنسي كلود مونيه الى لندن غداً السبت التي زارها وهو شاب في 1871 ويستقبل عشاقه حتى 18 نيسان ابريل 1999 في الاكاديمية الملكية للفنون في العاصمة البريطانية التي رسم اجمل فنادقها ومجلس العموم وجسر واترلو ونهر التيمز وكاتدرائيات وغيرها. للمرة الأولى ستعرض الاكاديمية 79 لوحة يحتفظ بها هواة في جميع انحاء العالم ومؤسسات عامة، رسمها مونيه في ايامه الاخيرة. لوحات حية وحقيقية غير منسوخة او مصوّرة او مطبوعة، اختيرت من 450 لوحة، تقدر بپ500 مليون جنيه استرليني. وكانت اكاديمية لندن للفنون عرضت لمونيه في 1890. اللافت هو هذا الهوس الانكليزي الاعلامي والشعبي بمونيه والولوع الشديد برسومه حيث تباع 5 آلاف تذكرة للدخول في اليوم، وتتوقع الاكاديمية ان يصل عدد الزوار الى نصف مليون شخص حتى اليوم الاخير وان تفتح الابواب لمدة 24 ساعة لعشاق الرسام، ينظرون اليه وغليونه في فمه ينفث دخانه فوق جريدة يمسكها بأصابع يد قوية ويقرأ بانطباع ثم قبعته ولحيته ومعطفه وذراعه اليمنى ترتاح في كرسي خيزران لم يظهر منه غير الزاوية، ومشاهد من مدينة البندقية بريشة مونيه بين 1908 و1912.اكثر اللوحات المعروضة رسمها رائد الانطباعية بعد موت زوجته وولده والاصدقاء. كأنها وصيته الاخيرة قبل وفاته في 1926. في معرض "مونيه في القرن العشرين" تظهر حديقة جيفرني في بيته في النورماندي مزروعة في العين بجمالية تذوب بالنور والوانه التجريدية تتغلغل في زنابق الماء والسوسن. لوحات رسمها مونيه خلال 40 سنة من حياته الانطباعية التي شاركه فيها رونوار في محترفه في باريس في 1862 وعرضا معاً للمرة الاولى في 1874. لوحة بريشة رونوار تظهر مونيه في الحديقة قبل ان يطرده الملاّك لانه لم يدفع الايجار. بعد سن الپ43 بدأ مونيه جمع المال وانتقل الى جيفرني فرسم واستولد الالوان ببراعة التأليف وتكوين المشهد، فكسر قواعد مألوفة في الفن التشكيلي. اليابانيون يزورون بيته في النورماندي ليروا الجسر الياباني الذي يمتد فوق بحيرة زنابق الماء والورد وزهور أنف السمكة والقرنفل. الاميركيون يزورون ايضاً الحديقة ومنزله المرمم الذي يغلق ابوابه في الشتاء فتتحول الحديقة بالوانها الخريفية من الوردي والليلكي الفاتح الى لون ارجواني مزرق داكن وسط الضباب والمطر. مونيه في حديقته عمل في الهواء الطلق وعاد الى البيت وبعض من كتلات جليدية مدلاة في لحيته ناشئة عن تجمد الماء اثناء تقطره، والروماتيزم في مفاصله وهو يجلس من دون ريشته على كرسي مجدول بأغصان لصنع السلال يتأمل البحيرة في ساعات ويعود الى محترفه أعمق من صفحة الماء الجاري وأبعد من الظلال المتحركة، فيرسم ما رأته روحه. يعيد ويستعيد تساوق الالوان وتناغمها. يرسم بسرعة. الغصن بعد الغصن والبراعم في سهول الألوان حتى ترقد الحديقة بين يديه على اللوحة فيسترخي "الفلاح" المبدع ثم يتوقف عن الرسم بالتأمل. ظل يرسم حتى سن الپ88. ثلاث لوحات في اليوم مركزاً على اللون المشع والغامض الجميل. "عين فقط. ولكن يا الهي، يا لها من عين". قال سيزان عن مونيه في السنوات الاولى للانطباعية. تسللّ الى خلايا الزهر والنباتات وتغلغل الى المادة الملوّنة في انسجتها وحاول ان يلتقط الهواء الذي كان يهرب اليه في حديقته. حاول كلود مونيه ان يلتقط الهواء بأصابع المستحيل. اراد ان يرسم الهواء لأن كل العناصر الاخرى موجودة فيه، قال مونيه مرة. بعض حديقته المائية وحديقته الزهرية سنجده في اكاديمية لندن للفنون. غير ان الزنابق في غرفة زوجته وفي غرفته هو. في المدخل وعلى درجات السلّم. في غرفة المطالعة وفي غرفة الطعام، لا تزال في لوحاته كما علّقها هو بيده للمرة الاولى في بيته في النورماندي مع بانوراما طولها 90 متراً معلقة في غاليري حدائق تويليري في جيفرني شاهدة على الابداع الذي يستعر في لندن لثلاثة أشهر تقريباً.