ما هي أهم مئة رواية عربية هذا القرن؟ ليس لي أن أجاوب، فثمة نقّاد كثيرون وروائيون أقدر مني على الجواب، ثم أن رجلاً واحداً او امرأة لا يمكن ان ينصّب نفسه حَكَماً لقرن كامل من الانتاج الأدبي، وانما يكون الاختيار لمجموعة من الناس المؤهلين لخوض هذه المهمة الصعبة. وقد أوحى لي بالسؤال اختيار لجنة جمعتها دار نشر اميركية أهم مئة رواية بالانكليزية هذا القرن. وسأحاول اليوم ان أقدّم الى القارئ العربي بعض أشهر هذه الروايات، خصوصاً تلك التي قرأتها أو أعرف شيئاً عن كتّابها، ثم أكمل غداً باقتراحاتي لأهم مئة رواية عربية هذا القرن. "يوليسيس" للكاتب الايرلندي جيمس جويس اختيرت بالإجماع أهم رواية بالانكليزية هذا القرن. وهي نُشرت سنة 1922 وجعلها جويس نسخة عصرية من ملحمة "الأوديسه" لهومر، وتدور أحداثها في يوم واحد في دبلن هو 16 حزيران يونيو 1904، عندما يعود زوج يهودي تخونه زوجته الى المدينة. والشخصيات الرئيسية الثلاث تعادل تلماخوس ويوليسيس وبنولبي عند هومر، وتتراوح الرواية بين الدين والخيانة الزوجية والأدب والوطنية. وحلّت رواية "صورة الفنان وهو شاب" للكاتب نفسه في المرتبة الثالثة، وهي شبه سيرة ذاتية عن النموّ الفكري والعاطفي لشاب يترك دبلن الى باريس وينذر نفسه للفن. المرتبة الثانية احتلتها رواية "غاتسبي العظيم" للمؤلف ف. سكوت فتزجرالد، وهي صدرت سنة 1925، وتعتبر أهم ما كتب هذا الروائي الذي حاول ان يجمع بين احلام غاتسبي عن نفسه، وأحلام مؤسسي اميركا. ووجدت غريباً جداً ان تمثّل رواية "لوليتا" للمؤلف الاميركي الروسي الأصل فلاديمير نابوكوف المرتبة الرابعة بين روايات هذا القرن. وقصتها معروفة بعد ان مُثّلت فيلماً في حينه، وأُعيد تمثيلها في فيلم جديد اخيراً. وهي تحكي قصة علاقة جنسية بين رجل كهل وفتاة في اوائل المراهقة. وتبع ذلك "عالم جديد شجاع" لألدوس هكسلي، وهي محاولة للتخويف من عالم "مبرمج" في عصر آلي كلياً. ثم "الصوت والغضب" لوليام فوكنر و"كاتش 22" لجوزف هيلر، و"الظلمة عند الظهر" لارثر كوستلر و"أبناء وعشّاق" ل د. ه. لورنس، و"ثمار الغضب" لجون ستاينبك. لم أقرأ رواية "الصوت والغضب" مما سبق، ولكن قرأت الروايات الاخرى وبعضها مثل أفلاماً مشهورة، مثل "كاتش 22" التي لم يستطع هيلر ان يؤلف رواية تقترب منها على الرغم من محاولة أخيرة له. وأتوقف عند البريطاني الهنغاري الاصل كوستلر، فروايته "ظلمة عند الظهر" هي فعلاً أفضل ما كتب، وهي تتحدث عن بلشفي قديم ينفي خلال محاكمات التطهير الستاليني ان يكون ارتكب جرائم، ثم يعترف بجرائم لم يرتكبها. هذه الرواية كانت بين أول ما ألّف، وقد تُرجمت الى 30 لغة. ولكن العرب يعرفونه من آخر دراسة له وهي "القبيلة الثالثة عشرة" التي صُوّرت سنة 1976 وأثارت جدلاً كبيراً، لأن المؤلف اليهودي حاول ان يرد اليهود الحاليين الى أصول خرزية لاسامية. واذا كان القارئ العربي يذكر "ثمار الغضب" من الحملة الاسرائيلية المجرمة على لبنان، فالواقع ان أصل العبارة من التوراة، وستاينبك يحكي في روايته المرارة التي أثارتها هجرة العمال الزراعيين بعد الانهيار الاقتصادي الكبير الذي بدأ في اواخر العشرينات، واستمر حتى الثلاثينات. ونال ستاينبك جائزة نوبل للاداب عن هذه الرواية سنة 1962. وجدت بعد الروايات العشر الاولى ان ما قرأت من المختارات تراجع كثيراً، وقدّرت في النهاية أنني لم أقرأ سوى 35 رواية من أصل مئة، وبعض ما قرأت كان مادة مقررة في الجامعة لا قراءة اختيارية، مثل "كيم" لروديارد كبلنغ التي احتلت المرتبة الثامنة والسبعين. مع ذلك أقدّر انني والقارئ نعرف عن نصف الروايات الاخرى او أكثر من الافلام، مثل "النسر المالطي" لداشيل هاميت، التي لعب دور البطولة فيها همفري بوغارت، و"وداعاً أيها السلاح" لأرنست همنغواي، و"كلوكوايز أورانج" لأنتوني بيرجس، التي تحدثت عن محاولة اصلاح مراهق منحرف، وضمّ الفيلم مشاهد عنف وجنس أثارت جدلاً في حينه. سلمان رشدي احتلّ المرتبة التسعين بروايته الرمزية "أطفال منتصف الليل" التي تتحدث عن الهند وتتطرق الى مواضيع تاريخية وفلسفية. ولكن القراء يذكرونه من رواية "آيات شيطانية" التي أثارت عليه غضب المسلمين كلهم، وهي رواية ما كانت اشتهرت لولا الحملة عليها. هل الروايات المُختارة، هي أهم مئة رواية بالانكليزية هذا القرن؟ الاختيار يعتمد على الذين اختاروا، وبما ان هؤلاء كانوا فوق الاربعين، وأكثرهم فوق الخمسين والستين، فقد جاءت الروايات من نوع "كلاسيكي" معروف. ولو ان الذين اختاروا كانوا في الثلاثين او دونها لخرجت من قائمة المئة كتب كثيرة، ودخل غيرها. هل نستطيع ان نختار أهم مئة رواية عربية هذا القرن؟ سأحاول الإجابة عن هذا السؤال غداً.