أراقب منذ زمن، وبعدم ارتياح متزايد بلغ الآن درجة القلق الحقيقي، المدعي المستقل كينيث ستار وهو يركز نشاطه على حياة الرئيس بيل كلينتون الجنسية وممانعته في اعطاء المعلومات عنها. ذلك ان الخاسر الوحيد، مع مرور الشهور والسنوات واستمرار الثمن السياسي والاخلاقي الفادح لهذه النشاطات، لن يكون سوى الشعب الأميركي. ما تبينه المؤشرات، خصوصاً استطلاعات الرأي المتتابعة، هو قرف الرأي العام من كل هذه المحاولات، التي تصرف اهتمام الحكومة ومواردها الى التطفل على السلوك الشخصي والمماحكات القانونية. وابدى كل من التقيت في السنوات الأخيرة الضجر من الضجيج الذي لا نهاية له من وسائل الاعلام التي تبدو مهووسة بهذه القضايا التافهة. رغم ذلك فإن "محكمة التفتيش" التي يقودها ستار تواصل طريقها بعناد لا يلين. وتحمل دافع الضرائب كلفة هذه التحقيقات التي وصلت الآن الى نحو 50 مليون دولار، لكن الكلفة الأفدح هي المهانة التي تلحقها بنظامنا الديموقراطي. في 1972 جاء بيل كلينتون، الذي أكمل لتوه زمالة فولبرايت للدراسة في الخارج، بعدما تخرج بدرجة الشرف من كلية الحقوق في جامعة ييل، للعمل في حملتي الرئاسية، وتسلم مع تايلور برانتش مهمة تنسيق الحملة في ولاية تكساس. ونشطت معه في تلك الحملة الشجاعة لكن المحكومة بالفشل صديقته وزوجته لاحقاً هيلاري رودام، وهي ايضاً محامية تخرجت من ييل. واعتبرتهما وقتها، كما اعتبرهما الآن، أميركيين وطنيين غزيري المواهب وقفا حياتهما على خدمة البلاد. يعرف الرئيس كلينتون عني انني ديموقراطي ليبرالي من الطراز القديم الذي يعترض على العديد من أفكار "الديموقراطيين الجدد". لكننا نشترك في اخلاصنا للعمل في خدمة الأمة. واعرف في قرارة نفسي ان الرئيس والسيدة الأولى كانا سيقومان بانجازات على الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية أرفع حتى مما انجزاه بالفعل لو لم تستمر مطاردتهما ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم من جانب "محكمة تفتيش" ستار. ماذا لنا ان نقول عن ستار، المدعي المستقل الذي نموله نحن دافعي الضرائب وحصل على صلاحياته من الحكومة التي تواجه احتياجات شعبية ملحة؟ وماذا يمكن ان نقول عن صحافيينا، وهم الأفضل في العالم، الذين غرقوا في مستنقع الفضول الجنسي والتحذلق القانوني وأهملوا القضايا العامة المهمة؟ لا شك ان ستار يأخذ موقعه في تقاليد حملات الاضطهاد ومحاكم التفتيش واعمال التطهير العرقي وغيرها من الممارسات المتطرفة. ويبدو أنه من النوع الذي يلتذّ بملاحقة الآخرين ومعاقبتهم على خطاياهم متمسكاً بمفاهيم حرفية للقانون. ويعني هذا ان كل المواطنين عرضة للاتهام، ان لم يكن أيضاً للتجريم، أمام هذه العين الاتهامية الفاحصة. ويتصرف ستار كأنه متطرف مثالي مصمم على معاقبة الخطاة اينما وجدهم ومستعد للقيام بذلك عن طريق التسلل من خلال أي ثغرة قانونية مهما كانت ضيقة. الظاهر أيضاً ان ستار ينتمي الى الجناح اليميني في السياسة الأميركية، وهو ما يتناسب تماماً مع جهوده المنصبة، كما يبدو، على تدمير ادارة كلينتون. وليس هناك من شك في ان الجهات اليمينية الأكثر تطرفاً موّلت القضية التي رفعتها بولا جونز ضد الرئيس. واذ سقطت تلك القضية بعدما رفضتها قاضية فيديرالية، فإن ستار اخذ في سياقها افادة من كلينتون - الذي كان في امكانه ان يرفض تقديمها - وها هو يستخدم حرفية القانون لكي ينال من الرئيس عن طريق اتهامه بالكذب في الافادة. قال لي السناتور الجمهوري المخضرم جورج ايكن، وهو شخص أكن له اكبر الاحترام: "بلادنا عظيمة لكننا نصرف الكثير من الجهد في محاولة تدميرها". واعتقد ان تحقيقات ستار تشكل محاولة منظمة تستعمل المال العام لتدمير رئاسة بيل كلينتون. ولا شك ان ستار يرى ان هذه الجائزة تستحق الثمن المترتب، وهو تحويل نظامنا القانوني الى مهزلة، والاستهانة بالرأي العام المطالب بالانصاف والعودة الى الأولويات الحقيقية في السياسة الأميركية، والنيل من مكانة أميركا العالمية. ان سلوكاً كهذا من جانب مدعٍ حكومي يكاد يبلغ مصاف الخيانة. لقد ألحق ستار بأمته اساءة بشعة. انه محام رديء ومواطن رديء. بعد ان ينهي ستار عمله القذر علينا ان نلقي نظرة متفحصة على مفهوم "المدعي المستقل" برمته. ذلك ان ستار برهن بوضوح على ما يحمله هذا المنصب من المخاطر والأكلاف، المادي منها والسياسي، عندما ينطلق مبتعداً عن حدود الأخلاق والعدالة. * سناتور سابق. المرشح الديموقراطي للرئاسة في انتخابات 1972. حالياً سفير الولاياتالمتحدة الى وكالة الغذاء والزراعة الدولية في روما.