سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فتح أبواب السرايا وقريطم لاستقبالات العيد ... آخر جولات المبارزة الرمضانية . المناخ البيروتي لا يحبذ المشادة بين الحص والحريري والتهدئة ضرورية والهدنة مستبعدة في اللعبة السياسية
ينظر اللبنانيون الى الاستقبالات التي يقيمها كل من رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص في السرايا الكبيرة، وسلفه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في دارته في قريطم لمناسبة حلول عيد الفطر السعيد على أنها تشكل ختاماً للمبارزة السياسية التي بدأت بينهما مع حلول شهر رمضان المبارك، والمقصود في انتهاء جولة المبارزة بين الرئيسين الحص والحريري هو ان الأجواء السياسية ستميل الى البرودة والتهدئة من دون أن يتوقفا عن عرض وجهات نظريهما في القضايا الساخنة. وإذا كانت المآدب الرمضانية قد شهدت وللمرة الأولى أعنف مبارزة سياسية بين الرئيسين الحص والحريري، إذ لم يسبق أن تحولت العاصمة طوال شهر رمضان الى منابر إعلامية تخللها ما يشبه الانقسام فأن لذلك أسبابه التي حالت دون نجاح عدد من الأصدقاء المشتركين في الوصول الى "هدنة رمضانية" بالمعنى السياسي للكلمة. ومع أن البعض يظن أن للظروف الإقليمية دوراً في فرض هدنة موقتة برزت في المواقف التي عبر عنها الرئيسان الحص والحريري، والى الجهد السوري، فأن البعض الآخر يعتقد أن لا شيء تبدل في المواقف سوى تلطيف النبرات الخطابية وتليين التعابير... لأنه لا يروق للسواد الأعظم من البيروتيين أن يصل التصادم السياسي بينهما الى ما لا نهاية وان يدخلا في "شجار" لشعوره ان العاصمة في حاجة ضرورية اليهما، كل من موقعه. حتى أن الوسطاء لا ينكرون فانهم قاموا بمساعٍ لعلاقتهم الحميمة والوطيدة بالحص والحريري لكنهم لم يتوصلوا الى ما كانوا يطمحون اليه... إذ أن لكل منهما ذريعته في تبريره للدوافع التي أملت عليه تقديم وجهة نظره. ولم يقللوا من الضغوط التي انصبت عليهم من البيروتيين الذين أزعجهم ما يدور في المآدب الرمضانية حتى في غياب الحص والحريري لكنهم وجدوا أنفسهم غير قادرين على تحقيق الرغبة البيروتية الجامحة نحو التهدئة ووقف المشاحنات على اختلافها. واعترف بعض الوسطاء ان حديث الحص عن الاشباح في الإفطار الذي أقامته على شرفه جمعية تجار مار الياس غامزاً من قناة أنصار الرئيس الحريري من دون أن يسميه، قد أعاق تحركه، فأن الافطار الذي أقامته دار الأيتام الإسلامية في حضورهما، وكرر فيه رئيس الحكومة انتقاده غير المباشر للسياسة التي اتبعها سلفه، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وقضت على الآمال المعقودة لوقف السجال. واللافت أن الجمهور في العاصمة بقي على ولاءاته المتعددة وان لم يوقف تساؤلاته عن جدوى ما حصل. وفي العودة الى المراجعة السياسية لكل منهما في تبيان وجهة نظره، فإن الحص تحدث أمام زواره وفي أكثر من مناسبة رمضانية عن حال الإهدار والفساد وسوء الإدارة التي خلّفتها حكومات الحريري، مشيراً الى عزمه فتح الملفات لمحاسبة من ارتكب التجاوزات والأخطاء، مؤكداً رغبة الحكومة في تحقيق الإصلاح الإداري خصوصاً أن ثمة موظفين يتقاضون راتبين من الدولة والحريري وان ولاء الموظف يكون للدولة لا للشخص. وكان الحص يشكو من حين الى آخر من سيطرة سلفه على بعض وسائل الإعلام، اضافة الى حملات تحريض منظمة قادها الفريق المؤيد للحريري منها ان هذا الفريق أخذ يروج لفشله - أي للحص - بعد أربعة أشهر وأنه أضعف موقع رئاسة الحكومة حيال الآخرين. ويقول الحص انه لا يريد التعليق على ذلك، تاركاً الحكم على أعماله للرأي العام، خصوصاً "أننا ورثنا الصعاب وسنعمل ما في وسعنا لإنقاذ البلد ولكن ليس بالمحاصصة". ويتهم مؤيدون الحص رئيس الحكومة السابق بأن أنصاره كانوا وراء تنظيم الوفود التي زارته في دارته في عائشة بكار، لتنقل اليه احتجاجها على انهاء خدمات بعض رؤساء مجالس الإدارة في المؤسسات العامة أو وضع مديرين عامين في تصرف رئاسة الحكومة. ويؤكدون ان هناك من حرض الوفود ضد الحص بذريعة التفريط بحقوق البيروتيين في الوظائف العامة، ومن ثم التسليم بكل شيء لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود بهدف اظهار الحكم بأنه غير متوازن أو الترويج لبداية التأسيس لخلاف بين رئيسي الجمهورية والحكومة. وبعد أن يؤكد مقربون من الحص على متانة علاقته برئيس الجمهورية واستمرارهما في التعاون، يتهمون الحريري بأنه يقود حملة تحريض في الخارج ضد الحكومة لما لديه من صداقات عربية ودولية وان الحملة قد تؤثر في الحد من الاستثمارات، اضافة الى اتهامه بأنه يقف وراء حملات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وفي المقابل تؤكد أوساط الحريري ان السجال الدائر في بيروت لم يكن مدرجاً على جدول أعمال لقاءاته في دمشق مبدية ارتياحها الى الأجواء التي اتسمت بها اجتماعاته وبالأخص مع نجل الرئيس السوري العقيد الركن بشار الأسد حيث ان البعض كان يراهن على أن اعتذاره عن تأليف الحكومة الجديدة سيقود الى مشكلة مع دمشق لكن رهانه لم يكن في محله، بعد استقباله من الرئيس حافظ الأسد ومن ثم اجتماعيه بنجله. ونقلت عن الحريري قوله للذين راجعوه بتهدئة مواقفه: "أعلنت منذ البداية أن يدي ممدودة للتعاون مع الرئيس لحود"، وانه لن يتبع أسلوب المزايدة في تعاطيه مع حكومة الرئيس الحص، بل سيبادر الى الاتصال بالمسؤولين لتبيان أي خطأ يحصل ولن يلجأ الى الأسلوب الذي اتبعه بعض المعارضين، حيث أنهم أخذوا يزايدون وان لا هم لهم سوى ذلك. وأضافت "ان الحريري قال للذين حاولوا التوسط أنه يؤكد حفظ مقام رئاسة الحكومة وأن مشكلة الرئيس الحص ليست معه، وأنه لا يحتاج الا الى ثلاث دقائق للانتقال من منزله الى منزل رئيس الحكومة. لكن المشكلة لا تحل ما دام أنه يستهدفه وحده في هجومه من دون الآخرين الذين كانوا شركاء في ادارة شؤون البلاد ومصيرها، اضافة الى أنه يصر على الانتقام من كبار الموظفين المحسوبين عليه، مع أنه وعدني يوم زارني فور تكليفه رئاسة الحكومة أنه يرفض الانتقام والتشفي وان هناك مديرين عامين لا يريد تركهم في الإدارات لما ارتكبوه من مخالفات وتجاوزات". وتابعت: "ان لدى الحريري قناعة في دعم العهد والتعاون مع الحكومة، لكنه فوجىء فور عودته بالقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في حق كبار الموظفين، ولم يكن في وسعه سوى الدفاع عن "الأوادم" منهم رافضاً توفير الغطاء للذين أساءوا الى الإدارة حتى لو كانوا محسوبين عليه". ولفتت الى أن الحريري "كان في الخارج عندما تحدث الحص عن أنه يرغب في اتخاذ قرارات غير شعبية لكنها انقاذية، وظن ان ما أشار اليه سيكون لمصلحة البلد "وكنت في وارد دعمه"، تبيّن له أنه قصد من كلامه ابعاد كبار الموظفين وبعضهم ظلم، على رغم أنه - أي رئيس الحكومة السابق - حاول تحقيق الإصلاح الإداري لكنه بقي وحيداً ولظروف سياسية يعرفها الجميع، وبالتالي فهو يرى أن خلفه يحاول أن يحصر جهده في تسجيل انتصارات اعلامية وسياسية ضده عوضاً أن يلتفت الجميع الى حلول للمشكلات القائمة على قاعدة التضامن والتكاتف". ونقلت عن الحريري سؤاله: "هل أن الحديث في الشأن العام أو في الدفاع عن كرامة الموظفين الأكفياء الذين أبعدوا يشكل اثارة للمذهبية والطائفية وهل تحل المشكلات لو بقيت في الخارج؟ ولو كان الأمر كذلك لكنت قررت السفر، وأنا أول من دعا الى دعم العهد الجديد، إنما لا أقبل لنفسي أن أكون في موقع الاتهام والدفاع عن النفس حيال السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها، أنا لست طالب سلطة ومن يريد أن يخدم وطنه يستطيع ذلك من أي موقع، وإنما ليس صحيحاً أني لست راغباً في العودة الى الحكومة لكني غير مستعجل ولنعط الحكومة الفرصة".