طلب الاتحاد العام لنقابات العمال التونسي، في أول عودة قوية الى الملعب السياسي منذ سنوات، منحه حصة في مجلس النواب المقبل على غرار الحصة المخصصة لممثلي العمال في المجالس النيابية المغربية والمصرية والجزائرية. وتشهد تونس انتخابات اشتراعية ورئاسية في الخريف يتوقع أن تتنافس فيها أحزاب المعارضة المرخص لها الستة مع التجمع الدستوري الديموقراطي الذي يسيطر على 92 في المئة من مقاعد المجلس الحالي 144 مقعداً في مقابل 19 للمعارضة. وفي خطوة لافتة نشرت صحيفة "الشعب" الناطقة باسم الاتحاد العام للشغل، في عددها الأخير تعليقاً انتقدت فيه تركيبة المجلس الحالي "التي يغيب منها التمثيل العمالي في شكل يكاد يكون كاملاً". وشكت من "إقصاء أهم منظمة وطنية في البلد" في اشارة الى الاتحاد الذي شارك في معارك الاستقلال الى جانب الحزب الحر الدستوري مما أدى الى استشهاد عدد من كوادره مثل مؤسسه فرحات حشاد. وكان الزعيم السابق للاتحاد العمالي حبيب عاشور قاد مجابهات ساخنة مع الحكومات التي تعاقبت في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة لتكريس دوره لاعباً رئيسياً في معركة خلافة الرئيس السابق في أواخر الثمانينات. وحضت "الشعب" على تجاوز "الاختلال" الحالي في تركيبة مجلس النواب. وحملت على التعديلات التي أدخلت أخيراً على القانون الانتخابي والتي لم تأخذ في الاعتبار الملاحظات التي أبداها اتحاد النقابات "من أجل تكريس التوازن بين التمثيلية السياسية والتمثيلية الاجتماعية لمجلس النواب ... من دون الزج بالاتحاد في صراعات سياسية قد تنعكس سلباً في استقرار البلد". وبموجب التعديلات الأخيرة ستزيد الحصة المخصصة للأقلية في مجلس النواب المقبل الى عشرين في المئة من مقاعد المجلس، إلا أن الأقلية ستكون قاصرة على أحزاب المعارضة فقط كون آليات القانون المعدل تفسح في المجال أمام لوائح الأحزاب للفوز من دون سواها ولا تترك مجالاً لمرشحين مستقلين. كذلك اعتمد مجلس النواب أخيراً تعديلاً للقانون الانتخابي يرمي لتكريس تعدد الترشيحات للانتخابات الرئاسية المقبلة والتي تتزامن مع الاشتراعية، إلا أنه قصر حق الترشيح على رؤساء الأحزاب البرلمانية الذين أمضوا أكثر من خمسة أعوام في مركز الزعامة. وشددت "الشعب" على أن اتحاد العمال حافظ على كتلة نقابية في مجلس النواب في كل الدورات منذ تشكيل المجلس التأسيسي 1956 في أعقاب الاستقلال عن فرنسا، وكان الاتحاد متحالفاً مع الحزب الحر الدستوري الحاكم، وأشارت الى أن أزمة العام 1977 التي غادر قياديو الاتحاد في أعقابها مقاعدهم في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الحاكم لم تحل دون المحافظة على كتلة مؤلفة من 27 نائباً. وعزت غياب الاتحاد من الانتخابات المبكرة التي أجريت في 1989 بعد تنحية الرئيس السابق، الى أزمة 1985 مع حكومة محمد مزالي. وانتقدت في هذا السياق رفض الحكومة الحالية الاقتراحات التي قدمها اتحاد العمال، والتي كانت ترمي الى اعتماد "اجراءات انتقالية" تنسجم مع "الوضع الخاص" الذي مر فيه المجتمع في مرحلة الانتقال الى التعددية. وحضت على الاقتباس من التجارب النيابية في كل من مصر والمغرب والجزائر لتخصيص حصة من المجالس المنتخبة لممثلي العمال. وفي محاولة لطمأنة أحزاب المعارضة التي يحتفظ الأمين العام للنقابات العمالية اسماعيل السحباني بعلاقات جيدة مع زعمائها، أكد الاتحاد أن عودته الى "ساحة النضال البرلماني" ليست تقليلاً من فرص الآخرين في الفوز بالانتخابات المقبلة، واعتبر أن تغييبه من مجلس النواب سيشكل "انكاراً لدوره الوطني وحرماناً له من أداء دوره من خلال المؤسسة الاشتراعية". ورأى مراقبون أن ارتفاع حرارة اللهجة ضد الحكومة وإصرار الاتحاد على أخذ حصة في مقاعد المجلس المقبل يرميان الى حمل السلطات على التفكير في صيغة تفسح في المجال أمام عودة الاتحاد الى المسرح السياسي في الانتخابات المقبلة وان في صيغة تحالف مع التجمع الدستوري.