تنظر محكمة القضاء الاداري في مصر حالياً طلبات لتأسيس أحزاب جديدة، منها خمسة بدأ النظر في امرها يوم 12 ايلول سبتمبر الجاري هي "اكتوبر والأمل والوحدة الوطنية والسادات والمصريون المغتربون" علماً أنها تطعن في قرار لجنة الاحزاب في مجلس الشورى المستوى الأول برفض طلبات تأسيسها بدعوى أنها لم تأت بجديد مقارنة بالمطروح سياسياً واجتماعياً واقتصادياً من جانب 14 حزباً تزدحم بها الساحة. ويتداول مثل هذه القضايا ما بين لجنة الاحزاب في مجلس الشورى التي تتلقى طلبات التأسيس لترفضها عادة، ومحكمة الاحزاب في مجلس الدولة، التي تستمر لسنوات في نظرها قبل أن ترفض الحزب كما فعلت اخيراً مع الحزب "الجماهيري" أو لتقبله كما فعلت مع حزب "التكافل الاجتماعي". والسؤال: هل وجود 14 حزبا مرخصا و7 طلبات جديدة لتأسيس احزاب هو دليل على واقع ديموقراطي معين؟ نستعيد الوصف القائل كغناء السيل لنصف التظاهرة الحزبية في الديموقراطية المصرية. فلا هذا الزخم الحزبي ولا هذه التعدديه المتراصة تعبر عن نجاح ديموقراطي أو صحة حزبية. فلا يوجد في مصر سوى الحزب الوطني الحاكم وان لعبت الأحزاب الاخرى أدوارا يسمع بها الوطن نفسه وربما تاهت احزاب اخرى في زحمة القاهرة كحزب "التكافل الاجتماعي"، أو فضلت النوم هناك على شاطئ البحر المتوسط ك "الاتحادي الديموقراطي" ورئيسه السكندري ابراهيم ترك الذي يتخذ من الاسكندرية مقرا دائما له. في حيثيات رفض الحزب الجماهيري قال رئيس دائرة الاحزاب السياسية إن الحزب يدعو الى الغاء ما نصت عليه المادة 87 من الدستور التي تقرر نسبة 50 في المئة على الأقل للعمال والفلاحين في المؤسسات الاشتراعية، كما أنه يصطدم مع احكام القانون رقم 33 لسنة 1978 في شأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي الذي نص في المادة الأولى منه على حظر المساس بالمكاسب الاشتراكية للعمال والفلاحين. الى ذلك يفتقر الحزب الى ملامح الشخصية التي تميزه تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب القائمة. مسألة تميز شخصية الحزب هي حجة لجنة الأحزاب في الرفض المباشر تمهيدا للرفض النهائي في المحكمة. ربما كان هذا دافعا للمحامي أبو الفضل الجيزاوي، عضو مجلس الشعب البرلمان السابق، ووكيل مؤسسي حزب الحرية وحقوق الانسان الى التصريح ل "الحياة" بأنه "يسعى للطعن في دستورية لجنة الأحزاب خصوصا وأن كل الأحزاب التي قامت فعلا جاءت بأحكام قضائية ولم يستثن من ذلك سوى حزب الوفد الجديد". ويقول الجيزاوي: "انه خلال السنوات الماضية ترافع أمام المحاكم عن حوالي عشرة أحزاب تحت التأسيس من بينها: حزب الأمة ورئيسه احمد الصباحي، حزب الشعب الديموقراطي ووكيل مؤسسيه انور عفيفي، حزب التكافل برئاسة الدكتور اسامة شلتوت، حزب الوحدة الوطنية ومؤسسته زوزو رشاد، حزب السلام الاجتماعي والتنمية ووكيله العميد عبدالجليل احمد، والحزب المصري الجمهوري الذي رفضته المحكمة". ويقترح في ضوء هذه التجربة "أن تعامل الأحزاب السياسية قانونيا معاملة الجمعيات الخيرية من حيث قبول قيامها رسميا وأن تكون حرية تكوين الأحزاب مماثلة لسهولة تكوين هذه الجمعيات خصوصا أن المادة الثانية من قانون الأحزاب المصرية تقول إنه يحق لكل خمسين شخصية التقدم بطلب الى لجنة الأحزاب لتكوين حزب، وأن تتم الموافقة أو رفض الحزب خلال أربعة شهور من تقديم الطلب. وتتشكل لجنة الأحزاب من رئيس مجلس الشورى ووزيرا العدل والداخلية ورئيس مجلس الشعب وخمسة قضاة سابقين. وفي حال رفض لجنة الأحزاب يتم التقدم الى المحكمة الادارية العليا التابعة لمجلس الدولة وهي محكمة مكونة من سبعة مستشارين". ويقول الجيزاوي: "أن حق التقاضي مكفول طبقا للمادة 6 في الدستور المصري، وبالتالي فإن لجنة الاحزاب غير دستورية لانها ليست القاضي الطبيعي وانما تشكيلها يدل على ولائها التام للنظام السياسي القائم. في حين ان الدستور ينص على أن من يحكم لابد أن يكون صاحب خبرة في سلك القضاء". ما يقوله الجيزاوي نجد صداه في معاناة أصحاب الأحزاب الجديدة في الحصول على التراخيص، فمؤسسة حزب "الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي" زوزو رشاد، مرت عليها سبع سنوات كاملة وهي تصارع من أجل الحزب. وتقول: "إن فكرة تكوين هذا الحزب بدأت منذ العام 1990، بعد اشتعال احداث الفتنة الطائفية في محافظتي المنيا واسيوط ومقتل بعض المواطنين الاقباط على يد عناصر تابعة ل"الجماعة الاسلامية"، بغرض الحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث التي تلحق ضررا كبيرا ببعض فئات الشعب، وهو الأمر الذي نخشى معه أن تنفجر الاوضاع في الصعيد على نحو يصعب السيطره عليه، خصوصا اذا حاول بعض الاقباط حمل السلاح بغرض الرد على الاعتداءات التي تقع عليهم بين الحين والآخر". وتضيف: "في هذا الحزب نجمع كل عناصر الأمة المصرية عن طريق اختيار خمسين شخصية عامه من كل محافظة، تكون ممثلة لجميع المسلمين والاقباط، وهؤلاء الاشخاص الذين ينضمون الى حزبنا لا بد أن يكونوا مؤمنين تماماً بافكارنا التي تقوم على رفض الطائفية، وبالفعل اصبح لنا الآن اعضاء في كل محافظة ومدينة وقرية. ويلاحظ أن معظم الاعضاء الفاعلين في هذا الحزب هم من محافظات الصعيد في حين يقل نشاط الحزب نسبيا في محافظات الوجه البحري". وتقول زوزو رشاد في تفسير ذلك: "إن اهل الصعيد هم اكثر الناس تحمسا لمنع أي انشقاق بين المسلمين والاقباط لانهم اكثر الناس تأثرا بذلك". وتعترف رشاد بأن العنصر النسائي في حزبها ضئيل للغاية، وتضيف "إن عددهن لم يتجاوز إلى الان 50 سيدة في حين أن معظم المتحمسين لفكرنتا هم من الرجال المؤمنين بالمبدأ والدفاع عنه، خصوصا أننا لا نهتم بأية اعتبارات مهنية أو مادية في الاشخاص الذين يطلبون الانضمام الينا حتى لو كانوا من الاميين". وتوضح أن هناك ثلاثة محاور رئيسية يقوم عليها حزبها هي: الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي. والقضاء على الارهاب من خلال ازالة اسبابه التي يأتي على رأسها الفقر والبطالة. وتقدم الحزب خلال العام قبل الماضي الى لجنة الأحزاب من اجل الحصول على اعتراف رسمي به، إلا أن اللجنة التي كانت مكونة من وزير الداخلية والأمين المساعد للحزب الوطني الحاكم ورئيس مجلس الشورى مصطفى كمال حلمي ووزير العدل المستشار فاروق سيف النصر، إضافة الى اربعة مستشارين آخرين رفضت برنامج الحزب. بعد ذلك لجأ المؤسسون الى لجنة مفوضي الدولة المكونة من عدد من مستشارين. وتقول زوزو رشاد: "إن هذه اللجنة لا تقوم على أي اساس من القانون أو العقلانية، فهي لا تقرأ برنامج الحزب ولا تناقش المؤسسين. فهم يكتفون بمطالعة الأوراق بسرعة وفي الغالب فانهم يرفضون". وعلى أثر ذلك تقدم مؤسسو الحزب الى المحكمة الإدارية العليا لكي يتم الطعن في دستورية لجنة الانتخابات. تنتسب رئيسة حزب الوحدة الوطنية الى إحدى الأسر العريقة في الصعيد المصري، فهى حفيدة الشيخ جلال الدين السيوطي من ناحية الاب، ومن ناحية الأم الى احمد باشا حمدي أحد مشاهير النواب المصرين في فترة ما قبل الثورة، توارثت هذه الأسرة المناصب النيابية على مدار سنوات طويله فضلا عن تولي منصب العمودية في عدد من قرى محافظتي المنيا واسيوط. ودخلت رشاد انتخابات عامي 1990 و1995 لمجلس الشعب، ولم تتهم المسؤولين في الحزب الوطني الحاكم بمحاربتها وانهم كانوا وراء فشلها على مدى دورتين متتاليتين. عبدالله زايد وكيل مؤسسي حزب "رجال الاعمال والمصريون المغتربون وإعادة بناء مصر"، يقول إن فكرة انشاء هذا الحزب نبعت اثناء اقامته في المانيا وفرنسا ثم الولاياتالمتحدة واخيرا النمسا، وأنها لاقت ترحيبا كبيرا من معظم المصريين المغتربين في هذه الدول فضلا عن بعض رموز العمل العام في الداخل وعلى رأسهم رسام الكاريكاتير الشهير مصطفى حسين الذي تبنى فكرة الحزب وشجعنا على إعلانها اضافة الى كل من استاذ الاجتماع السياسي في الجامعة الاميركية في القاهرة سعد الدين ابراهيم ورئيس محكمة النقض السابق المستشار يحيى الرفاعي واستاذ الطاقة الشمسية في الجامعة الاميركية صلاح عرفة، اضافة الى استاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة المحامي محمد عصفور والشاعر عبدالرحمن الابنودي ونقيب الاطباء الدكتور حمدي السيد، فضلا عن 30 محامياً آخرين". الركائز الأساسية للحزب تقوم على "اطلاق حرية التجارة والتوسع في التصدير من خلال انشاء اكبر سوق اقتصادية في منطقة الشرق الاوسط وبورصة عالمية ومخازن ضخمة في سيناء يتجمع فيها كل فائض التصنيع الدولي، وانشاء مدينة دولية على حدود مصر مع اسرائيل وأن تصبح مصر مزارا سياحيا عالميا". يدافع هذا الحزب ايضا عن حقوق المصريين المغتربين ويسعى الى انشاء اتحاد دولي يكون هدفه الدفاع عن المصالح العربية. ويطالب ايضا بإنشاء امم متحدة شعبية يتم تكوينها من اتحادات النقابات المهنية والعاملة في مجال حقوق الانسان، ويكون هدفها العمل على نزع اسلحة الدول بكل اشكالها والحيلولة دون نشوب اي حروب والقضاء على العنف والجريمة وتوفير الغذاء لكل انسان على وجه الأرض وعمل كل ما من شأنه تحقيق سعادة الانسان". في اول اعلان لفكرة حزب "السادات" ظن البعض أن عائلة الرئيس الراحل وراء الفكرة إلا انها نفت صلتها بالحزب نهائيا. ويؤكد السيد محمد محمود عبدالوهاب 42 عاما الذي يعمل محاسبا أن باب الحزب مفتوح أمام أي شخص من عائلة السادات او الذين عملوا معه. ويشير الى ان هدف الحزب "بعث الروح الوطنية المصرية عبر سياسيين محنكين، فالسادات حسب ما جاء في برنامج الحزب كان المسيس الوحيد والمشهور الوحيد بين اعضاء مجلس قيادة ثورة 1952، كما ان الحزب يطمح للقضاء على الرشوة والمحسوبية". وعلى المستوى السياسي يتخذ الحزب من مقولة السادات الشهيرة لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين طريقا لابعاد أهل الدين عن عالم السياسة "بشرط اطلاق حرية تكوين الأحزاب وأن تكون رقابة المجتمع عليها هي الرقابة الوحيدة". واعتمد مؤسسو حزب اكتوبر رمزا يمثل قلعة تحيط بها أغصان السلام ورفع شعار مصر أولا .. مصر دائما. وأكد وكيل المؤسسين اللواء المتقاعد محمد معوض أن ما يميز برنامج حزبه عن بقية الأحزاب القائمة "أنه الحزب الوحيد الذي يرصد نيات اسرائيل التوسعية رصدا بغرض التحذير منها. ويعتبر السلام معها ضررا وهو الحزب الوحيد الذي أعلن صراحة أن اسرائيل تقوم على التوسع واحتلال ارض الدول المجاورة، وان معاهدة السلام معها لا تعدو من وجهة نظر الصهيونية العالمية إلا هدنة مسلحة تستعد فيها اسرائيل لشن حرب جديدة على مصر والعرب". لجنة الأحزاب اعتبرت الأفكار التي يدعو اليها الحزب موجودة في برنامج الحزب الوطني الحاكم، الا ان وكيل المؤسسين قال: "هذا غير صحيح على الاطلاق، فالحزب الوطني لم يقل مثلا إن حرب تشرين الاول اكتوبر ليست آخر الحروب مع اسرائيل، كما ان افكارنا متميزة في قضية الصراع العربي - الاسرائيلي وان هدفها هو تكوين كادر قادر على العطاء مؤمن بروح حرب اكتوبر السياسية والعسكرية". خلافا لأفكار هذا الحزب فإن وكيل مؤسسي حزب الحرية وحقوق الانسان الذي اعلن عنه في القاهرة وإن لم يتقدم بأوراقه بعد يعتبر اسرائيل هي كيان قائم في المنطقة بل ويدعو أبو الفضل الجيزاوي الى الاعتراف بذلك تماما حتى يصبح الانسان الاسرائيلي عضوا في الاسرة العربية والدولية وأن يتم السماح بحرية البناء في الأراضي العربية للاسرائيليين والعرب على حد سواء