شهد سجن سيبينانغ في جاكارتا اخيراً حركة زائرين وحشود مناصرين ما كانت مألوفة من قبل، محورها جنانا غوشمايو قائد المتمردين في تيمور الشرقية، المعتقل منذ عام 1992 بعدما حكم عليه بالسجن المؤبد لقيادته ثوار "فريتيلين" المطالبين باستقلال المقاطعة عن اندونيسيا. ومن الناحية "التقنية" لا يزال جنانا "مجرماً عادياً" في نظر الحكومة الاندونيسية لانه رفض قبول العفو العام عن المعتقلين السياسيين الذي صدر لدى تسلم الرئيس يوسف حبيبي الحكم، العام الماضي. وجاء رفضه اعتراضاً على ممانعة السلطة الاندونيسية في اعتباره وانصاره "خصوماً سياسيين" في معركة من اجل الاستقلال. ورغم هذا الرفض ادت الازمات والاضطرابات التي شهدتها اندونيسيا اضافة الى مذابح ارتكبتها القوات المسلحة في مناطق عدة من تيمور الشرقية، الى قيام حركة دولية هدفها وضع حد للتدهور الدموي بين الفريقين. وهكذا بدأت محادثات السلام برعاية الاممالمتحدة ودعم اميركي - اوروبي مشترك، خصوصاً ان البرتغال، المستعمر السابق للمقاطعة، وللمرة الاولى منذ اعتقاله، سمح جنانا باستقبال الموفدين وبينهم رجال الاعلام المرئي والمكتوب، ولو ان ذلك حصل بصورة غير رسمية. والاحداث المتسارعة، كشفت امرين جديدين بالنسب الى تيمور الشرقية واعتقال جنانا. اولاً، كانت استراليا الوحيدة من بين 32 دولة غربية اعترفت بسيطرة اندونيسيا على تيمور. وفجأة تراجع الموقف الاسترالي حين صرّح رئيس الحكومة جون هاورد بأن الحل الامثل في هذه المعضلة "هو النظر بموضوعية في احتمالات الحكم الذاتي واستقلالية القرار". وبالطبع احدث التراجع الاسترالي "عاصفة" تأسفات عميقة في الوسط الرسمي في جاكارتا والكثير من السخرية في كانبيرا. لكنه قوبل بالرضى من الاوساط الدولية والعاملين في مجالات حقوق الانسان في تيمور الشرقية. الامر الثاني هو ورود انباء موثوقة مفادها ان جنانا اصبح قاب قوسين او ادنى من اطلاق سراحه. والترتيبات جارية حالياً لوضعه في الاقامة الجبرية، خارج السجن، في ما يشبه وضع اونغ سان سوتشي زعيمة المعارضة في بورما. ويأتي هذا التطور قبيل استئناف المحادثات بين اندونيسياوالبرتغال في نيويورك آخر الشهر الجاري. وتفيد اوساط ديبلوماسية في كانبيرا ان الدول المشاركة في المشاورات وبينها استراليا، سوف تثير مسألة اشراك الزعماء التيموريين، لئلا يصار الى اتخاذ قرارات تخص بلادهم في غيابهم، مايمكن ان يؤخر في انهاء الازمة. وليس اكيداً بعد، اذا كانت الوساطات الدولية ستنجح في وضع جنانا على مائدة مفاوضات واحدة مع سجّانيه، لكن كل شيء ممكن ما دامت النوايا خاضعة للضغوط… الاقتصادية.