العام الماضي كان العز للنرجيلة وللمقاهي العربية في لبنان. وهذا العام، ومع خروج شاشات الكومبيوتر المربوطة بشبكة الإنترنت الى الشوارع وتعميمها في مقاهٍ خاصة، بات التواعد في هذه المحال ظاهرة جديدة عصرية تارة، مسلية، وطوراً مثقفة ومفيدة، وفي الغالب تجمع اللذة والثقافة في آن. ومن الملاحظ أن مقاهي الانترنت نبتت وفرخت وانتشرت في شكل مضطرد وكثيف في غضون وقت قصير كما كل شيء جديد في لبنان، فزرعت قرب البقال واللحام في الشوارع السكنية في بيروت يفصل الواحد عن الأخر زاروب او اثنان على الأكثر. وبلغت المنافسة في ما بينها الى حد تنظيم بعضها "المسابقات الالكترونية" يربح الفائزون فيها بطاقة سفر الى قبرص مثلاً. واللافت أن أول مقهى رأى "النور الالكتروني" منذ عامين كان ال "نيوز كافيه" القريب من شارع الحمرا تحت رعاية وكالة رويتر للأنباء. وهو يؤمن، بالإضافة الى شاشات ثلاث موصولة على الشبكة العالمية، شاشة الكترونية صغيرة على كل طاولة من طاولات المطعم تعطي على مدار الوقت عناوين عامة يفتحها منتظر فنجان القهوة وطبق اليوم على "الأخبار المحلية" أو "العالمية" أو على "الرياضة" و"البورصة" و"سوليدير"... فيأكل مع لقمته الأخبار الطازجة من وكالة رويتر. أما أمام الشاشات الكبيرة فأكثر ما يجلس طلاب الجامعة الأميركية الباحثون عن مواد ذهنية لدراساتهم، وأجانب وسياح ورجال أعمال عرب سعوديون وكويتيون واماراتيون يراسلون أوطانهم ويتحاكون مع المعارف البعيدين. ما الذي تغير بعدما كثرت المنافسة وما عاد ال "نيوز كافيه" الوحيد في المنطقة؟ مدير المقهى بيار حبيقة يشرح: "أفترض ان كل مقاهي المستقبل ستوفر لزبائنها هذه الخدمة حتى وان كانت اكسسواراً لأنها تسهل أموراً كثيرة أهمها التواصل مع العالم سواء بواسطة البريد الالكتروني أم عبر التخاطب المباشر. فمنذ عامين كنا الوحيدين في العاصمة ولبنان، واليوم فتح مقهيان قريبان "ويب كافيه" و"فيروس كافيه"، يقدمان الخدمة ذاتها وعشرات مثلهما في المناطق. والمنافسة هذه أجبرتنا على اتباع سياسة جديدة فطوّرنا الخطوط وخفضنا الأسعار وبدأنا بتنظيم المباريات". ومن الملاحظ ان 75 في المئة من رواد ال"نيوز كافيه" باتوا يقصدونه من أجل تناول الطعام لأنه مصمم في الأصل مع طاولات كثيرة في ديكور يفتح الشهية، فيما المقاهي التي افتتحت حديثاً أعطت الأولوية للشاشات مع امكان تناول المرطبات وبعض "الخرابيش" على شبه بار في زاوية. بينما ثابرت نسبة 25 في المئة منهم على الجلوس أمام الشاشة المستطيلة. والرواد مفتونون، بعضهم بالألعاب وبعضهم الآخر بالبحث عن المعلومات، وفي كل الأحوال بتلك الطاقة المفتوحة على العالم والتي عبرها يبحرون على هواهم فيكونون الربان معاً والمسافر. وما أكثر ما يغري رواد تلك "المقاهي"؟ في الأحياء السكنية استبدل الشباب اللعب على آلات الفليبرز باللعب على أحدث ما تقدمه "الشبكة" من ألعاب متجددة وبأسعار مغرية لا تتعدى الخمسة آلاف ليرة لبنانية للساعة الواحدة، وآخر صرعة منها لعبة "خارج القوانين". ويشرح شاب في السادسة عشر أن ألعاب الحرب هي أكثر ما تستهويه ورفقاءه وما يميز ألعاب "الشبكة" عن غيرها من ألعاب الشاشات أنه في وقت قصير تتدفق ألعاب كثيرة تتجدد مع الثواني. الا ان الجميع لا يقصدون مقاهي الانترنت للتسلية فحسب، وفي "كافيه نت" أحد المقاهي المفتتحة حديثاً في منطقة جونيه كثافة رواد من الأعمار والأجناس كافة يقصدون المكان كمركز ثقافة وأبحاث. وتخبر صاحبة المكان ومديرته كارمن زغيب: "لم نفتح الا منذ شهرين وتفاجأنا عندما تحول المكان تلقائياً مركزاً للأبحاث. واليوم بتنا نعطي دروساً خصوصية قبل الظهر لسيدات البيوت اللواتي يرغبن في مواكبة "عصر" أبنائهن بعدما أدركن انهن يظهرن أميات امام جيل مفطور على التكنولوجيا والأهم أنهن يرغبن في هدم الهوة التي يخلفها التقدم التكنولوجي السريع بين الأجيال. ومن الملاحظ ان بعض العائلات ومنها ماجدة الرومي وابنتاها يأتي في أيام العطل ونهايات الأسبوع ليتآلف أفرادها معاً على دخول عالم الانترنت الواسع". ومن اللافت أيضاً تهافت أصحاب المهن البعيدة من عالم الالكترونيات كالأطباء والسياسيين على تلك المقاهي بقصد العثور على مراجع معمقة لأبحاثهم والاطلاع على آخر المستجدات في مجال عملهم. أما الطلاب فيستغلون الفرصة لتقصير المسافات والاتصال مباشرة بالجامعات الأوروبية والأميركية للاختيار بين الاختصاصات المتوافرة وتقديم طلبات الدخول اليها مباشرة، وكل ذلك في غضون ساعة أو أقل. وأحياناً تتعدى تلك المقاهي دورها كمركز أبحاث وتسلية لتصير مركزاً للتلاقي الثقافي والاطلاع على عناوين الجرائد قبل الانطلاق الى العمل أو الى أي مشروع آخر. وعن الكلفة تشرح زغيب: "هناك أكثر من صيغة للتعاطي مع الرواد. الاشتراك الشهري وقدره مئة دولار أميركي هو الأنسب للدائمين، أما الرواد الظرفيون فخمسة دولارات هي التعرفة السائدة للساعة الواحدة على الانترنت. وقد لاحظت ان بعض روادنا في المقهى هم ممن يمتلكون خطاً للأنترنت في منازلهم ومع هذا يفضلون "الابحار" عندنا للبطء في التواصل عبر خطوط الهاتف العادية، فيما عندنا الاتصال يتم مباشرة عبر الأقمار الصناعية مما يوفر عليهم الوقت والمال". السيدة داني سلامة من الرواد الدائمين الى "المقهى" مع ولديها. وتخبر عن عادتها هذه: "اقصد المكان لأتعلم كيفية استعمال الانترنت ثم أنها الطريقة الفضلى للمراسلة السهلة والسريعة والأقل كلفة. كما وأتلقى مراسلاتي بالطريقة نفسها وعلى العنوان اياه". وتقول ماري روز كوزما: "يستطيع المرء ان قصد ان يمضي اليوم بأكمله في هكذا مكان، فهو يجمعنا بمعارف ويثقفنا ويسلينا. كما أن ربات المنازل يستفيدون من وصفات أكل جديدة من الانترنت!". وللرجال بعض المقاصد الطريفة من ارتيادهم مقاهي الانترنت. رئيس مجلس ادارة في احدى الشركات اعترف بأنه معقد من سكرتيرته لأنها تتفوق عليه في هذا المجال لذلك يأتي ليعوض النقص! ويخبر موظف عادي أنه ينفس عن عقدة حرمان حين يتفرج على آخر موديلات السيارات طالما ان راتبه لا يسمح له الا باقتناء سيارة يعود موديلها الى أكثر من عشرة أعوام الى الوراء! طبعاً هناك أيضاً الكبت الجنسي الذي قد يجد له البعض متنفساً عبر صور فاضحة على الانترنت، الا ان الأمر يصبح أكثر صعوبة في مقهى عام... وللشباب أوقاتهم أيضاً. في "انترنت كافيه" في صربا الكسروانية، الدوامات معروفة وكذلك الهوايات الموزعة على الأعمار: تحت الثمانية عشرة للألعاب والتسلية، وفوق هذا العمر للأبحاث واتصالات العمل. والجميل في هذه المطارح انها تفتح الآفاق واسعاً امام المخيلات وعبر طاقة لا تتعدى السنتمترات يقفز المرء من المقهى مباشرة الى... كل العالم، وبكبسة زر يعود سليماً معافى الى كرسيه قربه جار لا يزال يجول في الصين!