دشنت الثمانينات انبثاق مرحلة جديدة هي الخامسة من مراحل تطور الوعي العربي خلال القرن الجاري، ويمكن إعتبارها مرحلة إنبعاث إسلامي واضحة القسمات مستوفية المواصفات على الصعيدين الإيديولوجي والسياسي، تقف وراء ولادتها بهذا العنفوان وهذه السرعة، تلك الروح القلقة الثاوية في نفوس أفراد الأمة المستعصية على الرؤية بالعين المجردة أو الرصد بعدسات العلماء أو التحديد في حيز المكان. إن هذه الروح القلقة هي خاصية ملازمة لكل أمة تتصف تاريخياً بالحيوية والنزوع نحو إحتلال مكان لائق بين الأمم إنطلاقاً من إرث حضاري ثقافي مجيد من دون أن يعني ذلك بالضرورة توافر القدرة بالفعل في هذه المرحلة أو تلك على إحتلال ذلك المكان، وهذا بالضبط ما كابدته الشعوب العربية خلال هذا القرن عبر المراحل الأربع الرئيسية الماضية: الإسلامية "العثمانية"، شبه الليبرالية، الوطنية، رأسمالية الدولة "الإشتراكية"، إذ لم تتمكن في أي منها من رفع صخرة سيزيف الى قمة الجبل. كانت تلك مقدمة قصدت الى إجراء ربط فكري بين مقالاتنا السابقة المشار اليها عن الحركة السياسية الإسلامية في البلاد العربية عموماً وبين الحركة السياسية الإسلامية في الجزائر التي نتناولها في هذا المقال. في حزيران يونيو 1990 فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في الإنتخابات الولائية والبلدية، وفي كانون الأول ديسمبر 1991 حققت فوزاً كاسحاً في الدورة الأولى للإنتخابات التشريعية وكانت على وشك الفوز بغالبية كبيرة والإنفراد بالحكم، لولا تدخل الجيش وتعليق العملية الإنتخابية. وكان تعليق الإنتخابات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير أو بمثابة الصاعق الذي تلقفه مناخ شعبي محتقن سياسياً وقابل للإنفجار عملت الثمانينات وبداية التسعينات بالتدريج على ايصاله الى حال من الإنفصال والقطيعة عن نظام الحكم القائم وممثليه على المستويات الفكرية والسياسية والنفسية. وهكذا لم يلبث العنف أن انفجر بوتيرة منتظمة ومتصاعدة ليستهدف بدءاً من كانون الثاني يناير 1992 الجنود ورجال الأمن ثم موظفي الدولة ولتتوسع دائرته في عامي 1993و 1994، وتشمل المثقفين صحافيين، كتاباً، شعراء، فنانين الذين إغتيل منهم أكثر من 150 فرداً، ويأتي في مقدم هؤلاء الصحافيون العاملون في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة الذين نالوا النصيب الوافر من حالات الإغتيال والعنف والرعب والتهديد، يعكس هذه الحال هجرة أكثر من 150 صحافياً وصحافية الى خارج البلاد، وهجر المهنة قبل عشر سنوات عن غيرهم متجهين الى امتهان أعمال أخرى قد تحيد الخطر الداهم الذي يستشعرون، ونزوح حوالى 1000 صحافي من العاملين في مختلف حقول العمل الإعلامي من بيوتهم ومفارقة أسرهم بعد تلقيهم التهديد بالإغتيال متنقلين الى فنادق يحرسها الجنود والكتابة بأسماء مستعارة. وشكل موقف المثقفين الجزائريين الذي يتهمه الإسلاميون بالإنحياز ضدهم الى جانب السلطة والمعارضة الأخرى، مبرراً كافياً للجماعات الإسلامية المسلحة الجماعة الإسلامية المسلحة، الباقون على العهد... كي تصنفهم وخصوصاً اليساريين والليبراليين منهم أنصاراً للنظام ومضللين للجماهير، وتبادر الى معاقبتهم بالقتل ثم تتسع دائرة العنف والممارسة العنيفة في مرحلة أخيرة إتساعاً إستثنائياً غير معهود في تاريخ الثورة والتمرد في العصر الحديث وذلك منذ نهاية كانون الثاني 1995 وحتى الآن، جين أدخل في محيط الدائرة كل المواطنين الأبرياء العزل في الريف والمدينة على حد سواء فضلاً عن أسر رجال الجيش والأمن والموظفين الذين تربطهم صلة ما بجهاز الدولة أو الذين يقفون على الحياد في الصراع الدائر بين الجماعات الإسلامية المسلحة والسلطة. حتى بلغت حصيلة أعمال القتل والقتل المضاد حوالى 60 ألف ضحية كان نصيب المدنيين منهم عالياً. كيف بلغوا هذا المدى الذي نقلهم من الإنسانية الى الحال المتوحشة؟ كيف تأتى لهم تقطيع الحبال التي تشدهم الى الإجتماع الإنساني الذي توافق أفراده على مجموعة من القيم والحدود الأولية بوصفهم أناساً. تقول "الجماعة الإسلامية المسلحة" في بيان يحمل ختمها، نافية فيه مقتل زعيمها "الزوابري" وهو حي يرزق متمتعاً ببناتهن اللاتي أخذن من ثانوية القليعة. فالإيديولوجيا لا تخلق الفعل من عدم، لا تخلقه من حيث لا تتوافر شروطه، لكن الفعل بالمقابل يستدعي الإيديولوجيا التي تصطبغ مع تطور الفعل بلونه وتأخذ مقاسه، غير أن الإيديولوجيا تلعب في الوقت نفسه دور الممرر للفعل، المسوغ للفعل في جميع أوجه نشاطه بما في ذلك إقترافه الآثام. وهذا شأن كل إيديولوجيا، وبغض النظر عن المرجعية التي تنتسب اليها. هناك إذن علاقة تأثير متبادلة بين الفعل والإيديولوجيا، فالفعل يستدعيها ويكسبها ملامحه الخاصة، والإيديولوجيا تلبسه برقعاً يخفي وجهه الحقيقي، وتمنحه المشروعية النظرية التي تسوغه في أعين ممارسيه وجمهوره، وقد ترتقي في بعض البيئات الإجتماعية والسياسية الى مرتبة الإيمان المطلق، الإيمان الديني، كما يحدث الآن في الجزائر. إن الإيمانية الطفولية بالإيديولوجيا هو ما يفسر السلوك السياسي للجماعات الإسلامية الجزائرية الذي يتصف ليس فقط بقمع الإختلاف في وجهات النظر، قمعاً دموياً فورياً سواء أكان داخل صفوفها أو بين بعضها بعضاً العقوبات داخل "الجماعات" تنتهي بالموت، تأكيد الجماعة المسلحة بأن تعدد الروايات في الجهاد حرام، تصفية جماعة الجزأرة داخل الجماعة، تصفية الجماعة 500 من عناصرها في إحدى الفترات، الإقتتال المتكرر والمستمر بين الجماعات وبين كل منها، وجبهة الإنقاذ، بل واحتقار الآراء والمواقف والمشاعر التي تصدر عن جمهورها. إنها بمعنى آخر تسقط التكتيك من قاموسها كمفهوم وكنشاط سياسي لأن التكتيك تزلف للواقع، مهادنة له، إعتراف به، وهو الذي ما انفكت الحقيقة المطلقة تعارضه وتنفيه ممثلة مع الإيديولوجية. إن الإيديولوجيا السياسية الإسلامية الجزائرية متسامية على الواقع، محلقة في سماء أفلاطونية، جذرية، أحادية البعد، تنبذ التكتيك والمساوة، لذلك فهي تقود على صعيد الممارسة الى اللامعقول والى الكارثة. ومن أجل إيضاح الصورة لنتلفت الى أكثر ساحات الإسلام السياسي العربي قرباً من الساحة الجزائرية، ألا وهي الساحة المصرية، كما هي الحال في الجزائر، إلا أن الجماعات التي جنحت للعنف في مصر الجماعة الإسلامية المسلحة، الجهاد الإسلامي ظلت حتى الآن تشكل أقلية داخل ذلك التيار إذا أخذ في الإعتبار كون الإخوان المسلمين يشكلون الغالبية داخله. وهذا عكست الحال في الجزائر حين انخرطت الغالبية في أتون العنف جبهة الإنقاذ، الجماعة المسلحة، جماعة الجزأرة، الباقون على العهد، المنطقة الثانية، وبقيت الأقلية خارجه، كما أن العنف في مصر، وقد خاض فعلاً في المستنقع النتن حين اغتال ولا يزال مدنيين وأقباطاً ومسلمين وسياحاً، إلا أنه لم يبلغ القاع الذي أخذ يبتلع نظيره في الجزائر. عملت الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر على استثمار الإلتفاف الجماهيري الواسع حول الحركة الإسلامية الذي كان إحدى تعبيراته نتائج الإنتخابات البلدية والتشريعية عامي 1990 و1991، فجندت في صفوفها المقاتلين والأنصار وجَبَت المساعدات والأتاوات من المواطنين في الريف والمدينة، وتمكنت خلال السنوات الأولى من العمل المسلح من دفع السلطة للإنسحاب من أكثر من 100 بلدية وفرض سلطتها التامة على عدد من المناطق سيدي موسى، الكاليتوس، الأربعاء باعتبارها مناطق محررة، وكمثال على ذلك بلدة "أولاد علال" في سيدي موسى التي حولتها الجماعة الإسلامية المسلحة الى قلعة حصينة، ملغمة المداخل والممرات ومفخخة كل ما هو فوق الأرض، تضم مستشفى وأنفاقاً تحت الأرض ومصانع متفجرات، وذلك بعد أن أفرغتها من سكانها الثمانية آلاف في مطلع 1994. وكشف ذلك فقط عندما حاصرها الجيش بعد حوالى 4 سنوات في 28 أيلول سبتمبر 1997، وتمكنت الجماعات في الوقت نفسه من زجر الشارع الجزائري، وطبع مظهره بطابع إسلامي محافظ، وكانت من دون ريب قادرة في ظل الأزمة العامة الإقتصادية، السياسية، الثقافية التي تعيشها الجزائر، والعزلة الشعبية المضروبة حول النظام القائم على تحقيق الإنتصار النهائي على السلطة في آخر المطاف، لو كانت لو للإمتناع هي غيرها، لو نزعت جلدها، أي لو أنزلت الإيديولوجيا من سمائها الى أرض الواقع، لو آمنت بأن الحقيقة التي تبشر بها نسبية بطبيعتها وليست مطلقة، وأقامت علاقة حوار مع جماهيرها مكان علاقة الفرض والدم. إلا أن حدوث ذلك كان من المحال، فاتجهت الجماعات المسلحة للإقتتال في ما بينها واتجه كل منها في الوقت نفسه باستثناء جبهة الإنقاذ كما يبدو تنتقم بالقتل الوحشي من الأسر العزلاء للآخر، ومن الأسر والأفراد الممتنعين عن دعمها. وهكذا أخذ البحر الجماهيري الذي غدا مخضباً بالدم بعد أن احتضنتها مياهه في السنوات الأولى، ينحسر عنها شيئاً فشيئاً إبتداء من عام 1995، ليتركها عارية في وجه السلطة التي استعادت في الوقت نفسه الإمساك بزمام المبادرة الذي انتزعه منها التطور الدراماتيكي للمرحلة الإسلامية في الجزائر خلال العقدين الأخيرين. إن القرى والمدن الملتفة حول الجماعات المسلحة، المقاتلة في صفوفها الداعمة لكفاحها، راحت تفرز من بين أبنائها عناصر الدفاع الذاتي عن القرى ضد هجمات الجماعات، ولم تمانع في التوجه الى صناديق الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة على رغم تهديدها. والشارع الجزائري الذي اكتسى مظهراً محافظاً صارماً قبل سنوات، أخذ يخلع هذا المظهر بالتدريج ويعود الى سابق عهده، والحقيقة أن ذلك لم يحدث نتيجة تطور موضوعي، طبيعي، للوضع الجزائري، نقله من حال الى حال، من مرحلة تجاوزها التطور التاريخي العام الى مرحلة أخرى جديدة، وإنما نتيجة عملية إجهاض مبكرة للمرحلة كان "جراحها" الماهر، ويا للمفارقة، ممثل المرحلة نفسه، الجماعات الإسلامية المسلحة. شخص المستشار الديبلوماسي لجبهة الإنقاذ، ولكن بعد فوات الأوان، تراجع التأييد الشعبي للحركة الإسلامية المسلحة الجزائرية حين قال في 15 كانون الثاني 1998 أن "العنف كلفنا غالياً، إذا جرت إنتخابات غداً لن نحقق النتيجة نفسها". مرة أخرى كيف أمكن للعنف أن ينتقل بسرعة خلال فترة قصيرة من إندلاعه لا تزيد على 3 سنوات الى المستوى الوحشي؟ هل هو إبتكار إجترحته "عبقرية" الجماعات المسلحة، أم أنها تخبز فقط من العجينة نفسها التي صنعتها الحقبة الإستعمارية، أم أن له تاريخاً بعيداً هو التاريخ الجزائري نفسه؟ إن إجابة واضحة عن هذه الأسئلة تتطلب بداهة دراسات عن الحقبة الإستعمارية وفترة المقاومة الوطنية ضد الإستعمار ودراسات أخرى تبحث في تاريخ الجزائر، كذلك التطور الإنثربولوجي للمجتمع الجزائري. غير أن ما هو متوافر عن حقبة الإستعمار الفرنسي يقدم إشارات مهمة عن الدور الذي لعبته هذه الحقبة في ولادة أو على الأقل إعادة ولادة هذا المستوى من العنف وتعزيزه. إضافة لما اقترفت المنظمات الإستعمارية السرية من اغتيالات بحق المثقفين والسياسيين الجزائريين، فإن مشاركة الفرنسيين الجزائريين العيش على الأرض الجزائرية بوصفهم مستوطنين على مدى 130 عاماً، ربما قد طعم الثقافة الجزائرية بعنصر عنفي متضمن في الثقافة الفرنسية الى جانب عناصر أخرى، ونقل الى الشخصية الجزائرية نمطاً عنفياً في السلوك الى جانب أنماط أخرى، لأن هذا المكون من مكونات الثقافة الفرنسية طفا على السطح بوضوح أثناء أحداث تاريخية ليس أولها الثورة الفرنسية في أواخر القرن الپ18، تولت المقصلة قطع مئات الرؤوس، كما رفعت رؤوساً على أسنة الرماح خلال المسيرات الشعبية. وفي المقابل لم تتورع الثورة الجزائرية ضد الإستعمار عن التمرغ في هذا الوحل، إذ ارتكب قائد في جيش التحرير مذبحة في قرية "ملوزة"، راح ضحيتها كل الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 17 عاماً على مرأى من النساء والأطفال، ثم أحرقت القرية بسبب موالاتهم لتيار وطني آخر، كما جرى في الولاية الثالثة. ذبح المثقفين الذين تأخروا عن الإلتحاق بالثورة، وظل لفظ المثقف يتردد كناية عن السخرية بل وخيانة الجماهير. إذن هنالك بالأمس واليوم توجس بين المثقفين وتصفية جسدية لهم، وهناك إنتقام من القرويين طاول أمس رجال قرية في مجزرة جماعية، ويطاول اليوم سكان قرى في مجازر جماعية، وعندما يكون عنف اليوم تجاوز عنف الأمس نحو النساء والأطفال، فلأن الخلاف على الثورة كان محدوداً، في اعتبارها ثورة تحرر وطني، أما اليوم فالخلاف واسع وأطرافه كثر، وكلما طال أمد الصراع وتراجع التأييد الشعبي للجماعات، إنسدت آفاق النصر أمامها ووقعت فريسة الإحباط وانغمست في مزيد من الدماء وجنحت نحو مزيد من الوحشية. غير أن علاقة التأثير المتبادل مع الثقافة الفرنسية في الحقبة الإستعمارية، والعنف الذي مارسته الثورة الجزائرية، والعنف النوعي الذي تستغرق فيه الجماعات المسلحة هذه الأيام، عوامل لا تفي وحدها بتفسير الظاهرة، فقد يكون للظاهرة جذور ممتدة في التاريخ الجزائري البعيد. واذا رجعنا الى التاريخ الإسلامي فسوف نلاحظ إتصالاً قد تم بالحركة الخارجية ربما قد ترك بدوره أثراً في مخزون الثقافة الجزائرية المتوارثة، ذلك هو الدولة الرستمية التي قامت في مقاطعة وهران غرب الجزائر في الفترة 144 - 296 هجرية، وإذا دققنا النظر في ذلك التاريخ خصوصاً في كتب الفرق القديمة واستعرضنا حركات المعارضة بهدف التعرف على الحركة الأكثر شبهاً بالجماعات الإسلامية من حيث المبادئ والممارسة، فلن نجد سوى الخوارج عموماً، والأزارقة منهم بصورة خاصة. فقد كفرت الأزارقة القعدة عن القتال، والجماعة المسلحة الجزائرية تكفر من لا يدعم كفاحها، والأزارقة أباحت قتل الأطفال المخالفين والنسوان، والجماعة أباحت ذلك، والأزارقة بل عموم الخوارج ينبذون الإختلاف في الرأي والإجتهاد ويسارعون الى تكفير المخالف والإنشقاق عليه سواء أكان داخل صفوفهم أو خارجها، والجماعة كذلك، حتى بلغت فرق الخوارج في العصر الأموي حوالى 24 فرقة متناحرة تكفر كل منها ما عداها. غير أن هذا التشابه العظيم بين الحركتين على صعيدي النظر والعمل رغم اختلاف الحقبتين التاريخيتين والفاصل الزمني الكبير الذي يباعد بينهما، يجب ألا يغرينا باستنتاج مبسط وساذج يرجع الأمر الى مجرد محاكاة من المتأخر للمتقدم. المحاكاة، وهي فعل ذاتي، لن تكون قادرة، مهما بلغ حذق مريديها على خلق تيار سياسي جماهيري يتبنى طروحاتها وينفذ سياساتها، إذا لم تكن الأرضية الإجتماعية الثقافية في اللحظة المعينة ملائمة لاستنبات هذا النوع من الطروحات. إن الإرث الثقافي المتشابه المرتكز الى أوضاع إجتماعية متشابهة متأزمة وفي حال مخاض يتولد أو يستولد حلولاً متشابهة، وهذا هو حال الشبه الحاصل بين الحركتين. نقلت الأنباء خلال الأشهر الأخيرة إلتحاق عدد من الفصائل والمجموعات المسلحة بالهدنة التي أعلنها الجيش الإسلامي للإنقاذ في غرة تشرين الأول أكتوبر 1997، وهذا مؤشر مهم على حال الجزر التي أخذ العمل المسلح يعانيها، وسوف تتواصل عملية الجزر هذه بلا نكوص حتى نلقى الجماعات المسلحة خلال بضع سنوات مقبلة وقد آلت الى حال من الهزال والهامشية والإنكماش على الذات، في الوقت الذي ستتضخم قاعدة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالمنضمين اليها، المنشقين على العمل المسلح، بوصفها الوريث الثوري الأقل تطرفاً. لكن هذا لن يكون ختام حال الجزر، فهي ستتواصل حتى نهايتها القصوى، وعليه لن تنعم جبهة الإنقاذ بالتوسع القاعدي الذي سيتحقق لها على حساب الجماعات المسلحة وبانفرادها بالساحة، لأنه بالإضافة الى تآكل رصيدها الشعبي الذي بدأ منذ سنوات، ستضطر من الآن فصاعداً الى التخلي بحكم الظروف السياسية الجديدة، بالتدريج ولكن بإطراد عن نهجها الثوري، والتحول الى حزب ينشد السلم ويتوق الى صناديق الإقتراع في النقابات والإتحادات المهنية. وسرعة تحقق ذلك تتوقف على مدى قدرة السلطة القائمة على الشروع في معالجة الأزمة الإقتصادية والسياسية الحادة، هذه الأزمة التي شكلت المناخ الملائم لسرعة نمو وانتشار التيار السياسي الإسلامي. * كاتب سعودي.