مركز الملك سلمان للإغاثة ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير المقبل    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    أوروبا تُلدغ من جحر أفاعيها !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفلام محورها المرأة . كسوة كلثوم بُرناز تحتاج الى ترقيع والأم في الفيلم الروسي "شهيدة الحب"
نشر في الحياة يوم 15 - 08 - 1998

يغري وجود امرأة على كرسي الاخراج للمرة الاولى بالتطرق الى ما يسمى بقضية المرأة. والواقع ان هذه "القضية" ليست قضية الا بقدر ما نصنع نحن منها ذلك. ففي الاساس هناك قضية واحدة هي قضية الانسان العربي امرأة كان ام رجلاً ام طفلاً. انها قضية اجتماعية واحدة من افرازاتها ان هناك مسائل تود المرأة التعبير عنها، وأحياناً تكون هي نفس المسائل التي يريد الرجل ان يعبر عنها. وسبق للرجال ان عبروا عن قضايا نسوية افضل تعبير مثلما فعل جيلالي فرحاتي في "اطفال الشاطئ الضائعين" وسعيد مرزوق في "أريد حلا" وهنري بركات في "الحرام" وغيرهم الكثير.
ما يبقى من سينما امرأة لامرأة هو النتاج ذاته، قيمته ومعناه. والمخرجة فريدة التلاتلي نجحت في تقديم عمل رائع بعنوان "قصور الصمت" قبل اربع سنوات يدور حول انعتاق الفتاة من تقاليد متوارثة ومن وضع استعماري مزدوج: استعمار فرنسي لتونس قبل الاستقلال، واستعمار السيد للخدم. بطلتها، التي تسترجع ماضيها في سلسلة من الصور الخلابة، ابنة خادمة ومصيرها كان يمكن ان يكون كمصير امها لولا انتفاضتها وخروجها عن الطاعة.
"كسوة، الخيط المفقود" هو ايضاً الفيلم الروائي الاول لمخرجة تونسية جديدة هي كلثوم بُرناز لكنه لا يحمل الا بعض ما حمله الينا "صمت القصور" من حسنات وفوائد. سيصفق له الكثيرون حين مشاهدته كتعبير عن حسن استقبالهم لمشاهد منه ورسالات، لكنه يشكو ككلّ من تشتت بؤرته. انه مثل كشاف ضوئي يحاول ان يسلط النور على اكثر من ناحية في وقت واحد فيخفق في تحديد اولوياته.
نتعرف على الفتاة نزهة ريم تركي وهي غير قادرة على الحراك. الليلة هو ليلة زفاف اخيها وهي، حسب تقاليد ومراسيم، عليها ان ترتدي قفازات وتمسح يديها وقدميها بالدهون الخاصة وترتدي فستاناً للمناسبة من الفضة. فستان لماع معقد الخيوط والطراز. نصف ساعة نمضيها متابعين سلسلة من المشاهد التي تمهّد لما يلي. حالما يتم التأسيس تصرف المخرجة، تبعاً لسيناريو هو سبب مشاكل الفيلم الاساسية، النظر عن متابعة ما وضعته. ويبدأ ذلك عندما يحين وقت ركوب السيارات الكثيرة التي ستنطلق الى مكان الزفاف. لقد نسى الجميع، على لهفتهم وكثرتهم، نزهة وتركوها وراءهم. موقف مقبول على اساس ان ركاب كل سيارة قد يعتقد ان نزهة في السيارة الاخرى بينما هي في الواقع لا تزال على الارض.
هنا يدخل في الصورة سائق تاكسي في منتصف العمر يدرك ورطتها ويتبرع لمساعدتها البحث عن المكان الذي يتم العرس فيه. قبيل صعودها السيارة يعلق فستانها بشوك او ما شابه فتبدأ الكسوة التي ترتديها بالتحلل. خيط واحد ينسل بصورة متتابعة ويلقي برمزيته على وضع الفتاة التي مع نهاية الفيلم ستجد نفسها قد تخلصت من الاعباء الكبيرة التي تحيط بها كأنثى للوصول الى هذا الوضع يمر الفيلم بدائرة عريضة وغير ضرورية.
كلثوم بُرناز تضخ في شخصية سائق التاكسي اكثر من اللازم من اهتمامها وتصنع منه خطاً ثانياً قائماً بحد ذاته، علماً بأن شخصيته ليست اعمق من شخصية الرجل الذي يظهر في اعلانات حليب "نيدو". وتأثيره على الاحداث كبير الحجم وصغير الافادة. وهو ايضاً تأثير سلبي اذ يقسم الحكاية الذي بدأتها السيدة بُرناز الى اثنين من دون ان يكون موضع الاهتمم الحقيقي او المفترض. من هذه النقطة وصاعداً يفتقد الفيلم ما نسميه عامياً ب"التريز" وتمرر مخرجته حالة بطلته على العديد من المشاهد التي تتوالى من دون ان تضيف جديداً.
"يوم الآخرة": الكارثة في البطلة
هناك نساء مخرجات ينجحن بتوفير لمسة نسائية مختلفة من دون ان يكون الموضوع نسائياً على الاطلاق. وأعتقد ان ذلك هو ما يجب ان يكون المحك الفاصل بين مخرج وآخر، او بين مخرج رجل ومخرج امرأة.
على سبيل المثال فإن ميمي ليدر في ثاني افلامها وهو "صدمة عميقة" مباشرة من بعد فيلمها الاول "صانع السلام" تعالج الفيلم الكوارثي الذي كان امر اخراجه في السابق حكراً على الرجل لا بحنكة ميدانية / تنفيذية ناجحة فقط، بل بتسليط الضوء على مواضيع انسانية مختلفة قائمة على العاطفة. بطلتها الاساسية، كما ذكرنا حينما تعرضنا للفيلم قبل اسابيع.
صحافية تيا ليوني تكتشف ان هناك نيزكاً ضخماً يتجه صوب الارض فتحاول، الى جانب متابعتها لتطورات هذا الاكتشاف، اعادة لحمة العلاقة الاسرية بين والدها مكسميليان شل وبين والدتها فنيسا ردغراف. صحيح ان الفيلم كتبه رجلان مايكل تولكين وبروس جويل روبنز الا ان ليدر اهتمت بإبراز هذ الخط جيداً وجعلت منه ما يميز فيلمها الكوارثي حول نهاية الحياة على الارض عن اي فيلم كوارثي ذو موضوع مشابه مر سابقاً...
"يوم الآخرة"، الذي هو ثاني فيلم يتنبأ بنهاية الحياة على الارض في عام واحد، خال من هذا الاهتمام الانساني. عوضاً عنه هناك مجموعة من المضامين غير المقبولة نظرياً والاحداث غير القابلة للتصديق ليس اقلها صعود فريق من حفاري البترول الى ظهر الشهاب الجانح لحفر حفرة عميقة من اجل زرع قنبلة نووية تؤدي حين انفجارها الى انشطار هذا الشهاب الى جزئين. واحد - ولك ان تضحك هزءا كما فعلت - يمر عن يمين كوكب الارض وآخر عن شماله... يا للحسابات الدقيقة.
بروس ويليس هو الذي سيجعل كل شيء قابل للوقوع وسينقذ الارض من الدمار الكاسح الذي تتعرض اليه فيما لو اصيبت بذلك الشهاب. لكن الى ان يقع ذلك، لم لا يقوم المخرج، ونصف دزينة من الذين شاركوا في كتابة السيناريو، بإحداث تدميرات موزعة بهدف رفع حرارة العرض وإثارة المشاهدين في حال لم يكن اسم بروس ويليس وتمثيله كافياً لهذا الغرض؟
بروس ويليس افضل حفار بترول، كما يقول لنا الفيلم، ووكالة ناسا تتجه اليه لكي ينفذ لها تلك الخطة الصبيانية. لكنه في مطلع الفيلم مشغول بحل قضية اخلاقية تخص ابنته. فهو يلاحق بن أفلك تقاسم ومات دامون اوسكار افضل سيناريو غير مقتبس هذا العام عن فيلم "غود ويل هانتينغ" بعدما اكتشف انه على علاقة بابنته ليف تايلر التي هي وجه جميل جداً وموهبة ضحلة للغاية لا تعكس اي ثراء في الاداء ولا تقنع لا اذا مثلت حالة ترقب ولا اذا مثلت حالة حب ولا حتى اذا كان كل المطلوب منها هو الوقوف في مكان واحد والنظر الى الافق. انها مسطحة تماماً وبلا مزايا تساعدها الوصول الى عقل المشاهد او الى قلبه. وكل المشاهد العاطفية بينها وبين بن أفلك اشبه بحالة شخص يرفع يده فينتظر منه الجميع موقفاً في قضية حرجة، لكنه في الحقيقة يطلب اذناً للخروج لقضاء حاجة.
لكن يا صديقي هذا ليس فيلماً من اخراج انغمار برغمان، بل من تحقيق مايكل باي الذي بدأ حياته السينمائية بفيلمين تجاريين ناجحين "فتيان سيئون" و"الصخرة" وكل ما عليه هنا ان يتجاوز النجاحين السابقين بثالث.
ولا تبتعد القصة كثيراً عن تلك التي في "صدمة عميقة". وكالة ناسا في الفيلمين ترسل مركباً فضائياً، او اكثر، الى ذلك الشهاب لكي تعترض طريقه تاركة اهل الارض يخمنون امكانية نجاح مثل هذه المهمة. وفي الفيلمين فإن الحل اميركي / روسي نووي ولو ان الاشتراك الروسي محدود. لكن في "صدمة عميقة" يتم توجيه الضربة النووية الاولى وفي الثاني يتم الهبوط على سطح ذلك الشهاب وتحويله الى حقل عمليات عسكرية.
وفي الفيلمين يدفع بعض ابرز شخصيات الفيلم حياتهم ثمناً لإنقاذ الحياة على الارض. روبرت دوفول وفريقه يتوجهون، حينما تفشل الضربة الاولى، بمركبتهم الفضائية النووية الى الشهاب ذاته لتفجير حمولتهم النووية فيه، وبروس ويليس يقرر البقاء على الوكب الملتهب لأن جهاز التوقيت في القنبلة النووية معطل لا يمكن التحكم فيه عن بعد وبحاجة الى من يفجره على بعد 2 سم منه.
"يوم الآخرة" فيلم مضج. الاصوات عالية. المؤثرات مبهرة ومتوالية. وبداية الفيلم على سقوط نيازك صغيرة على نيويورك كالمطر. تتوقع لو ان الفيلم كله بحسن تنفيذ هذه المقدمة المفاجئة. لكنك بعد قليل تبدأ التفكير بأن من الافضل ان لا تتوقع اي شيء منه سوى زحف رداءة تنفيذه درامياً وتقنياً اليك.
في سعيه لنجاح تجاري عملاق يقرر المخرج مايكل باي ان افضل ايقاع هو الايقاع الاسرع من الصوت والصورة. كثيرة هي الحالات التي يتم قطع لقطة لم ينته مفعولها بعد. الكاميرا تحاول مسح مكان في لقطة مصممة جيداً، لكن قبل ان تفي بهذا الغرض يقطع المخرج الى لقطة اخرى. ممثل يتفوه بحوره وفي الثانية ذاتها التي ينتهي فيها هذا الحوار، او تلك التي قبلها، ينتقل الفيلم الى لقطة او مشهد آخر. ليس ان هناك درراً منطوقة على لسان شخصيات الفيلم، لكن اذا ما حدث وكان الفيلم ناطقاً لم لا نسمع الحوار كاملاً على الاقل؟
قضية صينية
"مولان" فيلم رسوم متحركة من انتاج وولت ديزني وهذ يعني، بالنسبة للمرأة، بطولة رئيسية.
في الواقع ان من بين ما ميز افلام ديزني طوال حياتها اسسها في العام 1923 كل من وولت وشقيقه روي حقيقة توجهها الى الصغار بكمية ملحوظة من الافلام ذات الشخصيات النسائية في البطولة. منذ انتاج الشركة الكرتوني الطويل الاول، "سنو وايت والاقزام السبعة" او "ملكة الثلج" - 1937 ومروراً ب"سندريللا" 1950 و"أليس في ارض العجائب" 1951 و"الجمال النائم" او "الاميرة النائمة" كما سمي عندنا - 1959 وصولاً الى افلامها في التسعينات مثل "الحورية الصغيرة" و"بوكاهانتاس". وحتى عندما يكون الفيلم بأسره مصنوعاً حول شخصيات حيوانية فإن الكثير من تلك الشخصيات نسائية كما في "بامبي" و"أريستوكاتس" و"كتاب الغابة". وهي صديقة البطل المشاركة في همومه ومغامراته كما في "علاء الدين" و"الملك الاسد" وسواهما.
لكن "مولان" يختلف من ناحية اخرى اساسية:
البطولة ليست فقط لأنثى بل لأنثى محاربة في مجتمع مقيد بتقاليد لا يسمح لها بالكثير من الفرص والحرية. فمولان هي فتاة شابة تعيش في الصين الغابرة ايام حكم اللوردات وتهديد قبائل الهون للحدود الشمالية / الغربية يحاول والدها تزويجها بلا فائدة. هذا قبل ان يصل اليه امر الانضمام الى الجيش الصيني الذي سيحاول صد هجوم قبائل الهون مجسدة هنا برجال طوال القامة يرتدون السواد وذوي قوة وبطش. لكن الاب كبير ويعرج وإن كان لا يستطيع الرفض ما يدفع بابنته الى التنكر بزي صبي والالتحاق بالجيش عوضاً عنه ومعها تنين صغير ارسلته الارواح لمصاحبتها وإعادة سالمة.
في الجندية تتعرض لما تعرض اليه اسماعيل يس في افلامه الحربية من تلك المفارقات الناتجة عن عدم اللياقة او التناسب. الفارق انها سريعاً ما تتعلم الرماية وفنون القتال ولاحقاً عندما تتجه الى المعركة تحت امرة قائد الجيش الشاب الذي يعرف لماذا هو معجب بذلك الفتى تنقذ حياة الجميع بشجاعته وحنكتها قبل ان يكتشف القائد حقيقتها ويدرك انه لا يتعامل مع محارب بل محارب مع تاء التأنيث في النهاية.
القصة لا تحتوي الكثير من الاحداث ومبسطة اقل من اللازم بقليل لكن للفيلم كل تلك العناصر التي تجعل من افلام ديزني المصنوعة من الحبر والورق - وحديثاً - الكومبيوتر غنية وممتعة. هناك الحكمة مساواة المرأة بالرجل في القتال والاغاني والحيوانات الصغيرة والمفارقات المضحكة سببها التنين الذي يقوم بأداء صوته الممثل إيدي مورفي من دون محاولة تنكر والخلفية العاطفية.
ما استوقفني هو استعارة الحكمة والموضوع هذه المرة من الصين. الاشرار هم الهون والاخير هم الصينيون من دون وجود شخصيات سلبية او شرير كما فعلت ديزني عندما استعارت من الثقافة العربية شخصية علاء الدين فإذا به الوحيد الصالح بين الجميع... وهو لص.
هذا جعلني اعتقد والاعتقاد جائز ان في الفيلم رسلة مفادها مصالحة الحكومة الصينية بعد ان ادت سوء العلاقة بين ديزني وبين الصين الى خسارة الاولى مشروعها فتح "ديزني لاند" هناك. وكان السبب ما اعتبرته الصين تدخلاً في شؤونها وتشويه سمعتها عندما قامت ديزني بإنتاج فيلم مارتن سكورسيزي "كوندون" معروض حالياً في بيروت الذي يتعاطف مع بوذيي التيبت ويقص كيف اضطر اللاهاي لاما لمغادرة مملكته هرباً اثر الاجتياح الصيني.
نتيجة ايقاف خطط ديزني الصينية، تم طرد رئيس الانتاج مايكل اوفيتز الذي خرج بنحو 90 مليون دولار نتيجة عقد محكم وتوظيف هنري كيسنجر لا مزاح ليكون فاعل خير بين مملكة الفأر والنظام الشيوعي.
المرأة - الأم - الحب
وأخيراً فيلم روسي فيه تمويل فرنسي مشارك بعنوان "اللص" ينطلق من ذكريات صبي صغير انما يصب في صلب علاقة امرأة احبت حتى الموت وخرجت خاسرة.
هذا الى جانب "أم وإبن" لألكسندر زوكوروف، افضل فيلم من بين احدى عشر فيلماً روسياً شاهدها هذا الناقد من العام الماضي الى اليوم. ومثل افضل الانتاجات الروسية يبدأ "اللص" الذي يتمحور اساساً حول أم وإبنها ايضاً بلقطات ساحرة الجمال على كآبتها: طريق ريفي موحل وطويل. أم تضع جنيناً. تمسك بأعشاب الارض المبتلة من الالم. شبح رجل يقف على غير بعيد ينظر اليها ثم يدير ظهره لها. رغم ان الرجل لا علاقة له بها ولن يمر لاحقاً بأحداث الفيلم الا ان وجوده ملموس لتلك اللحظة ذاتها ودرامياً هو من ينقلها بشاحنته الى اقرب مكان سكاني.
يقع ذلك المشهد في العام 1946 خلال الحرب. باقي احداث الفيلم تقع في الخمسينات ايام ستالين والحكم الحديدي للدولة الشيوعية. والتعليق الذي نسمعه من حين لآخر هو لذلك الطفل وهو يتذكر ما وقع له وهو في السادسة من العمر وصاعداً. هو وأمه في القطار الى لا مكان. ضابط طويل القامة جذاب الوجه يدخل القمرة ويحتل سريراً فوقياً. قبل وصول القطار الى اول محطة يكون الضابط قد كسب اعجاب الأم التي تقرر انها من الآن وصاعداً ستلتحق به وإبنها. تطلب من الابن ان يناديه ب"أبي". امر لا يستطيع الابن فعله لأنه صورة ابيه، الذي لم يتعرف اليه، تتراءى له رقيقة ورومانسية وعنيفة في مدلولاتها النفسية. الاحداث تتوالى لتكشف للام ان الرجل الذي تحب ليس سوى لص غير ظريف يستأجر الشقق في المجمعات السكنية وبعد ان يفوز بثقة الجميع يستغل اول فرصة متاحة لسرقة جيرانه والفرار الى مدينة اخرى.
في لفتة غير مبررة جيداً ناتجة عن ضعف محدود في كتابتها، تصفح له الام كل اخطائه وتحاول الحيلولة دون دخوله السجن رغم انها كانت اقتنعت بأن عليها ان تتركه. اذ ينفصلان تدخل المستشفى لتجرى لها عملية قيصرية تنتهي بموتها. ابنها سيبقى وحيداً في هذا العالم مع ذكرياته.
بعد سنين يلتقي، في مفارقة اخرى غير ممهدة جيداً، بالضابط / اللص الذي يشتم امه التي ربما يتذكرها. يسحب الفتى مسدساً كان اللص قد اعطاه اياه صغيراً. ويطلق منه رصاصة واحدة انتقاماً لأمه التي ضحت بحياتها في سبيل حبها لشخص لا يستحق ذرة منه.
المخرج هو بافل شخراي الذي قدم قبل عشر سنوات فيلماً مثيراً جديداً للاهتمم والتقدير بعنوان "تذكرني كما انا". انه من يجيد تقديم حكايته من ثلاثة زوايا متوازنة. صحيح ان الفيلم يتبع سرداً ناتجاً عن ذاكرة الصبي، لكن الأم من ناحية، وغياب الأب من ناحية اخرى هما المحور الفعلي. واللص الذي اخفق في ان يكون البديل الابوي المنتظر هو محور ثالث في سيناريو لا تعرف كيف سيتجه ولو ان بعض مفاصله الاساسية تبدو ضعيفة التبرير.
لكن المحور الاكثر استئثاراً بعاطفة الفيلم هو ذلك الذي ينتج عن وضع الأم التي تؤديها بجدارة اكتاراينا ردنيكوفا في مثل هذا الظرف غير الموفقة في الحب وفي العائلة وفي الاستقرار.
الى ذلك، هناك القراءة الفنية كما التاريخية للمكان والزمان.
تصوير "اللص" قام به الممثل الجيد فلاديمير ماشخوف يعتمد، كلاسيكيات السينمات الاوروبية الشرقية، على استخدام اقل اضاءة صناعية ممكنة وعلى تجريد الالوان التي يغلب عليها البني الفاتح كما لو ان الفيلم مستخرج بالفعل من كنه الماضي.
في ذات القراءة لا تفوتنا الاشارة الى الفترة الستالينية باللوم. لوم غير مباشر يطرح مرات قليلة اولها يكفي لفهم موقف الفيلم تجاه تلك الفترة وحاكمها. يطلب الضابط / اللص من ابن عشيقته الجلوس قريباً منه ثم يقول له ان لديه سراً يريد ان يبوح به: انه ابن ستالين.
المعنى المزدوج هنا هو ان الضابط يريد من الصبي ان يصدق انه ابن ستالين المؤله آنذاك ما في انه - بشروره وخداعه - هو ابن ستالين فعلاً انما على نحو رمزي. هذا فيلم يجب ان يشاهد لجماله ولمشاعره وهو بين ما استعرضناه فيلم المرأة الافضل حالياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.