انتخب الأميركيون بيل كلينتون رئيساً سنة 1992، وفضلوه على رئيس محترم ناجح مع أن حاكم اركنسو كان يواجه فضيحة جنسية مدوية، فهو أنكر أي علاقة جنسية مع جنيفر فلاورز، ثم تبين وجود هذه العلاقة من أشرطة جنسية بحوزتها، فاعترف واعتذر، وغفر له الأميركيون الى درجة تفضيله على رئيس سقطت الشيوعية خلال ولايته، وخرج منتصراً مع من انتصر في حرب الخليج. اليوم يواجه الرئيس كلينتون فضيحة جنسية أخرى، فهو أنكر في كانون الثاني يناير الماضي اقامة علاقة جنسية مع مونيكا لوينسكي، وقد يتراجع اليوم أمام هيئة محلفين ويعترف. إلا أن الأميركيين لا يزالون يؤيدونه، وآخر استطلاع للرأي العام أجرته شبكة اي. بي. سي. أظهر ان 68 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنه كان على علاقة جنسية مع لوينسكي، إلا أن 57 في المئة منهم لا يريدون عزله بسبب هذه العلاقة، أو بسبب الكذب لانكار العلاقة، كما ان 68 في المئة، بزيادة خمسة في المئة عن الشهر السابق، يرون أنه يقوم بمهمته خير قيام. الأميركيون انتخبوا بيل كلينتون ليقوم بمهمة في البيت الأبيض، ليس من ضمنها أن يمارس الجنس أو "يترهب". وتأييدهم المستمر له يعكس نجاحه، فعلى الرغم من تعثر سوق الأسهم والسندات الآن، فإن الواقع هو ان هذه السوق زادت حوالى ألف نقطة كل سنة في عهد كلينتون، في فورة حقيقية لم يحدث مثلها من قبل. مع ذلك هناك حملة سياسية على كلينتون، سلاحها الجنس، لإسقاطه، ما يجعل المراقب مثلنا يصدق قول هيلاري كلينتون ان ثمة "مؤامرة يمينية" على زوجها. المراقب العربي قد يفضل القول إن هناك مؤامرة يهودية على كلينتون، عندما ينظر الى "بطلة" الفضيحة الأخيرة وأمها وأبيها ومحاميها وناشرة الكتاب المنتظر عن الفضيحة. غير أن أصحاب فكرة المؤامرة يتهمون فوراً بأنهم مجانين. وقد لقيت هيلاري كلينتون نقداً وسخرية لحديثها عن مؤامرة يمينية، فإذا جاء عربي وتحدث عن مؤامرة يهودية، لإنقاذ بنيامين نتانياهو، فهو سيتهم حتماً بالجنون. لذلك ربما كان الأفضل البقاء مع حديث المؤامرة اليمينية، فهو أسهل من المؤامرة الأخرى على الرغم من صعوبة اثبات أي منهما. المحقق الخاص كنيث ستار يميني معروف، وهو مسؤول تجاه هيئة من ثلاثة قضاة مستقلين يقال انهم يمينيون أيضاً. ويدعم هؤلاء أكثر أعضاء مجلس الشيوخ يمينية، وهو السناتور جيسي هيلمز المعروف بتأييده اسرائيل الا أننا نبقى مع المؤامرة اليمينية. في الوقت نفسه الرئيس ديموقراطي ليبرالي والكونغرس بمجلسيه منذ انتخابات 1994 جمهوري يميني محافظ. هذا اليمين لم ينس أشهر معركة بين البيت الأبيض والشركات الأميركية، عندما حاولت هيلاري كلينتون أن تعطي الشعب الأميركي نظام خدمة صحية وطنية، فحاربتها شركات التأمين وجمعيات الأطباء وشركات الأدوية وهزمتها، مع ان كل بلد غربي ينعم بضمانات صحية أوسع كثيراً مما حاولت هيلاري كيلنتون وزوجها تقديمه للأميركيين. هل بدأت المؤامرة اليمينية نتيجة لمعركة 1993 حول الضمانات الصحية؟ كنيث ستار عين في السنة التالية، وهو انفق حتى الآن حوالى 50 مليون دولار في محاولة اليمين اثبات ارتكاب بيل كلينتون جريمة ما. وكان التحقيق بدأ بما اطلق عليه اسم فضيحة وايتووتر، وهو مشروع عقاري كان للزوجين كلينتون علاقة به في اركنسو قبل 15 سنة. غير أن التحقيق لم يتوصل الى شيء، مع أن المحققين حاولوا في مرحلة منه الربط بين انتحار مساعد لكلينتون في البيت الأبيض و"فضيحة" وايتووتر. ولكن ثبت ايضاً ان المساعد انتحر بسبب توتر نفسي، كما ثبت ان هيلاري لم تكن يوماً عشيقته. وتحول التحقيق بعد ذلك الى الفضائح الجنسية، ومع ان بضع عشرة امرأة زعمت انها أقامت علاقات جنسية مع كلينتون، فالتحقيق راوح في مكانه، أولاً لأن أكثر هؤلاء لم يستطع اثبات العلاقة الجنسية، وثانياً، لأن الجنس بحد ذاته ليس جريمة يعاقب عليها القانون إذا مارسه بالغان برضاهما. وواضح تماماً ان مونيكا لوينسكي مارست نوعاً من الجنس مع كلينتون برضاها، بل باصرار منها وملاحقة، لذلك يركز التحقيق الآن على محاولة اثبات ان كلينتون طلب منها ان تكذب وأن تخفي علاقتهما، فهذا جريمة، وليس الجنس نفسه. ولوينسكي تقول ان بيل كلينتون لم يطلب منها الكذب، إلا أن التحقيق اليميني مستمر، وسنسمع كثيراً اليوم، وسنسمع أكثر منه غداً وبعده. وإذا سقط كلينتون تحت وطأة الفضيحة فستكون هذه نهاية الديموقراطية الأميركية كما نعرفها، لأن الأميركيين انتخبوا كلينتون المرة الأولى وهو يواجه فضيحة مماثلة، وأعادوا انتخابه واصبع الاتهام موجهاً اليه في فضائح مماثلة، وفضائح مالية مزعومة. وكل استطلاع اليوم يثبت ان الأميركيين لا يزالون يؤيدونه، فهم يصوتون بجيوبهم، والاقتصاد الأميركي عظيم، فلا يهمهم ان أبدى الرئيس بعد ذلك عدم مسؤولية فوق الجيب أو تحته.