يضطلع قطاع المقاولات السعودي في مجالات التشييد والتشغيل، والصيانة بدور اقتصادي مهم إذ يقوم بتأسيس البنى التحتية للقطاعات المختلفة وبأعمال الانشاءات الصناعية، والزراعية، والعقارية، إضافة إلي خدمات التشغيل والصيانة اللازمة لتلك المرافق. كذلك تبرز الاهمية الاقتصادية لقطاع المقاولات السعودي بوصفه مستهلكاً للمنتجات الصناعية المحلية، خاصة صناعات مواد البناء. ويعمل في القطاع نحو 8538 مقاول يعملون في مجال البناء والتشييد و 2291 غيرهم في مجال الصيانة. وساهم قطاع التشييد والبناء بنحو 43 بليون ريال 11.47 بليون دولار عام 1993-1994 في اجمالي الناتج المحلي، اي ما نسبته 12 في المئة. ووفقاً لدراسة أعدتها إدارة المقاولين في غرفة تجارة وصناعة الرياض، تعرض قطاع المقاولات السعودي في النصف الثاني من التسعينات لهزات كثيرة اثرت في مساهمته في إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وقسمت الدراسة المراحل التي مر بها القطاع الى اربع، الاولى تعنى بفترة ما قبل السبعينات وهي مرحلة ماقبل التخطيط لخطة التنمية الاولى في السنوات 1970 و1974. ومن اهم سمات تلك المرحلة قلة عدد المنشآت العاملة في قطاع المقاولات ومحدودية مواردها وضآلة امكاناتها وخبرتها مع ندرة في الانفاق الحكومي. وشهدت السنتان الاخيرتان من فترة تطبيق الخطة - 1973 و1974- ارتفاعا في اسعار النفط، انعكس في زيادة الموارد المالية للدولة وكذلك الانفاق الحكومي، فبدأ قطاع المقاولات في الانتعاش. اما المرحلة الثانية لأداء قطاع المقاولات السعودي، وفق الدراسة فتمثل فترة تطبيق خطة التنمية الثانية متضمنة العام الاول لتطبيق خطة التنمية الثالثة، في السنوات 1975-1981. وشهدت تلك السنوات نموا كبيرا في حجم مساهمة قطاع المقاولات في إجمالي الناتج المحلي، نتيجة للمساهمة الواسعة للقطاع في عملية التنمية الاقتصادية. ولوحظ أنه في سنوات خطة التنمية الاولى 1970-1975 ارتفع أداء قطاع المقاولات بالنسبة لمجال البناء والتشيد من 744 مليون ريال 198 مليون دولار عام 1971 الى 4.4 بليون ريال 1.17 بليون دولار عام 1974، بما يوازي 494 في المئة. وتواصل إرتفاع قيمة أداء مجال التشييد والبناء في السنوات من 1975 الى 1981 بزيادة تراوح بين 15و 61 في المئة. ولجهة القيمة، زاد ناتج قطاع المقاولات من 15.8 بليون ريال 4.21 بليون دولار عام 1975، الى 58.2 بليون ريال 15.52 بليون دولار عام 1981، بمتوسط نمو سنوي قدره 18.6 في المئة، فيما زادت مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة نفسها بمعدل بلغ نحو 11 في المئة عام 1981 مقارنة بنحو 9 في المئة عام 1971. وفي المرحلة الثالثة من مراحل الاداء والتي تمثل السنوات 1982- 1988، شهد قطاع المقاولات انخفاضاً متواصلاً في مساهمته في اجمالي الناتج المحلي. ففي عام 1982 انخفض ناتج قطاع المقاولات الى 54.9 بليون ريال 14.64 بليون دولار، بتراجع قدره خمسة في المئة مقارنة بمستواه عام 1981، ثم انخفض الى نحو 45 بليون ريال 12 بليون دولار عام 1984. واستمر الانخفاض في الاعوام التالية حتى بلغ نحو 32.5 بليون ريال 8.67 بليون دولار في عام 1988. ويقدر متوسط النمو السنوي لقطاع المقاولات السعودي خلال تلك الفترة بنحو 7.7 في المئة، والذي يعتبر منخفضاً بدرجة كبيرة تصل الى نحو 58.7 في المئة عن المستوى الذي حققه القطاع في المرحلة السابقة. اتجهت حصة قطاع المقاولات في الاقتصاد السعودي، في المرحلة الرابعة التي تمثل السنوات 1990- 1995 نحو التزايد. وتواصلت الزيادة حتى بلغت عام 1994 ما قيمته 42.7 بليون ريال 11.39 بليون دولار. وبلغ المتوسط السنوي لمعدل نمو القيمة المضافة لقطاع التشييد والبناء خلال تلك الفترة ما يعادل 4.8 في المئة، وتراوحت مساهمة القطاع في اجمالي الناتج المحلي خلال الفترة نفسها بين 8.2 و10.4 في المئة. ولخص رئيس شركة "الاشغال الإنشائية" دكتور فؤاد سعود الصالح العقبات التي تقف في طريق وصول قطاع المقاولات السعودي الى الاسواق الخارجية كالاتي: * عدم توافر الخبرة الكافية لدى بعض شركات المقاولات، بالانظمة والقوانين التجارية خارج دول المنطقة اضافة الى عدم تطابق انظمة المواصفات والمقاييس لمنتجات الانشاء والتشييد الدولية مع مواد ومعدات البناء في الدول النامية. * ضعف القدرة على المنافسة، من الناحية الفنية والمالية مع الشركات الاجنبية التي تعمل في قطاع الانشاء والتشييد في البلاد النامية والتي تتميز اسواقها بشدة المنافسة وانخفاض هامش الربح. * تعرض المقاولات الخارجية للمخاطر السياسية والتجارية في غياب نظام تأمين محلي لتغطية نشاط تصدير المقاولات الى الخارج ادى الى إحجام الشركات الوطنية عن المخاطرة بالعمل في الخارج. * وجود عدد كبير من القيود الادارية والقانونية التي تفرضها بعض البلاد النامية على حركة العمال ونقل المعدات والالات الخاصة بالمقاولين وكذا رؤوس الاموال الأجنبية المتدفقة، وهي قيود على الشركات السعودية ان تتعود عليها وتتكيف معها. * عدم توافر بنية أساسية ومرافق عامة يمكن الاعتماد عليها خاصة خدمات المواصلات والاتصالات، في بعض الدول النامية. * عدم وجود قاعدة للبيانات عن اسواق المقاولات في البلاد النامية خصوصاً وان توافر معلومات منتظمة وموثوق بها عن ظروف العمل واسعار المدخلات واجور العمالة في تلك المناطق، لا شك يساعد شركات المقاولات المحلية على تقديم عروض جيدة من الناحية الفنية والمالية يمكنها من الفوز بالعقود في تلك البلاد. * عدم وجود بنك او مؤسسة مالية تعني بتمويل الصادرات السعودية من السلع والخدمات على رغم ان قطاع المقاولات والتشييد والبناء يعتبر نشاطاً مربحاً، خاصة في ظل انخفاض المخاطر السياسية. ومن جهة اخرى اعتبر دكتور فؤاد سعود الصالح غياب الهيئات الاستشارية الوطنية والمتخصصة في قطاع الانشاءات يقلص إدراك المقاول المحلي بمستوى الكفاءة المطلوب لتصدير الخدمات خارج دول المنطقة، ويزيد من مخاطر تورطه في اعمال يصعب انجازها في تلك المناطق. * اختلال هيكل الموارد البشرية في اغلب شركات المقاولات المحلية نظرا لانخفاض نسبة العاملين الوطنيين فيها وعدم استقرار العمالة الاجنبية لديها، ما يؤدي الى عدم تراكم الخبرة الفنية والادارية المكتسبة محلياً في الوقت الذي تحتاج فيه عملية تصدير الخدمات الى مستوى عال من تلك الخبرة. * عدم وجود نظام محلي يمكِّن شركات المقاولات المحلية في حال حصولها على اعمال في الخارج من استئجار فائض المعدات والالات لدى عدد كبير من الشركات المحلية في دول المنطقة على رغم تعطل ذلك الفائض فترات طويلة في السنة. * عدم توافر نظام يحفز شركات المقاولات على تصدير خدماتها على غرار الحاصل في البلاد الصناعية المهتمة بتصدير خدمات مقاوليها إلى الخارج مثل كوريا الجنوبية وتركيا، والتي في العادة تعوض مقاوليها تكاليف إعداد العروض الفنية والمالية لمناقصة معينة لم يفوزوا بها. * ضعف مستوى التكامل بين المقاولين المحليين الذي يستهدف تجميع الموارد والامكانات الفنية والمالية عند التقدم لمشروع خارج المنطقة. * اشتراط الدول المتقدمة على الدول النامية في حال تقديم الاولى قروض او منح، استخدام مقاولين او موردين من مواطنيها. ويمثل سعي السعودية للانضمام الى منظمة التجارة الدولية احد المخاوف لدى المقاولين على رغم الاقتناع بفوائد الانضمام. وقال نائب رئيس مجلس ادارة "شركة الفنار" صباح المطلق، إن المقاول السعودي ما زال يعمل في نطاق السوق المحلية ولم يخرج الى الاسواق الخارجية ما يدل على ضعف قدراته التنافسية امام نظرائه من الاجانب الذين ينافسونه في سوقه المحلية. ولفت المطلق الى أن دراسة أخيرة اظهرت ان 64 في المئة من المقاولين السعوديين يتوقعون ان يؤدي فتح السوق المحلية امام المقاولات الاجنبية الى الاضرار بالاقتصاد السعودي اجمالا وبالمقاولين السعوديين على وجه الخصوص. كما توقع 67.8 في المئة منهم ان يؤدي فتح السوق السعودية امام المقاولين الاجانب الى استفادة المقاولين الاجانب اكثر من استفادة المقاولين السعوديين من فتح الاسواق الاجنبية، وزاد بأن نسبة 71.4 في المئة من شريحة المقاولين السعوديين توقعت ان يؤثر فتح سوق المقاولات السعودي امام المقاولين الاجانب على نشاط المقاولين السعوديين داخل السوق السعودية بالسلب، بسبب عدم قدرة المقاول السعودي على المنافسة لاسباب مالية وتقنية وادارية. وأضاف المطلق، أنه على رغم توقع كثير من المقاولين المحليين آثاراً سيئة لانضمام السعودية قريباً إلى منظمة التجارة الدولية الا انهم يدركون الاهمية الكبرى والمزايا التي يجلبها الانفتاح على المدى الطويل، ممثلة بالاسواق الخارجية. ورأى المطلق ان سوق المقاولات السعودية يجب ان تفتح امام المقاول الاجنبي في مجالات معينة هي المباني والاعمال الكهربائية والميكانيكية وتحلية المياه والاعمال الصناعية والاعمال الالكترونية وفق شروط، و ان يكون عمل المقاولات الاجنبية في تلك المجالات من طريق المشاريع المشتركة مع اطراف سعودية، شريطة ان لا يقل الحد الادنى لرأس مال المشروع المشترك عن عشرة ملايين ريال، وان يثبت الطرف الاجنبي تحويل حصته في رأس المال الى داخل البلاد. إلى جانب ذلك، اعتبر المطلق ان التصريح للمشاريع المشتركة في السوق السعودية يجب ان يخضع لمعيار الحاجة الاقتصادية، والا تقل نسبة العمالة الفنية السعودية في المشاريع المصرح لها عن عشرة في المئة من مجموع العمالة في المشروع المشترك. وفي الوقت نفسه، رأى ان السلطات السعودية يجب ان تلتزم بعدم فتح المجال أمام المقاول الاجنبي في مجالات مقاولات الطرق والسدود ومقاولات التشغيل والصيانة ومشاريع الصرف الصحي والخدمات البلدية والنظافة. من جهته، أشار مستشار لجنة المقاولين في غرفة تجارة وصناعة الرياض السيد إبراهيم العكاس الى ان الغرفة تعد حالياً دراسات للمساهمة في حل المشاكل التي يعاني منها قطاع المقاولات. وقال ان واحدة من الدراسات تنظر في تحويل عدد كبير من المقاولين العامين في السوق السعودية الى مقاولين متخصصين، تعزيزاً لمبدأ السعودة والتخصص والابداع، وتخفيفًا لاعباء المنافسة الأجنبية عن المقاول العام. وحول مشكلة تراكم المعدات لدى المقاولين، قال السيد العكاس ان عدد المعدات لدى المقاولين في السوق السعودية يصل الى 76.805 معدة، تقدر قيمتها بنحو 17 بليون ريال، مضيفاً ان الأخيرة ستتحول الى خردة "ان لم نجد حلول سريعة لها". وفي هذا الخصوص، أشار إلى ان الغرفة بصدد الانتهاء من دراسة تعنى بإنشاء شركة مساندة للمعدات، بهدف شراء وتجميع المعدات غير المستعملة في السوق السعودية، وتأجيرها للمقاولين. وأضاف ان دراسات الجدوى التي أجرتها الغرفة أثبتت وجود إمكانات لنجاح تلك الشركة. وفي الإطار نفسه، طرح السيد العكاس فكرة إقامة مركز يعنى بمعدات المقاولين ويقوم بحصرها لدى المقاولين في السوق، لافتاً إلى ان هولاء ربما رغبوا في الاشتراك في المركز الذي سيعنى بإصدار نشرة دورية، ما يساعد على تسويق المعدات المتوافرة. وعن فرص قطاع المقاولات السعودي المستقبلية، قال العكاس انه على رغم الانكماش الذي يعاني منه القطاع حالياً الا انه تنتظره كثير من الفرص التي يستطيع استثمارها خلال فترة الخطة الخمسية السادسة في السنوات 1995-2000، والتي تقدر مشاريعها بنحو 256 بليون ريال 68.27 بليون دولار. وقال ان كثيراً من المؤسسات الكبيرة في المملكة ينفذ حالياً مشاريع كبيرة، مثل شركة "ارامكو"، مشيراً إلى ان الاخيرة تنوى تنفيذ مشاريع قيمتها 13.5بليون ريال 3.6 بليون دولار. ولفت إلى أن "سابك" ستقوم بطرح مشاريع تقدر بنحو 24 بليون ريال 6.40 بليون دولار، منها خمسة بلايين ريال قيمة مشاريع متاحة للمقاولين في السوق المحلية، كما سيطرح القطاع الصناعي فرص مقاولات بنحو 2.5 بليون ريال. وعلى مستوى القطاع الخاص، قال العكاس ان الأخير بصدد طرح مشاريع تجارية تقدر بنحو سبعة بلايين ريال 1.87 بليون دولار، مثل "مجمع الفيصلية" و"مشاريع مؤسسة المملكة". وأضاف ان عقود المقاولات المتوقعة في مجال المساكن تقدر بنحو 67 بليون ريال 17.87 بليون دولار، وفي مجال السياحة بنحو عشرة بلايين ريال 2.6 بليون دولار. ولفت كذلك إلى مشاريع الانشاءات الكبيرة المقرر إقامتها في مكة والمدينة وتقدر بنحو عشرة بلايين ريال. وفي مجال الطاقة السعودي، قال ان متطلبات الاستثمار خلال سنوات الخطة الخمسية السادسة تقدر بنحو 138 بليون ريال 36.80 بليون دولار، مشيراً إلى أن عدم وجود التمويل الكافي ربما خفضه الى 40 بليون ريال 10.67 بليون دولار، وانه حتى في تلك الحالة تقدر قيمة مقاولات مشاريع الإستثمار في قطاع الطاقة السعودي بنحو ستة بلايين ريال. أما في مجال المشاريع التعليمية، وفق السيد العكاس، فيتوقع ان تطرح مشاريع حتى سنة 2000 تقدر قيمتها بنحو سبعة بلايين ريال 1.87 بليون دولار. وفي الاطار نفسه، لفت الى وجود كثير من المشاريع في مجال الطرق تقدر بنحو 7.5 بليون ريال 2 بليون دولار، والبلدية والقروية تقدر بنحو ستة بلايين ريال، مشيراً إلى ان صناعة خدمات التشغيل والصيانة في السعودية تقدر قيمتها بنحو 20 بليون ريال 5.33 بليون دولار.