وضع قرار مجلس جامعة الدول العربية في دورة انعقاده العاشرة بعد المئة بتاريخ 17/9/1998، الأساس القوي لتطوير العلاقات العربية - الصينية في القرن الحادي والعشرين، والتي تمتد جذورها في الواقع الى أعماق التاريخ، وذلك بوضع الإطار المؤسسي لعلاقات عربية - صينية جماعية تدعمها العلاقات الثنائية بين كل دولة عربية والصين. وتضمن هذا القرار ما يلي: 1- دعوة الدول العربية الى تطوير علاقاتها مع الصين على المستوى الحكومي وعلى المستوى الشعبي بما يحقق المصالح المشتركة للطرفين ودعم الوجود العربي على مختلف المستويات في الصين. 2- تنشيط التشاور السياسي بين الأمانة العامة للجامعة، ووزارة الخارجية الصينية من طريق تنظيم لقاءات دورية سنوية أو أكثر عند الحاجة. 3- دعوة المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، الى إعداد دراسة شاملة عن سبل تطوير العلاقات الاقتصادية العربية - الصينية في القرن الحادي والعشرين. 4- دعوة المنظمات العربية المتخصصة الى إعداد دراسات حول سبل تعزيز العلاقات العربية - الصينية. 5- دعوة المؤسسات والهيئات العربية غير الحكومية الى توثيق علاقاتها بمثيلاتها في جمهورية الصين الشعبية. هذا القرار يأتي استجابة للتطور المستمر في مسيرة العلاقات العربية - الصينية منذ بدء اعتراف الدول العربية بجمهورية الصين الشعبية وأولها مصر في أيار مايو 1956. كما قامت مجموعة الدول العربية بالمشاركة في تبني مشروع قرار إعادة الحقوق الشرعية لجمهورية الصين الشعبية في الأممالمتحدة في 15/11/1971 حيث ذكر مندوب المغرب لدى المنظمة الدولية، في ذلك الوقت، في كلمته للترحيب بممثل الصين الشعبية نيابة عن الدول العربية "أن أكثرية الدول العربية لم تقم منذ سنوات عدة علاقات ديبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية فحسب، بل أقامت علاقات الثقة المتبادلة في مجالي التعاون الاقتصادي والتجاري التي تمثل دائماً أحسن أساس للصداقة". وظلّ الجانبان العربي والصيني يحافظان على الاتصالات والمشاورات حول القضايا الاقليمية والدولية، كما تم إنشاء بعثة للجامعة العربية في بكين إثر الزيارة التي قام بها الأمين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد للصين في أيار مايو 1993 والتي اعتبرتها الحكومة الصينية بمثابة جسر جديد للصداقة الصينية - العربية. وأكد هذا المعنى الرئيس الصيني غيانغ زيمن أثناء زيارته مقر الجامعة في القاهرة في أيار 1996، إذ كتب في سجل زياراتها "أن الصداقة بين البلاد العربية والصين أبدية". كذلك طرح نائب رئيس مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني تشيان تشي تشن، أثناء لقائه الأمين العام للجامعة في كانون الأول ديسمبر 1997 مبادرة من أربع نقاط لتفعيل العلاقات العربية - الصينية في القرن الحادي والعشرين، تتضمن: تبادل الاحترام والتعامل على قدم المساواة وتعزيز الحوار والتشاور وتبادل التأييد في الشؤون الدولية وإجراء التعاون ذي المنفعة المتبادلة من أجل دفع النمو المشترك. وأكدت الحكومة الصينية في مناسبات مختلفة أنها ستواصل بكل حزم وعزم تنفيذ هذه السياسة من أجل إقامة علاقات وطيدة متميزة بالاستقرار الطويل والتعاون الكامل مع الجامعة العربية والدول العربية كافة. وهكذا، فإن الصين تظهر مزيداً من الاهتمام بالعالم العربي، وتعمل جاهدة لتهيئة الظروف لوجود جديد لتأسيس علاقاتها معه على استراتيجية الوجود في كل مكان، والتي تلبي رغبتها في الحفاظ على علاقة متواصلة مع بلدان تملك أكبر الثروات النفطية في العالم والحفاظ كذلك على صورة الصين كأحد الاقطاب المهمة في العلاقات الدولية. ومن جانبها استكملت المجموعة العربية تمثيلها الديبلوماسي في الصين، وأيدت دائماً الحقوق المشروعة لهذا البلد في هونغ كونغ ومكاو وتايوان، كما توافقت آراؤها مع المفهوم الصيني لحقوق الإنسان وقضايا نزع السلاح وبناء النظام الدولي الجديد. وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية من المنتظر أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلاد العربية والصين في العام 1998 الى ثمانية بلايين دولار مقابل سبعة بلايين دولار في العام 1997. كما تعددت الاستثمارات العربية في قطاعات مختلفة وفي أنحاء مختلفة في الصين. وبالنسبة الى التعاون الثقافي، فإن هناك أكثر من ثماني جامعات صينية تدرس فيها اللغة العربية كما يهتم المسلمون في الصين بتعليم اللغة العربية في مدارسهم. ويوجد آلاف من الطلاب العرب يدرسون اللغة الصينية، كما يتم الاشتراك في المعارض التي تقام هنا وهناك. ويبقى الآن أن تتوسع قنوات الاتصال العربي - الصيني في مختلف المجالات. فقديما كان هناك طريق الحرير البري وطريق البخور البحري، بين العرب والصين لتأكيد التواصل الثقافي والحضاري وأيضاً الاقتصادي بين الجانبين، وقديما أيضاً نسب الى النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: "اطلبوا العلم ولو في الصين". ومما يزيد من أهمية تطوير العلاقات العربية - الصينية تشابه الظروف التي ستواجه الطرفين في القرن الحادي والعشرين فكلاهما يواجهان قضايا توحيد الوطن وإنهاء مشاكل الاحتلال الأجنبي أو الاغتصاب للأراضي الوطنية، كما يواجهان تحديات رفع مستوى شعوبها الاقتصادي. وهذا يوجب تضافر جهودهما لبناء نظام دولي جديد يؤكد قيم الحضارتين العربية والصينية، اللتين أسهمتا في تقديم أعظم العطاء من أجل تطور البشرية. * ديبلوماسي مصري. مدير مكتب الجامعة العربية في بكين.