تخريج الدفعة ال22 من طلاب "كاساو" برعاية نائب وزير الحرس الوطني        السعودية وإندونيسيا تبرمان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في قطاع التعدين والمعادن    إلزام كافة شركات نقل الطرود بعدم استلام أي شحنة بريدية لا تتضمن العنوان الوطني    بتوجيه من القيادة.. وزير الدفاع يصل العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    جامعة الإمام عبدالرحمن وتحفيظ الشرقية يوقعان مذكرة تفاهم    أمطار رعدية على اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    الذهب يواصل صعوده القياسي    محافظ الطائف يستقبل رئيس المؤسسة العامة للرّي    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    "هيئة الأفلام" تطلق مبادرة «سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    إيران على مسافة قصيرة من العتبة النووية    العراق: انتهاء الاستعدادات لتأمين القمة العربية الشهر المقبل    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    في نصف نهائي كأس آسيا تحت 17 عاماً.. الأخضر يسعى للنهائي من بوابة كوريا الجنوبية    في نسختها الخامسة بالمملكة.. جدة تحتضن سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا1    في الجولة ال 28 من دوري روشن.. اختبار شرقاوي.. الاتحاد والنصر ضيفان على الفتح والقادسية    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    أنور يعقد قرانه    أسرة العبداللطيف تحتفي بزواج مشعل    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    متوقعة جذب تدفقات قوية في المملكة.."فيتش": 1.3 تريليون ريال حجم «إدارة الأصول» في 2026    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    الأفواج الأمنية تشارك في معرض المرور بمنطقة نجران    موجز    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "البريد": اتفاقيات لتصنيع الطرود    "الملك سلمان للإغاثة" يواصل دعم المجتمعات المحتاجة    قطاع الأعمال السعودي يدعم صندوق تمكين القدس    كودو تعلن عن شراكة استراتيجية مع فريق «مهرة» السعودي المشارك في سباقات أكاديمية الفورمولا 1    حوار إستراتيجي بين دول «الخليجي» وآسيا الوسطى    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    1.695 مليار ريال قيمة صادرات التمور السعودية عالمياً    ملتقى الثقافات    توصيات لمواد وألوان عمارة واحات الأحساء    الرياض أكثر مناطق المملكة في شاشات السينما    "ليلةٌ دامية" في غزة ومفقودون لا يزالون تحت الأنقاض    تدشين برنامج «سمع السعودية» لزراعة القوقعة للأطفال الفلسطينيين    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    إنترميلان يتخطى بايرن ويضرب موعداً مع برشلونة بنصف نهائي «أبطال أوروبا»    أمير نجران يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة وإدارات الإمارة    خمس جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    الرياض تستضيف كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    ما كل ممكن يسوغ    عملية قلب مفتوح لسبعيني في القصيم    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    إحباط تهريب 147 كيلوجراماً من الشبو بميناء جدة الإسلامي    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين التقليد والعصرنة دراما الحياة الاجتماعية في اسرائيل
نشر في الحياة يوم 11 - 08 - 1998

في استطلاع للرأي أجراه معهد "داحاف" في تل ابيب ونشرت نتائجه صحيفة "يديعوت أحرونوت" يتضح ان 63 في المئة من الاسرائيليين يؤكدون وجود الاكراه الديني في اسرائيل. ويتوقع 44 في المئة من المستطلعين ان الهوة بين المتدينين والعلمانيين ستؤدي الى مضاعفة الخلافات بين الطرفين وستقود الى اندلاع حرب اهلية داخل الدولة العبرية.
ويعكس الاستطلاع تنامياً في اعداد الاسرائيليين الذين يرون بأن انقسام مجتمع دولتهم بين اليهودية والعلمانية سيكون له مردود سلبي على مستقبل هذه الدولة بعد 500 سنة من كفاح اليهود لاعادة تشكيل عصرهم الذهبي في دولتهم "اسرائيل".
فالجهود الحثيثة لبناء دولة عصرية مع البقاء موالين لتقاليدهم الدينية أثارت صراعات يخشى بعض المفكّرين والساسة الاسرائيليين في ان تؤدي الى تهديد مستقبل اليهودية.
تتميز اسرائيل عن بقية الدول الاخرى بأن المزاعم المتنافسة بدولة دينية وعلمانية لا تلقى نقاشاً بين الفلاسفة الدينيين فقط، بل هي معركة يومية تشاهد فصولها وآثارها على الساحة السياسية والاجتماعية اليومية للفرد اليهودي. وكما يقول كبير الحاخامات السابق في ايرلندا دافيد روزن: "يريد الكل ان يجد توازناً بين التقاليد والعصرنة، ودراما الحياة في اسرائيل تتمثل في التوصل الى ذلك التوازن".
وعلى الرغم من عدم توفر الارقام الفعلية لاعداد العلمانيين والمحافظين في الدولة العبرية الا ان الارقام التقريبية تشير الى جود حوالى 20 في المئة من السكان الاسرائيليين يتقيدون بالقوانين الدينية، ويصف عدد مماثل انفسهم بأنهم علمانيون. كما ان فئة كبيرة في الوسط يعكسون سلسلة عريضة من مستويات الارتباط باليهودية، فهم يعيشون في دولة علمانية تلعب فيها اليهودية دور الديانة الرسمية التي اعلنت عند اقامة الدولة في عام 1948. الصراع الدائر بين العلمانيين والمتدينين بدأ يتسارع بشكل كبير، خصوصاً انه بات يمسّ الكثير من تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الاسرائيلي، فهذا الصراع ينعكس مثلاً في حقيقة عدم وجود شيء مثل الزواج المدني في هذه الدولة العصرية. والحاخامية التي تمثل الاتجاهات الاجتماعية التي تعتبرها اغلبية الاسرائيليين عتيقة عفا عليها الزمن - كما يقول العلمانيون - هي من يتمتع بالقوة الوحيدة لتزويج اليهود ومنحهم الطلاق.
وفي الوقت نفسه فان المدارس الدينية التي تعرف بال "بيشوف" تحظى بتمويل حكومي ضخم. كما ان طلاب المدارس الدينية مستثنون من الواجب المركزي الاول لجميع الاسرائيليين الآخرين: الخدمة العسكرية. وحسب احصائية نشرتها صحيفة "هآرتس" حتى شهر آذار مارس 1998 تبين بأن هناك ارتفاعاً في اعداد الطلاب المتدينين تتلخص مهمتهم في تكريس حياتهم للدين بلغ اربعة اضعاف تقريباً. وكما يتضح فان 67 في المئة اي الثلثين من الرجال المتدينين لا يشاركون في القوى العاملة مقابل نصف الرجال من المتدينين الذين لم يشاركوا في القوى العاملة في 1980. وحسب التوقعات التي طرحها معهد القدس لأبحاث اسرائيل يتبين انه اذا ما استمرت وتيرة التكاثر الطبيعي الحالية لعائلات المتدينين في العام 2006 سيعيش 10 في المئة من الاطفال في بيوت يكون فيها ربّ البيت طالب مدرسة دينية غير عامل. وتتركز نسبة الولادة المرتفعة لليهود المتدينين في القدس حيث يشكلون 30 في المئة من سكانها، ويشكلون كذلك قوة مسيطرة في بلديتها.
وفي الذكرى الخمسين لقيام دولة اسرائيل تجاهل الحاخامون الاحتفال بالمناسبة، كما يتصرفون دائماً ازاء المناسبات الاخرى للدولة اليهودية. والجواب الذي يقدمه الحاخامات على ذلك هو تساؤلهم عن "الاسباب التي تدعوهم الى الاحتفال بذكرى تأسيس دولة لا تحترم حرمة السبت اليهودي، وتسخر من القوانين التي تنصّ عليها التوراة". وقال احد الحاخامات في معهد "أورحاييم" الديني: "نحن لم ننظّم اي احتفال في هذا اليوم لأننا لا نريد ان نكون جزءاً من مناسبات وثنية". واضاف "ان ما هو مقدّس لليهودي هو التوراة، وأرض اسرائيل وليس الدولة". وتعكس آراء هذا الحاخام الموقف التقليدي لليهود المتزمتين دينياً، الذين عارضوا الحركة الصهيونية منذ تأسيسها قبل حوالى اكثر من قرن بسبب سيطرة العلمانيين عليها، ودعوتها لاقامة دولة يهودية فوق ارض الميعاد قبل ظهور المسيح كما تقول التوراة. لكن معارضة اليهود المتزمتين للدولة خفّت خلال العقود الخمسة من عمرها كون الدولة المصدر الرئيسي لتمويل مؤسساتهم ومدارسهم الدينية، وعاد تأثيرهم ليبرز اخيراً من خلال تدخلاتهم في مسار الحياة اليومية. هذه القضايا كما يبدو بدأت تهيئ ساحة المعارك في اسرائيل بين سلطات اليهودية الارثوذكسية، وبين المواطنين الذين يستاؤون من التدخلات في حياتهم الخاصة.
والحقيقة التي تزيد من عمق ما يعرف ب "ازمة الهوية اليهودية" ان المجتمع اليهودي في اسرائيل ينقسم الى مجتمعات مختلفة الانتماء والمعتقد، وبعض هذه الشروخ يعود الى اسباب ثقافية تاريخية جغرافية كتلك التي تفصل بين اليهود الشرقيين السفارديم والغربيين الاشكيناز وبعضها يفصل بين المتدينيين المتزمتين والمحافظين، والاصلاحيين والعلمانيين. وهناك فئة الليبراليين التي لا تكرّس وقتاً ولا تبذل جهداً في سبيل فكرة المعتقد الديني او مقاومته، وكفئة اصغر ولكن اكثر نشاطاً تسخر من ممارسات المتدينين وتقاومها خصوصاً في محاولات المتزمتين فرض مفاهيهمهم وممارساتهم العلنية على الآخرين. هذه الصراعات الداخلية هي التي تجعل المجتمع اليهودي، الذي يبدو متحداً في ساعة تعرضه للخطر، هو مجتمع مشقق يتكون من معسكرات تتصارع في ما بينها على امور مختلفة. ولو حاولنا تحديد مواقع التجمعات نجد بأن منطقتي حيفا وتل ابيب هي اهم مواقع العلمانيين في اسرائيل. كما ان القدس ومدينة "بني براك" القريبة من تل ابيب، وبعض المدن الجديدة تشكّل المصدر الاول لقوة معسكر المتدينين.
وكما يؤكد مراقبون للمجتمع الاسرائيلي فان التطورات على الخريطة الاجتماعية ليهود اسرائيل خلال عقد التسعينات تتلخص في ازدياد نفوذ وعدد المتزمتين في القدس، الامر الذي رفع من حدة التوتر بين سكان المدينة اليهود، وصعّد الصراع الى حدّ جعل الكثير من العلمانيين يعانون من مشاعر الاختناق تفرض عليهم وتتعارض مع ما يعتبرونه حقوقهم، من حيث عدم التقيّد بمراسيم ونظم يعتبرونها مجرد تقاليد قديمة، وممارسات عفا عليها الزمن، خصوصاً اغلاق الطرق العامة ايام السبت، ومنع السيدات من ارتداء ملابس الرجال …الخ. اما في تل ابيب، والى سنوات قليلة فقد بقي نفوذ العلمانيين - بعكس القدس - يتزايد الى درجة جعلت البلدية تتنازل عن بعض القوانين المحلية لمصلحة اطلاق حرية المواطنين لاستغلال اوقات الفراغ بارتياد المقاهي والمطاعم والمسارح وتنظيم الحفلات الترفيهية والثقافية. وكان روني ميلو رئيس بلدية تل ابيب اعلن انه ينوي عرض اقتراح قانون بلدي جديد على المجلس البلدي للسماح بفتح اماكن اللهو ليلة السبت. هذه الخطوة فتحت كما يبدو صفحة اخرى من الصراع بين العلمانيين والمتدينيين الذين يسعون الى تسليط قوتهم في تسيير الحياة العامة في اسرائيل حتى في داخل تل ابيب "قلعة العلمانيين".
وتصاعد حدة الجدل دفع ببلدية تل ابيب التي تساهلت مع العلمانيين في الاعوام الاخيرة ان تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً من حرية المواطنين في العطلة الاسبوعية او عدمها، من دون فرض ذلك من سلطة حكومية او بلدية.
وهذه المواقف هي التي دفعت المتدينين الى اصدار تلميحات باحتمال اسقاط حكومة بنيامين نتانياهو اذا لم تقدم لهم صيغة قانونية تضمن استمرار احتكارهم ميزانيات وصلاحيات المجالس الدينية، وهو الاحتكار الذي تهدده قرارات محكمة العدل العليا بإشراك الفئات اليهودية الليبيرالية في هذه المؤسسات. وتحتل قضية اعتناق الدين اليهودي والسلطة المخولة بالتصديق على صلاحية المهاجرين الجدد الى الدولة العبرية باعتبارهم يهوداً، حيزاً كبيراً من النقاش الدائر في المجتمع الاسرائيلي.
وفي الوقت الذي نجحت فيه الارثوذكسية اليهودية في الامساك بزمام السلطة الدينية الا ان الاقلية اليهودية الموصوفة بالليبيرالية الاصلاحية تطالب بتحقيق نوع من المساواة في القانون حول قضية اعتناق اليهودية، وتدعمها في ذلك شخصيات بارزة من خارج اسرائيل.
ومع ان الصورة الخارجية للدولة العبرية تشير الى سيادة النهج الديني حالياً، الا ان الحكومة لم تنجح في تحقيق المصالحة بين المتدينين والعلمانيين. فالكثير من اليهود كما تؤكد الدراسات يحاولون الابتعاد عن الجدل الديني والقضايا المرتبطة به، حتى ان احدى استطلاعات الرأي وصفت 70 في المئة من المجتمع الاسرائيلي بأنه مجتمع علماني - حسبما وصف نفسه -. وكانت العلاقة بين اليهود الارثوذكس وغيرهم قد شهدت منذ نحو قرنين من الزمان ولا تزال توتراً متصاعداً، حتى ان الكاتب الاسرائيلي دافيد لانداو الذي ينتمي الى اليهود الارثوذكس يقول ان الخلاف قد يكون من العمق بحيث يستحيل ايجاد حل له. ويضيف لانداو بأنه "من الافضل ان يكون المرء علمانياً بدلاً من ان يكون يهودياً من النوع الخطأ".
ويرى الكثير من المثقفين اليهود، وخصوصاً العلمانيين، ان اليهودية بطروحاتها الايديولوجية القديمة تتلاءم مع حياة المهجر والشتات، وانها بقدومها الى اسرائيل تراجعت امام المجد الفكري الصهيوني الذي زاحمها في كل شيء بل وفرض على دولة اسرائيل ان تلبس لباس العلمانية وتطرح لباس اليهودية المتزمتة.
فاليهود المتدينون كانوا يعتبرون ان الصهاينة "كفرة" لانهم يعادون الدين، ويسعون الى اثارة الخلاف اليهودي على عكس "ما أراد الرب"، مضيفين ان الصهيونية استطاعت ان تغزو العديد من الاحزاب الدينية، خصوصاً تلك التي كانت تعاني من عقدة الاعتراف باسرائيل.
* كاتبة وصحافية فلسطينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.