مع مرور خمسين عاماً على هجرة سكان جزر الكاريبي الى بريطانيا، تثار في بريطانيا هذه الأيام، مسألة غياب العنصر البشري الأسود في المسرح والتلفزيون والسينما. ويقارن بعضهم بين التشريع الذي صدر في اميركا للتأكيد على حضور الممثلين من غير البيض في تلك المجالات، وبين الصراع الذي يخوضه الممثلون السود هنا، للحصول على أدوار معقولة. قبل سنتين، احتجت الممثلة البريطانية السوداء ماريان جين بابتيست، على استبعادها من بين عشرين ممثلاً شاباً دعوا رسمياً لتمثيل الصناعة السينمائية البريطانية الشابة في احتفالات مهرجان كان في الذكرى الخمسين لتأسيسه. الممثلون العشرون كانوا من البيض، وبابتيست كانت في عز احتفالها ذلك العام، بترشيحها الى اوسكار احسن ممثل مساعد، عن دورها في الفيلم المتميز "اسرار وأكاذيب". بعض المؤسسات الاعلامية من صحافة وتلفزيون ساندت قضيتها، وتم استضافتها للتعبير عن وجهة نظرها. الا ان الأمر انتهى عند هذا الحد. ولم تحصل ماريان جين على دور آخر، مما اضطرها للسفر الى اميركا للحصول على ادوار مناسبة. وعندما كان الممثل ادريان ليستر في سنته الاخيرة في مدرسة الدراما، سمع من زملائه ان شركة الانتاج التي يشرف عليها المنتج اسماعيل ميرشانت والمخرج ايفوري، تبحث عن ممثلين لفيلمها. اندفع الطلاب لتقديم طلباتهم الشخصية، وكذلك فعل ليستر، الا انه وهو يحضر بياناته الشخصية خطر بباله تساؤل: ما الذي سأفعله انا في افلام شركة اعتادت ان تتناول فترات من تاريخ بريطانيا؟ وصودف ان ليستر أسود البشرة، لكنه أيضاً ممثل شاب متميز، وكان الممثل الأسود الوحيد الذي حصل على دور رئيسي في مسرحية "كومباني"، للمخرج ستيفن سوندايم. الا ان نجاحه الكبير حققه في اميركا بعد ذلك، عندما حصل على دور في فيلم "الوان اساسية"، كمساعد للرئيس الأميركي الذي قام بدوره جون ترافولتا، فيما ادت ايما تومسون دور زوجة الرئيس: "كنت على يقين انني اذا اردت تثبيت نفسي كممثل، فعلي ان أترك البلد بريطانيا كي احقق ذلك النجاح". وبعد مرور خمسين سنة على وجود المهاجرين الكاريبيين، اضافة الى وجود المهاجرين الآسيويين في بريطانيا، قلة هم الذين لم يستوعبوا بعد، ا هذا البلد الآن مجتمع متعدد الاعراق والثقافات. فمجرد ان ندير التلفزيون تقابلنا "دراما" عالم البيض، المستمرة منذ الخمسينات حتى الآن، كذلك الحال مع الاعلانات التجارية. ويشير مقال نشرته جريدة "اندبندنت" الى ان هذا الوضع يعني عملياً بالنسبة الى الممثلين السود، شحة في الفرص وتنميط في الادوار، ومتابعة زملائهم من خريجي الدراما يتسلقون سلم المهنة، فيما ينتظرون بقلة صبر مجيء الدور النادر للممثل الأسود. ويقول الممثل ديفيد هيروود، الذي كان حتى فترة قريبة يلعب دور عطيل في المسرح القومي، "وافقت على الدور كمن يتلقى صفعة على الوجه". معبراً بذلك عن عدم توفر ادوار مناسبة سوى لشخصيات محددة. وكانت لجنة التحقق من المساواة العرقية، لاحظت هذا الغبن اللاحق بالممثلين السود، وأعلنت انها ستتوجه بنداء لاصدار تشريع يسد الثغرة الموجودة حالياً في قانون العلاقات العرقية. اذ تسمح للمخرجين باستغلال حجة الصحة أو الأصالة، للتهرب من تشغيل السود. فدور نيلسون مانديلا يحتاج الى ممثل أسود، ودور وينستون تشرشل يحتاج الى ممثل أبيض. هذا صحيح ومقبول، لكن ان تقوم مسرحية هاملت بأكملها وبشكل دائم على الممثلين البيض، فهنا يثور الجدل. وتذكرنا كاتبة المقال بالخطوة التي لجأت اليها اميركا، وهي نظام الكوتا، او الحصص المتساوية، الذي يضمن التأكد من ان ظهور الوجوه السوداء على الشاشة بمعدل مقبول. الا ان مسؤول برامج الكوميديا في القناة الثالثة، يرى ان تطبيق مثل هذا التوجه في بريطانيا، امر ليس بهذه السهولة. اذ لم يحدث في بريطانيا بعد امتصاص السود ضمن الطبقة المتوسطة بشكل كبير، وبالتالي فانهم، اي السود، لم يؤثروا بعد في الحياة الاجتماعية الثقافية لهذا البلد". وإذا غضضنا النظر عن شحة الادوار المرشحة لغير البيض، فانه حتى في حال توفرها، يتبين ان اكثرها يكون لمجرد لصق طابع اسود! فعندما طلب من الممثل باتريك روبنسون قبل ست سنوات، التمثيل في المسلسل التلفزيوني الشهير "طوارئ"، اكتشف عندما ذهب الى موقع التصوير، انه مجرد شخصية سوداء، من دون خلفية حياتية واضحة في ذهن المشرفين على المسلسل. فسألهم "هل تريدون اشراكي حقاً في المسلسل، ام ان المطلوب مجرد وجه اسود؟". على أي حال يبدو ان المجال الوحيد الذي يمكن القول انه حقق دمج الممثلين بشكل عام هو المسرح. ففي ثلاثية الكاتب المسرحي هارولد بينتر التي تقدم على مسرح دونمر في لندن، يؤدي ممثل أسود الدور الرئيسي في مسرحية "مختارات"، مع ان بينتر لم يكتب الدور لممثل اسود تحديداً، الا ان المخرج سام مينديز، كان راغباً في اكتشاف هذا الاحتمال. ان اسناد الادوار الى ممثلين غير بيض، لا يجب ان يهدف الى تحقيق نظام الحصص، او رد تهمة العنصرية، يقول ديفيد هيروود، بل الى تجديد حيوية الدراما البريطانية بشكل عام. لكن لعب هذه الادوار يعني لمسؤولي الانتاج متاعب اضافية، فالمخرجون يعتقدون ان دور شخصية سوداء يعني مناقشة كل خلفيتها العرقية، الامر الذي قد لا يمت للقصة الاصلية بصلة. هذه الحجة تكرس نمطية ادوار غير البيض، ويشير الممثل ادريان ليستر الى ان زوجته وهي الممثلة الآسيوية لوليتا شكرابارتي، مصممة على عدم القيام بأدوار مكررة كبائعة في محل صغير، او دور فتاة يرغمها اهلها على الارتباط بزوج من ملتها، في ما يسمى الزواج المرتب بين اسرتين. في هذه الظروف لا يبقى امام الممثلين السود سوى التوجه الى اميركا، حيث يقتنع الاميركيون ان ذوي الاصول الافريقية، مواطنون اميركيون ايضاً. فيما لا يزال البريطانيون يتعاملون معهم على انهم اجانب. ويرى ليستر ورفاقه، ان السينما البريطانية تعاني من فقر في الافكار. ففي السينما الاميركية، يمكن لممثل مثل صمويل جاكسون ان يلعب اي دور. عندما كان صغيراً، نصح والدا ليستر ابنهما بالقول: لا تتذمر. لا تبدي عدم رضاك. فقط كن ثلاثة اضعاف زميلك الأبيض في الجودة. "كان ذلك صحيحاً بالنسبة اليهم"، يقول ادريان ليستر، "الا انه ليس صحيحاً بالنسبة الينا الآن".