تنتمي الطاولة لألعاب الشرق اليوم. ويتم لعب الطاولة عادة في المقاهي أو البيوت. إن الموظف العربي يعود من عمله في الظهيرة أو بعدها بساعتين، يخلع ملابسه ويرتدي الجلباب ويتناول غداءه، ثم يستسلم لنوم القيلولة. فإذا استيقظ اكل قطعة من البطيخة التي أحضرها معه الى البيت وهو عائد من عمله. وفي البطيخ مادة تسمى الفيتو باربيتون، وهي مادة تبعث على النعاس أو ما هو قريب من النعاس. بعد ذلك ينصرف المواطن العربي الى المقهى للعب الطاولة.. ان مكانه محجوز، وصديقه الذي سيشاركه اللعب قد سبقه الى المقهى وجلس ينتظره وهو يشد انفاسا هادئة من الارجيلة. لا يكاد صاحبنا يصل حتى تبدأ مباراة الطاولة. وهي لعبة شرقية ترمز الى الشرق وتعبر عنه افضل تعبير. ان نسبة الحظ فيها ترتفع الى 80 في المئة. وإذا كان هناك من يظن لطول ممارستها انها لعبة تعتمد على الذكاء أو الحرفنة، فإن هذا الظن هو في نهاية الأمر ظن لا سند له من الحقيقة! إن لعبة الشطرنج لعبة شرقية، بمعنى ان مجال الفكر والتدبير فيها محدود... أما مجال الحظ والصدفة فمفتوحان الى النهاية. وفي الشرق، حيث تشيع فكرة الجبر بين الناس ويؤمن كثير من الناس بان الاقدار توجه خطاهم في الحياة، وان ارادتهم لا علاقة لها بما يحققونه في الدنيا... وسط هذا الجو الذي يعبق ببخور الاستسلام والاعتماد على الحظ، يصير لعب الطاولة وشد انفاس الارجيلة عملين قوميين، وعادة من عادات الحياة. ولقد حرص بعض العصور الاستبدادية في الشرق، على اقناع الناس بأنهم مجبرون في الدنيا ولا ارادة لهم فيها، وتم هذا لخدمة النظم الاستبدادية. فهذه النظم قضاء وقدر كتبه الله على الناس، ولا فكاك منه ولا معنى للخروج عليه... فالمكتوب مكتوب! وعلى رغم تعارض هذه النظرة مع روح الاسلام ونصوصه، لأن الله لا يحاسب أحدا مسلوب الارادة، إلا أنها - هذه النظرة - شاعت وكانت الطاولة هي لعبتها المفضلة، فالطاولة هي الاخرى تعتمد على الحظ والقضاء. إذا كانت الطاولة رمزاً من رموز اللعب في الشرق، فإن الشطرنج رمز من رموز اللعب في الغرب. والفرق بين الشرق والغرب، هو الفرق بين الطاولة والشطرنج. إن الطاولة تعتمد على الحظ، أما الشطرنج فمباراة تعتمد على التدبير والحسابات الدقيقة. وكل حركة يتحركها اللاعب في الشطرنج تعني ان على اللاعب الآخر ان يحسب مجموعة من الاحتمالات لحركة منافسه لكي يرد عليها بما يفسدها. في الشطرنج نحن أمام جيشين، لكل جيش منهما ملكه ووزيره وعساكره وأسلحته. وغاية اللعب حصر القيادة العليا في الجيش الآخر وتشييعها الى نهايتها بعبارة تقول: - كش... مات. لا اعرف لماذا دارت هذه الخواطر في رأسي وانا اشاهد مباريات المونديال في نهاية هذا القرن؟ لقد قارنت في نفسي بين الكرة المصرية والكرة الاوروبية، وخيل الى ان كرتنا تشبه لعبة الطاولة التي تعتمد على الحظ، بينما تشبه الكرة الاوروبية لعبة الشطرنج التي تنطوي على خطط وحسابات واحتمالات. ان الحظ يلعب في حياتنا دوراً أكبر مما يستحقه، والتخطيط غائب أو شبه غائب عن حياتنا اليومية. ولقد تسأل أوروبياً: ماذا ستفعل بعد سنوات؟ فيحدثك انه سيقوم باجازة الى الشرق الادنى بعد خمسة اعوام مثلاً. فإذا سألت الشرقي" ماذا ستفعل بعد شهرين؟ قال لك: - من يدري ماذا يحدث في العالم بعد شهرين؟ إن واحداً ينتظر بينما الثاني يفعل... فإذا انهزم المنتظر رفع لك شعاراً يقول: لا تلم كفي إذا السيف نبا صح مني العزم .. والدهر أب