ثمة معلومات اميركية خلاصتها ان الرئيس كلينتون هو الذي شجّع بنيامين نتانياهو على توقع الإفراج عن الجاسوس جوناثان بولارد، وان الرئيس الاميركي ورئيس وزراء اسرائيل لم يتوقعا ردود الفعل الغاضبة على القرار. نعرف الآن ان وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيق الفدرالي وقفت بحزم ضد اطلاق سراح بولارد. وقد ارسل 58 عضواً في مجلس الشيوخ، بينهم 14 عضواً ديموقراطياً، رسالة الى الرئيس كلينتون قبل ايام تحثه على عدم الافراج عن بولارد او تخفيف الحكم عليه، فقضيته تعتبر أسوأ قضية تجسس في تاريخ الولاياتالمتحدة. المعلومات الاميركية تقول ان الرئيس كلينتون قرر خلال مفاوضات "واي" ان يستعمل بولارد لاقناع نتانياهو بالموافقة على الاقتراحات الاميركية في شأن المرحلة الثانية من اعادة الانسحاب. ويبدو ان الرئيس لم يكن مطلعاً على تفاصيل التجسس الهائل الذي قام به بولارد لحساب اسرائيل، وهو يعمل لمخابرات البحرية. وكان جورج تينت، رئيس ال "سي. آي إي". نبّه الرئيس كلينتون الى خطورة الاقتراح، الا ان الرئيس لم يصغ له. فهدد تينت بالاستقالة اذا أُفرج عن بولارد. بعد ذلك سرّبت الاستخبارات معلومات جديدة - قديمة عن بولارد في حملتها لابقائه في السجن، لعلها أهمها ان بولارد لم يكن مدفوعاً باعتبارات عاطفية او عقائدية، بل طلباً للمال، وقد وافق على التجسس لاسرائيل عشر سنوات مقابل 540 الف دولار. وكان بولارد قبل تجسسه لاسرائيل واقعاً تحت طائلة الدين، فقد أنفق المال من دون حساب على الخمر والمخدرات والمطاعم الفخمة، وتهرّب من دفع الضرائب. وأظهر سجله انه عندما كان طالباً في جامعة ستانفورد كان يشمّ الكوكايين. وشهد صديق له من تلك الايام انه لم ينطق بكلمة واحدة عن اسرائيل، وانما كان حديثه كله عن الفلوس. وحاول بولارد الانضمام الى وكالة الاستخبارات المركزية، الا ان طلبه رُفض عندما فضح جهاز كشف الكذب انه يتعاطى المخدرات. وهو تحوّل الى استخبارات البحرية بعد ذلك واستطاع العمل فيها خبيراً، ما أمكنه من تحويل الوف الاوراق السرية الى اسرائيل. ويقال ان هذه حوّلت بعضها الى الاتحاد السوفياتي السابق ثمناً لهجرة مزيد من اليهود الروس، ما ألحق بأمن الولاياتالمتحدة ضرراً هائلاً حتى اليوم. الواقع ان تقدم بولارد داخل استخبارات البحرية توقف بسبب غرابة تصرفاته، وشعور رؤسائه بأنه ليس اهلاً للثقة. وهو زعم مرة ان زوجته خُطفت، وانه قضى نهاية الاسبوع باحثاً عنها، كما حاول قبض عمولة من بيع سلاح الى ثوار افغانستان، واتصل بحكومات جنوب افريقيا وتايوان والارجنتين، زاعماً انه عميل لل "سي آي إي". والمخدرات والكذب والتهرّب من الضرائب تظل اقل اهمية من الاسرار الحربية عن خطط الولاياتالمتحدة لمهاجمة الاتحاد السوفياتي، او الرد على هجوم سوفياتي، وهي اسرار انتهت في حوزة السوفيات. كل هذا غير مهم عند بعض اليهود الاميركيين فهم شنّوا حملة هائلة لتأمين الإفراج عن بولارد. وكان بعضهم من الوقاحة ان يطلب ذلك لأسباب "انسانية"، كما فعل ايلي فيزل، الفائز بجائزة نوبل للسلام، وادغار برونفمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وآلان دير شوفيتز، استاذ القانون في جامعة هارفارد، فهم حاولوا الضغط على وزيرة العدل جانيت رينو، الا ان موقف هذه الوزارة كان مثل موقف كل دوائر الدولة الاخرى. الواقع ان الحملة الاخيرة للافراج عن بولارد ارتدت على اصحابها، فهم لم يفشلوا فقط في الافراج عنه، بل فشلوا كذلك في تخفيض العقوبة، فقد حاول بعضهم خفض الحكم من السجن المؤبد الى 25 سنة، وبما ان بولارد في السجن منذ سنة 1986، فهو يصبح مؤهلاً للحرية سنة 2002، بعد خفض المدة لحُسن السلوك، حسب أنظمة السجون الاميركية. بل ان قضية بولارد تركت ذيولاً اسرائيلية، فقد كان يفترض ان يوجه نتانياهو وزعيم العمل المعارض ايهود باراك رسالة مشتركة الى الرئيس الاميركي طلباً للافراج عن الجاسوس. الا ان باراك رفض في اللحظة الاخيرة توقيع الرسالة المشتركة، فعدل نتانياهو عن ارسالها موقّعة منه وحده. ويبدو ان باراك قرر ان نتانياهو يحاول استغلال قضية بولارد في الانتخابات الاسرائيلية لمصلحته، فرفض المضي في العملية على الرغم من ان الفكرة الاصلية صدرت عن نواب من العمل وليكود. انصار بولارد سيحاولون من جديد، فالمحاولة الاخيرة هي الثالثة لاطلاقه، وفشل كل محاولة سابقة لم يمنع اسرائيل واليهود الاميركيين من المحاولة من جديد. الا ان الارجح ان ردود الفعل السلبية جداً على المحاولة الاخيرة ستضعف كل محاولة لاحقة، فالمعلومات التي سرّبت عن بولارد جعلت بعض ابرز انصار اسرائيل في مجلس الشيوخ والنواب يقف ضد الافراج عنه او مجرد تخفيض الحكم. وهو موقف لن يتغيّر في وقت قريب او بعيد.