عندما انفجرت فضيحة ووترغيت في واشنطن خلال انتخابات الرئاسة سنة 1972 انتشرت في العاصمة الاميركية ملصقة على السيارات تقول: لا تلوموني، أنا انتخبت ماكغفرن. اليوم، والرئيس بيل كلينتون يواجه فضيحة علاقته بمونيكا لوينسكي هناك ملصقة على السيارات في واشنطن تقول: لا تلوموني، انا نمت مع دول. الواقع ان الكلمة ليست "نمت" وانما كلمة أخرى لها مدلول جنسي لا يمكن التصريح به في جريدة عربية. ويبدو ان الاميركيين انفسهم بدأوا يتضايقون من التفاصيل، فالكاتبة روكسان روبرتس شكت في "واشنطن بوست" من ان "الفضيحة الجنسية المثيرة" عادة ما تكون رومانسية، إلا ان فضيحة كلينتون "اخرجت الرومانسية من الجنس" فالناس لا يحبون التحدث عن تفاصيل العمل الجنسي، والكاتبة لاحظت ان الرجال الاميركيين يفضلون استعمال كلمات مخففة، كما فعلت أنا في البداية، لأنهم يحرجون من استعمال الكلمات الفعلية عن العمل الجنسي المزعوم بين بيل ومونيكا. وعلى سبيل التركيز، فقد كان الرئيس كلينتون انكر اقامة علاقة جنسية مع لوينسكي في شهادة رسمية سجلها في كانون الثاني يناير الماضي. ويبدو الآن انه سيعترف غداً الاثنين بنوع من الجنس مع لوينسكي، إلا أنه سيقول انه لم يكن علاقة جنسية تقليدية ومرة أخرى استعمل كلمات مخففة من النوع الذي يحدث بين زوجين ويؤدي الى الحمل. وسيستند كلينتون في تفسيره هذا لإنكاره السابق الى تعريف للعمل الجنسي أصدره القاضي خلال قضيته مع بولا جونز. وكل ما استطيع قوله هنا هو ان هذا القاضي الاميركي طلع بتعريف وجدته أقرب الى تعريف المحاكم الشرعية عندنا للعمل الجنسي، ورمز المِروَد والمكحلة. واكتفي من حديث الجنس بما سبق لصعوبة التصريح، أو حتى التلميح، وأكمل بأبسط الامور، فالرئيس كلينتون يخوض حرباً لإنقاذ حياته السياسية، لأنه أنكر علاقة جنسية مع بنت في نصف عمره أو أقل. ماذا كانت الصحافة الاميركية تنتظر منه؟ ان يعترف وكل رجل في وضعه سينكر علاقة خارج نطاق الزوجية، غير ان الانكار في موضوع الرئيس الاميركي يقدم كأنه جريمة من الدرجة الأولى. الجنس بين شخصين بالغين برضاهما ليس جريمة، ولكن قد يصبح جريمة بالنسبة الى كلينتون إذا ثبت انه طلب من لوينسكي ان تنكر أمام المحققين، بعد أداء اليمين، وجود علاقة جنسية بينهما لأن هذا يعني الإدلاء، بيمين كاذبة، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون. غير ان لوينسكي نفسها، التي تقول انها مارست نوعاً من الجنس مع كلينتون 12 مرة، تقول ايضاً انه لم يطلب منها الكذب على المحققين فما هي الجريمة؟ ونظرة الى لوينسكي نفسها، فهذه البنت تقول انها مارست جنساً شاذاً مع الرئيس لأنها معجبة به، ثم نجد انها احتفظت بفستان عليه "آثار العدوان" عند أمها، وتقول لهذه الأم انها مارست الجنس مع رجل متزوج، وتقرران ان تحتفظا بالفستان "تذكاراً" لما حدث. هناك أيضاً صوت الرئيس على آلة تسجيل الرسائل الهاتفية. طبعاً الرئيس كلينتون اخطأ بإقامة أي علاقة جنسية مع متدربة شابة في البيت الأبيض، إلا ان هذا الخطأ ليس جريمة يحاسب عليها القانون، وانما تحاسبه عليه زوجته، وهو انكر خوفاً من هذه الزوجة، وابنتهما، أو حرجا. كم الفرق شاسع بين وضع كلينتون اليوم ودخوله منتصراً البيت الابيض سنة 1993 عندما حضر 18 ألف مدعو حفلة تنصيبه التي اطلق عليها اسم "اجتماع اميركي". في تلك الحفلة غنت برباره سترايسند بعض اشهر أغانيها، ولا يعرف أحد اليوم لماذا اختارت الاغنية الثالثة، غير المشهورة، في تلك الحفلة، إلا انه يبدو انها أصابت الهدف تماماً عن دون قصد. قالت سترايسند: كن حذراً في ما تقول لأن الأولاد سيصغون اليك. كن حذراً في ما تفعل، لأن الأولاد سيرون ويتعلمون... الأولاد سينظرون اليك ليعرفوا أين يتجهون. وماذا سيفعلون. كن حذراً في إلقاء سحرك، فقد لا تلقيه على الاطفال فقط، والسحر قد يرتد عليك. إحذر قبل ان تقول "اصغوا إليّ"، لأن الأولاد سيصغون، الأولاد سيصغون، الأولاد سيصغون. كان هذا سنة 1993، ويبقى ان نرى ان كانت الاغنية - النبوءة ستتحقق وينقلب السحر على الساحر. نيكسون استقال لا لأن رجاله سرقوا مكتباً للحزب الديموقراطي في بناية ووترغيت، بل لأنه انكر ذلك، وثبت كذبه. وربما لقي كلينتون مصيره غداً "فالجنس نفسه ليس جريمة، وانما الكذب حوله، فهذا قد يفقد الرئيس ثقة الناس به. غير ان هذا لم يحدث بعد، ولم نر في واشنطن حتى الآن ملصقة على السيارات تقول: هل تشتري سيارة مستعملة من هذا الرجل؟ وهي ملصقة اشتهرت أيام فضيحة ووترغيت، وكانت ترفق بصورة للرئيس نيكسون، أو "ديكي المحتال"، كما عرف في حينه. والبقية غداً.