سمعنا من قبل عن الراقصة والطبال وعن الراقصة والسياسي، وعن العلاقة الغريبة التي تربط بين عوالم عماد الدين وبعد الفئات من الناس، ولكننا لم نسمع الا أخيراً عن وجود قواسم مشتركة بين الراقصة والصحافي. والحمد الله ان النقابة العامة للصحافة المصرية تنبهت اخيراً الى هذه القضية وطردت الراقصات من صفوفها وسط ضجة "وطنة ورنة" ودق طبول الحرب بين الصحافيين والراقصات ومعارك واتهامات وصلت الى المحاكم. وأصل الحكاية كما تابعنا المعركة الطاحنة في الصحف المصرية ان الراقصات، بحسب القوانين المرعية، هنّ عضوات فاعلات في نقابة الصحافة والطباعة والاعلام وهي للعلم غير نقابة الصحافيين وانهن يدفعن اشتراكات واستحقاقات حولت هذه النقابة الى أغنى نقابة في مصر، لان عدد الراقصات يفوق اعداد كل من يعمل في مهنة البحث عن المتاعب والقلم والفكر وتعب الدماغ كما ان دخل الواحدة منهن يفوق دخل كل الاعضاء الميامين لانهم "يهزون أدمغتهم" بينما المصونات يحترفن هزّ البطن والخصر والصدر على الواحدة والنصف. ونشكر النقابة العامة لانها تنبهت قبل فوات الأوان الى الخطأ الفادح فزبعدت الراقصات من صفوفها وألفت شعبة الفنون الاستعراضية التي كانت ترأسها الراقصة فيفي عبده مما دفع رفيقاتها لشنّ حملة شعواء على النقابة تميّزت بالروح والتهديد والوعيد. الصحافي الوحيد الذي استفاد من موضوع الراقصات من قبل ذلك الذي استغل الموجة وأصدر كتاباً يحمل عنوان "زمن فيفي عبده" فجنى ثروة من كتابه، اما باقي العاملين في هذه المهنة وهم من المظلومين في الصحافة لانهم من الاداريين والفنيين والموظفين فهم من اصحاب الملايين الذين يحسدون زميلاتهم في النقابة من "صاحبات الملايين" حيث تدفع الواحدة منهن اكثر من مليون جنيه ضرائب في السنة... وبحسبة بسيطة يمكن تحديد دخلها... مع ان مصدر هذا الدخل مجهول! ولم يعرف احد بعد سر هذا "الاشكال النقابي" ولا ملابساته وخلفياته الا انه ربما جاء بسبب ممارسات بعض الزملاء الأكارم الذين اساءوا لمهنة الصحافة العربية وتحوّلوا الى صحافيين يرقصون على الواحدة والنصف ويهزّون أقلامهم حسب الدفع أو "النقوط" بلغة العوالم فيمدحون بثمن ويذمون بثمن ويهرجون بثمن ويبيعون ما تبقى من ضميرهم وسمعتهم بثمن حتى صار المرء يخجل منهم ويعتبر ان بعض الراقصات الممتهنات أشرف منهم! المهم ان هذه الأزمة انتهت وأعيد الحق الى نصابه واختتم مع هذه الطرفة عن الراقصة الشهيرة الراحلة بديعة مصابني، فقد استطاعت ان تأخذ ما تيسر لها من أموال جمعتها في مصر وأودعتها في بنك انترا في لبنان. وعندما أعلن عن افلاس البنك، أمسكت بتلابيب مديره الراحل يوسف بيدس وقالت له بصوت عال: "صار لي سبعين سنة بهز حتى جمعت هالفلوس... حيث أنت بهزة واحدة ضيعتهم"! ولا عزاء للراقصات... وللصحافيين.
خلجة من ابن زيدون وألفاظه في النطق كاللؤلؤ النثر وريقته في الارتشاف مُدامُ