يواصل المغرب مسيرته الاقتصادية بخطى ثابتة منتهجاً سياسات الاصلاح الاقتصادي وتطبيق برامج التخصيص التي مكنته من تحقيق توازن على المستوى الكلي للاقتصاد "ماكرو"، انعكس في استقطاب تدفقات استثمارية تجاوزت الأجنبية منها في 1997 نحو 2،1 بليون دولار. وعلى رغم أن المغرب يعاني من ارتفاع العجز في الموازنة الحكومية منذ بداية التسعينات عندما واجه المغرب أربع سنوات جفاف صعبة، فإن الاقتصاد المغربي سجل في 1996 معدلاً مرتفعاً للنمو بلغ 12 في المئة مقابل معدل سالب بلغ سبعة في المئة عام 1995. وكان مرد الزيادة في النمو الاقتصادي ارتفاع الأداء للقطاع الزراعي في صورة ملحوظة، إذ نما بمعدل 79 في المئة مقابل انكماش نسبته 44 في المئة عام 1995 بسبب الجفاف الذي تعرضت له البلاد في ذلك العام. ونما قطاع التشييد بنسبة 4،4 في المئة، أما القطاع الصناعي فتراجع نموه إلى 6،2 في المئة عام 1996 مقابل 7،2 في المئة في 1997. وفي عام 1997 أعلنت وزارة المالية المغربية أن الاقتصاد المغربي سجل انكماشاً في معدل النمو الاقتصادي بلغ 2،2 في المئة بسبب انخفاض القيمة المضافة للقطاع الزراعي بنسبة 7،25 في المئة، إذ تدهور محصول الحبوب لموسم 96/1997 نتيجة الجفاف إلى 4،2 مليون طن من 10 ملايين طن في موسم عام 95/1996، أي بنقص نسبته 66 في المئة. أما مساهمة القطاعات الأخرى في اجمالي الناتج المحلي فلم تتجاوز 1،3 في المئة. وفي ما يتعلق بالسنة الجارية، من المتوقع، في ضوء تحسن مساهمة القطاع الزراعي، أن يزيد النمو الاقتصادي المغربي بنسبة 5،6 في المئة. السياسة المالية تهدف السياسة الانكماشية التي اتبعها المغرب في السنوات الماضية إلى تخفيض النفقات وزيادة الايرادات بهدف التحكم في عجز الموازنة. ففي النصف الأول من العام المالي 1996/1997 وفي ضوء الازدهار الاقتصادي المغربي، زادت موارد الموازنة في صورة ملحوظة نتيجة زيادة الضرائب المباشرة بنسبة 6،12 في المئة نتيجة ارتفاع الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل اللتين تشكلان 30 في المئة و43 في المئة على التوالي من اجمالي الضرائب المباشرة، وكذلك بسبب زيادة الضريبة غير المباشرة بنسبة 9،12 في المئة نتيجة رفع الضريبة على القيمة المضافة. ولكن بحدوث التدهور في محصول موسم 1996 - 1997 تبنت الحكومة المغربية موازنة معتدلة للسنة المالية 1997/1998 ترفع مستوى الانفاق بنسبة 1،8 في المئة، بينما تتزايد الايرادات بنسبة 1،6 في المئة، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة في الموازنة بنسبة 5،30 في المئة لتصل إلى 3،1 بليون دولار. ومن المتوقع تضييق هذه الفجوة قليلاً في موازنة 98/1999 إلى 2،1 بليون دولار في ظل إستعادة النمو الاقتصادي. وعلى رغم ذلك، فإن نسبة العجز في الموازنة لاجمالي الناتج المحلي لن تقل عن 3 في المئة قبل حلول سنة 2002 في ضوء استمرار التزام الدولة استحداث وظائف جديدة وتقديم الدعم للمستهلكين. وبهدف تحسين موارد البلد، يخطط المغرب للتخلص من جزء كبير من الشركات المملوكة للدولة المتكبدة خسائر أو المعروف عنها ضعف الأداء، بهدف توفير 9،3 مليون دولار سنوياً. التخصيص شهد برنامج التخصيص الذي تتبناه الحكومة المغربية دفعة قوية في تشرين الأول اكتوبر 1997 عندما قامت الأخيرة بعرض حصتها في "شركة الصلب الوطنية" البالغة 62 في المئة على مجموعة من الشركات الاسبانية والمؤسسات المالية المحلية على أن يتعهد المستثمرون الجدد بتحديث وتوسيع الشركة المشتراة. وحصلت الشركة الاسبانية "مارسيالي يوسين" على حصة قدرها 5،8 في المئة مقابل قيامها توفير إدارة جديدة للشركة والخبراء اللازمين للتشغيل، فيما حصلت "الشركة الوطنية للاستثمار" على الحصة الأكبر من "الصلب الوطنية" والتي بلغت 20 في المئة. وأشارت الحكومة المغربية إلى أن الخطوة الكبيرة المقبلة ستكون تخصيص قطاع الاتصالات، إذ أعربت الشركة الاسبانية "تيليفونيا" في كانون الأول ديسمبر الماضي عن عزمها الحصول على حصة في "شركة الاتصالات الوطنية" في المغرب، كما أعربت شركات فرنسية وهولندية عدة عن رغبتها أيضاً الدخول في هذا المجال. وفي مجال صناعة السكر، أعلنت وزارة التخصيص المغربية في تشرين أول اكتوبر الماضي عزمها تخصيص القطاع. وكانت شركات السكر المحلية الثلاث تم دمجها في شركة واحدة كخطوة لجعل الشركة الجديدة أكثر جاذبية للمستثمرين عند طرحها للبيع. ويذكر ان حصيلة التخصيص في المغرب، كما أعلنها وزير الاقتصاد والمالية المغربي، بلغت 3.6 مليون دولار فيما الحصيلة المتوقعة كانت 412 مليون دولار. السياسة النقدية تستهدف السياسة النقدية مواكبة الانتعاش الاقتصادي من خلال ضبط معدل توسع الكتلة النقدية في حدود المستوى الذي يحقق التوازنات الأساسية وخاصة التحكم في التضخم والحفاظ على سعر صرف العملة المحلية. وتذبذب معدل التضخم في المغرب صعوداً وهبوطاً في السنوات الأربع الماضية، فبعد أن سجل 5.3 في المئة عام 1993 انخفض الى 5.1 في المئة في 1994 ثم ارتفع الى 6.3 في المئة في عام 1995 ليعاود انخفاضه في 1996 الى 3 في المئة. وقدر لمعدل التضخم أن يواصل انخفاضه في 1997 ليسجل 1 في المئة فقط يعكس الركود الذي حدث في المغرب العام الماضي عقب تدهور القطاع الزراعي. ومن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الى 3.1 في المئة السنة الجارية في ضوء انتعاش الاستهلاك وزيادة الأجور وإعادة هيكلة وكالة الائتمان الزراعي. أما بالنسبة لسنة 1999 فإن السياسة النقدية المقيدة حالياً ستدفع بمعدل النمو الاقتصادي نحو الهبوط ليسجل 2.8 في المئة أو أقل وبالتالي يتوقع أن يسجل معدل التضخم 2.5 في المئة. وأدى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي خلال 1997 الى خفض سعر صرف الدرهم المغربي من 8.8 درهم لكل دولار في بداية 1997 إلى 9.7 درهم للدولار في كانون أول ديسمبر الماضي. ومن المتوقع أن يستمر هذا المعدل خلال السنة الجارية. أما في السنة المقبلة فيتوقع ان يسجل متوسط سعر صرف الدرهم المغربي 9.45 للدولار الأميركي. وسيسهل تداول العملة الأوروبية الموحدة "يورو"، في ضوء التجارة المغربية المميزة مع دول المجموعة الأوروبية من سياسة سعر الصرف المغربية إذ سينخفض عدد العملات الداخلة في السلة التي تقابل الدرهم المغربي. سوق الأوراق المالية تجنبت السوق المالية في المغرب العواصف التي أطاحت بعدد كبير من بورصات العالم بسبب التحكم الكبير لصناديق الاستثمار المحلية في السوق، فلم ينخفض مؤشر The Upline Securities Index الا بنسبة 0.9 في المئة خلال شهري أيلول سبتمبر وتشرين ثاني نوفمبر 1997، وصاحب ذلك ادراج مؤشر سوق المال في المغرب ضمن المؤشر الذي تصدره مؤسسة التمويل الدولية اي اف سي. وسجل مؤشر السوق خلال 1997 زيادة ملحوظة تجاوزت نسبتها 53 في المئة بالعملة المحلية ونسبة 37 في المئة بالدولار الأميركي. ومن المتوقع ان يسجل المؤشر ارتفاعاً في 1998 بنسبة 16.3 في المئة بالعملة المحلية في ضوء توقع اكتساب السوق المغربية للعمق في اطار الاصدارات الجديدة والتوسع في برنامج التخصيص. التجارة الخارجية شهد العام الماضي استمرار العجز في الميزان التجاري المغربي، ففي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام ارتفعت الصادرات بنسبة 9 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 1996 لتبلغ 47 بليون درهم فيما زادت الواردات بنسبة 6.6 في المئة لتسجل 25 بليون درهم. إلا أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي خلال 1997 أدى الى ضيق الفجوة في الميزان التجاري عند تقويمه بالدولار بنسبة 7.7 في المئة. كما أظهرت البيانات أيضاً تدهور ميزان العمليات غير المنظورة خلال التسعة أشهر الأولى من 1997 نتيجة انخفاض كل من حصيلة السياحة بنسبة 2.7 في المئة، لتسجل 900 مليون دولار، وتحويلات العاملين بالخارج بنسبة 4.9 في المئة والتي سجلت 1.4 بليون دولار. أما تدفقات الاستثمار الأجنبي فسجلت رقما قياسيا خلال الفترة نفسها اذ سجلت 1.4 بليون دولار أميركي بسبب سياسة التخصيص التي شملت 49 وحدة انتاجية تدخل فيها الفنادق. ومن المتوقع ان يكون مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب خلال الفترة 1998 - 1999 نحو 500 إلى 600 مليون دولار. وكانت شركة "دايو" الكورية أكدت ان استثماراتها المخططة للسنوات الخمس المقبلة والتي حددتها بنحو 500 مليون دولار لن تتأثر بسبب الأزمة الآسيوية. وفي ما يتعلق بالميزان التجاري عن عام 1997 بأكمله فيقدر ان يبلغ العجز نحو 2.3 بليون دولار وان يرتفع الى 5.4 بليون دولار في عام 1998. وقدرت وزارة المالية المغربية ان يستقر العجز في ميزان المدفوعات كنسبة من اجمالي الناتج المحلي عند 2 في المئة خلال 1997، وكانت هذه النسبة بلغت 1.8 في المئة عام 1996 نحو 4.6 في المئة في 1995 عام الجفاف. كما تشير التوقعات الى أن نسبة العجز في ميزان المدفوعات كنسبة من الناتج المحلي ستبلغ 2.9 في المئة السنة الجارية ونحو 2.3 في المئة سنة 1999. أما بالنسبة للسنة الجارية والمقبلة، تشير التوقعات الى نمو الصادرات المغربية بنسبة تراوح بين 6 و7 في المئة سنوياً فيما تتزايد الواردات بنسبة 4 إلى 5 في المئة ما سيترتب عليه تضييق الفجوة في العجز التجاري ليبلغ 1.7 بليون دولار بحلول سنة 1999. وبالاضافة الى ذلك سينتعش ميزان الخدمات نتيجة لتصاعد الدخل السياحي الى 1.3 بليون دولار في 1998 والى 1.4 بليون دولار في 1999. ويشار الى أن دول الاتحاد الأوروبي تعتبر من أهم الشركاء التجاريين للمغرب إذ تبلغ نسبة المعاملات التجارية مع المجموعة 45 في المئة من اجمالي التجارة المغربية ويتوقع زيادتها خلال السنة الجارية. الديون الخارجية يعكس هيكل الديون الخارجية للمغرب نظرة تفاؤلية، فالديون قصيرة الأجل لا تشكل الا نسبة ضئيلة، اما معظم الديون فهي مستحقة لمؤسسات حكومية. وعلى رغم ذلك ما زال معدل خدمة الدين مرتفعاً وان كانت الحكومة المغربية تسعى نحو اعادة جدولة الديون. وتشير الاحصاءات الى انه من المتوقع انخفاض الديون الخارجية للمغرب من 21.8 بليون دولار في 1997 إلى 21.4 بليون في 1999 بسبب الاتفاقات التي عقدها المغرب مع الدول الدائنة خاصة فرنسا واسبانيا وايطاليا والتي بموجبها سيتم مقايضة بعض الديون باستثمارات في مشاريع محلية. أما في ما يتعلق بنسبة الديون الخارجية للناتج المحلي الاجمالي فيتوقع ان تنخفض من 66 في المئة في 1997 الى 54 في المئة في 1999. وكان النسبة بلغت 60 في المئة عام 1996. وتخطط الحكومة المغربية لخفض النسبة الى 40 في المئة من الناتج بحلول سنة 2001، اما معدل خدمة الديون فمن المتوقع انخفاضه الى 27.6 في المئة سنة 1998 مقابل 30.8 في المئة عام 1997. ويذكر ان المغرب لجأ الى سوق الاقراض الدولي في كانون الاول ديسمبر الماضي بعد غياب استمر 16 عاماً، اذ قام "كومرتس بنك" بالنمسا، و"سوموتومو بنك" في اليابان بترتيب قرض له مدته خمس سنوات بقيمة اجمالية قدرها 200 مليون دولار. صندوق النقد الدولي يعتبر المغرب من رواد الدول التي تنتهج برامج الاصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وكان الصندوق اصدر في ايار مايو 1998 تقريراً شرح الخطوات التي انجزها المغرب ضمن برامج الاصلاح. واقترح الصندوق في اطار معالجة العجز في الموازنة العامة للدولة تجميد الاجور التي تستنزف نحو 7 في المئة من الناتج الاجمالي المحلي ورفع كاهل الدولة عن الالتزام بتعيين الخريجين وكذلك تقليص الدعم الموجه للسلع الاساسية والذي تبلغ نسبته 1.6 في المئة من الناتج المحلي وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 7 في المئة الى 10.8 في المئة وتخصيص بعض القطاعات الخدمية مثل قطاع التعليم العالي. كما بلغت مطالب الصندوق تحرير الدرهم المغربي، وهي في مجملها مقترحات تشكّل تحدياً حقيقياً امام الحكومة المغربية. * اقتصادي سعودي.