تزامن الاعلان زيارة "العمل والاخوة" التي يقوم بها اليوم الرئيس زين العابدين بن علي لليبيا مع مرور عشرة أعوام على المصالحة التونسية - الليبية، بعد عقدين من العلاقات العاصفة في ظل حكم الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة. وتأتي زيارة بن علي لطرابلس، والتي وصفت في تونس بأنها تندرج في اطار تعزيز علاقات "الاخوة والتعاون"، بعد محادثات في العاصمة الليبية اجراها رئيس الوزراء التونسي السيد حامد القروي مع نظيره الليبي السيد محمد أحمد المنقوش تناولت "متابعة" التعاون الثنائي. وكانت الأزمات التي تكررت بين البلدين في السبعينات والثمانينات، تمحو في أيام قليلة خطوات التكامل الاقتصادي التي يبنيانها في سنوات الانسجام. أما اليوم فباتت المصالح الاقتصادية المتشابكة التي ترسخت في العقد الماضي تشكل أساساً موضوعياً للتقارب السياسي. فالعقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن في ليبيا منذ 1992، جعلت مطار جربة التونسي الرئة الرئيسية لطرابلس، مما أدى الى تكثيف الرحلات بينه وبين مطار تونس وفتح خطوط جديدة عدة ربطت جربة بأهم المدن الأوروبية. في المقابل ساهم تبسيط اجراءات التنقل بين البلدين في تنشيط حركة التبادل التجاري، عبر القنوات الرسمية أو غير الرسمية، مما رفع عدد المستفيدين من العلاقات الاقتصادية مع ليبيا الى نحو مليون تونسي طبقاً لتقديرات خبراء اقتصاديين. لقاء جربة ويمكن اعتبار زيارة العقيد معمر القذافي في 1988 لجربة حيث التقى بن علي منطلق الصفحة الجديدة في العلاقات الثنائية. اذ وضعا الأسس لانهاء الخلاف السابق على ترسيم الحدود البحرية في منطقة الجرف القاري الغنية بالنفط واتفقا على انشاء مؤسسة مشتركة لاستثمار حقل البوري المتنازع عليه. وكان هذا النزاع سمم العلاقات الثنائية، وأدى الى القطيعة بين الحكومتين في آخر فترة من حكم بورقيبة، مما حملهما على الاحتكام الى محكمة العدل الدولية في لاهاي. ودشن البلدان الشهر الأول من الثمانينات بأعنف أزمة شهدتها علاقاتهما، اذ هاجم كومندوس جاء من ليبيا مدينة قفصةجنوب غربي تونس واستولى عليها بفضل الأسلحة والتدريبات التي تلقاها في ليبيا. لكن وساطات عربية استطاعت التغلب على الأزمة وتكريس مصالحة توجت بزيارة قام بها القذافي لتونس في العام التالي، وتصالح خلالها مع بورقيبة الذي لم يكن اجتمع معه منذ الغاء مشروع الوحدة. وبدا أن العلاقات الثنائية سائرة في طريق التطبيع وتكثيف التعاون في كل القطاعات خلال النصف الأول من الثمانينات، الى أن اندلعت أزمة جديدة في 1985 كان منطلقها الخلاف على تقاسم ثروات الجرف، إلا أنها ارتدت أبعاداً واسعة بترحيل آلاف العمال التونسيين من ليبيا وقطع العلاقات الديبلوماسية والتي لم تستأنف الا بعد وصول بن علي الى الرئاسة في 1987. عناوين الاستقرار وشكلت محافظة اللجنة المشتركة العليا، التي عاودت الاجتماع بعد المصالحة، على مواقيت اجتماعاتها أحد عناوين استقرار العلاقات الثنائية في العقد الماضي. بل ان الحكومتين اتفقتا على عقد اجتماع دوري لتقويم التقدم في تنفيذ الاتفاقات والمشاريع المشتركة بين دورتي اجتماعات اللجنة العليا. ويندرج اجتماع القروي والمنقوش في طرابلس الاسبوع الماضي في اطار لقاءات لجنة المتابعة العليا. ومن عناوين الانعطاف الذي شهدته العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة مضاعفة عدد المشاريع المشتركة، اذ ارتفع عددها من عشرة فقط في النصف الأول من التسعينات الى 26 مشروعاً في العام الماضي. ويقدر حجم استثماراتها ب 24 مليون دولار، وهي تؤمن 1350 فرصة عمل. وتقدمت ليبيا سريعاً الى الرتبة الأولى بين الشركاء العرب لتونس، اذ تستورد منها ما قيمته 268 مليون دينار نحو 240 مليون دولار وتصدر اليها ما قيمته 284 مليون دينار نحو 260 مليون دولار. ويتوقع أن تتعزز هذه العلاقات بعد مد أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من ليبيا الى الجنوبالتونسي كان القذافي وعد باقامته في ختام زيارته الأخيرة لتونس. دور "لوكربي" ويعتقد مراقبون أن الموقف التونسي المساند لليبيا منذ فرض الحظر الجوي عليها والجهود الديبلوماسية التي يبذلها التونسيون لدى العواصم الغربية المعنية لتشجيعها على البحث عن تسوية سلمية لأزمة لوكربي لعبت دوراً مهماً في تعزيز جسور الثقة بين الليبيين والتونسيين. واللافت ان الرئيس التونسي لم يترك مناسبة إلا وشدد فيها على ضرورة انهاء العقوبات الدولية على ليبيا، فيما لوحظ أن القروي أكد في كلمة ألقاها في طرابلس الثلثاء الماضي أن "ما عبرت عنه ليبيا من استعداد للتعاون في الوصول الى حل لأزمة لوكربي لم يعد يترك مبرراً لاستمرار هذه الاجراءات الظالمة". ويتوقع ان يستمر استقرار العلاقات الثنائية في ظل سعي الليبيين الى بناء تعاون واسع مع كل من تونس والمغرب.