منذ حصولها على الأوسكار العام 1965 عن دورها في فيلم "دارلنغ"، كان على الممثلة البريطانية جولي كريستي ان تنتظر كل تلك السنوات لتحصل على ترشيح آخر هذا العام عن دورها في "خفوت البريق"، الفيلم الذي لم يحصل على اشادة من اية جهة، باستثناء اداء كريستي القوي والملفت للانتباه. ثلاث وثلاثون سنة مرت برفة عين. لا يزال الجمهور يذكر تلك الممثلة الشابة الشقراء البسيطة، التي تألقت في سنوات الستينات الجامحة. من منا لا يذكر ذلك الوجه الفاتن والأداء المؤثر في فيلم "دكتور زيفاغو" مع عمر الشريف؟ انها الآن امرأة ناضجة ذات رؤية واضحة الى العالم. "خفوت البريق" فيلم ذو حبكة ساخرة عن تداخل معقد بين علاقتين زوجيتين بسبب الخيانة الزوجية. الفيلم هو جديد المخرج آلان رولدف، صاحب الفيلم الكوميدي الشهير "السيدة باركر"، يؤدي البطولة الرجالية امام كريستي نك نولت الذي يقوم بدور لاكي، الرجل الخمسيني الذي يعمل بتصليح البيوت، وغواية النساء الوحيدات. بينما تقضي زوجته فيليس، الممثلة السابقة، وقتها في متابعة أدوارها السابقة على اشرطة فيديو، متحسرة على الشباب والشهرة. يحدث تغير درامي مفاجئ في حياة الزوجين، عندما تتصل احدى الزوجات الشابات بلاكي لتصليح باب البيت. تنشّد ماريان - تقوم بدورها لارا فلين بويل - للرجل البسيط اللطيف المعشر، وهي التي تعاني من توتر علاقتها مع زوجها الشاب جيفري - الممثل جوني لي ميلر - المنشغل فقط في تحقيق نجاحه المهني كرجل اعمال، رافضاً فكرة انجاب طفل في هذه المرحلة. بعد ان يكتشف الطرفان الآخران امر الخيانة، يتفقان على اللقاء لمناقشة الأمر. في ذلك اللقاء لا يكتشفان انهما مخدوعان فقط، بل انهما قريبان من بعضهما البعض. يبدأ التقارب: امرأة خمسينية بماض يؤلمها، وشاب عشريني بمستقبل غير واضح المعالم تماماً. من هذا التصادم بين الاطراف، يقدم المخرج كوميديا ساخرة مؤلمة احياناً. سأل احد الصحافيين جولي كريستي، عما جذبها الى هذا الدور؟ فقالت انها فرصة العمل مع رودلف كمخرج، ونك نولت كممثل. لكن الفيلم ككل لم يكن في مستوى افلام المخرج الاخرى، اذا غضضنا النظر عن اداء كريستي نفسها، والفنية العالية لكاميرا التصوير التي عرفت كيف تستغل مدينة مونتريال شتاء. مؤكداً ان ضعف مستوى الفيلم لا تطال مسؤوليته جولي كريستي، فهي معنية باختيار ادوارها التي بدأت منذ عشر سنوات تقريباً. انها "تعقلن" ادوارها، ولأن منتجي الافلام وصانعيها باتوا يعرفون ماذا تريد تماما، فانهم يرسلون لها الادوار المناسبة. هذا الامر يجعلها في حالة استرخاء من همّ البحث عن دور. جولي كريستي امرأة قلقة، وقد وصفها الممثل وارن بيتي الذي ارتبط معها بعلاقة طويلة في السبعينات، بأنها "اجمل امرأة قابلتها في حياتي، وكذلك اكثر امرأة عصبية". مع الأيام، تحولت هذه العصبية الى قلق وخوف من انه قد يساء فهمها، خصوصاً اذا تطرق الحديث لاهتماماتها السياسية العامة. وتعتقد كريستي بأن الناس يريدونها ان تتحدث عن علاقتها بوارن بيتي، عن مرحلة الستينات، عن فيلم "دكتور زيفاغو"، عن عملها مع روبرت آلتمان وديفيد لين والآخرين. كأن الجمهور يضجر من الاستماع الى ما عدا ذلك. الا انها تتجنب الحديث عن الاشخاص، فهي صاحبة ذاكرة ضعيفة، وتخشى ان تطرح تعليقاً تندم عليه في اليوم الثاني. قد لا يصدق البعض موضوع ذاكرتها، وهي تعترف بعدم قدرتها على استعادة ذكريات طفولتها في الهند، حيث نشأت مع ابويها لمدة خمس سنوات. انها من النوع الذي ينسى الحوار الذي يجب ان تردده في ادوارها، ولا تتذكر ملابسات فوزها بالأوسكار العام 1965، الفوز الذي توّج نجوميتها المبكرة. "ببساطة لأنني لا اريد ذلك. لا اريد ان استعيد الماضي وأبكيه او احن اليه. لقد انتهى. ما تبقى منه، المشاعر لا الاحداث"... تفسر موقفها وتوضحه، فهي ببساطة لا تشبه الشخصية التي ادتها في "خفوت البريق"! انها نوع من البشر، يمحو الاشرطة ولا يستعرضها. لكن ماذا عن اهتماماتها السياسية التي اشرنا اليها؟ لقد سيّستها اميركا في الستينات، اولاً من خلال ارتباطها بالحركة النسوية "الفيمنيزم"، ثم من خلال الانضمام الى حركة حماية البيئة. تلك الفترة شهدت ايضا فترات اكتئابها "لأنك لا تعرف من انت تماما". الا ان سكنها مع اصدقاء في مزرعة تملكها في ويلز ببريطانيا انقذها من هذا الاحباط "عندما يكون لديك عدد كبير من الاصدقاء المساندين، فكأنك تعيش في دفء العائلة"... جولي كريستي الآن في السابعة والخمسين، لا تزال جميلة وجذابة، مع اشاعة انها اجرت عملية شدّ لوجهها. طرحت صحيفة "ديلي تلغراف" عليها هذا التعليق اخيراً، فابتسمت مؤكدة الاشاعة: شددت وجهي ناحية الفكين وتخلصت من الذقن المزدوجة. كان ذلك عندما كنت لا ازال اعيش في اميركا. هذا البلد الذي يبدو فيه الاشخاص الذين يكبرونك اصغر منك عمراً". الا انها لم تقدم على العملية التجميلية من اجل الادوار بحد ذاتها. فهي لا تزال تؤمن بأنها تملك حضوراً على الشاشة. هذا الحضور، اذا اعتمدت الممثلة فيه كلية على الجمال، فانها ستفقده حال هجرها الشباب. "انا الآن آخر من صمد من ممثلات في نفس عمري. ويجب ان يطلب مني الاستمرار اطول فترة ممكنة، بدل ان اتعرض للسلخ". ثم تكمل ردها: "لماذا يركز الناس على امور شكلية؟ اهتمت الصحافة بالثوب الذي ارتديته في حفل الاوسكار الاخير، اكثر مما اهتمت بالدور نفسه"... تقول بحرقة الممثلة التي انشغلت طوال حياتها بحقوق الانسان والبيئة، لأنها تريد ان تكون جزءاً فاعلاً من الجنس البشري، لا امرأة تكتفي بالتفرج على ما يحدث، واطلاق عبارات الأسف والحسرة. "اذا كان استغلال اسمي مفيدا في هذه الامور، لم لا اضعه؟" المرأة التي اعتادت ان تكون عضوة في العديد من الجمعيات واللجان باتت الآن اقل انشغالاً: "كبرت، وعليّ ان أترك الفرصة للآخرين". جولي كريستي سعيدة بأنها حققت نفسها، وقدمت انجازاً ملفتاً: "سعيدة كما لم اكن يوماً في حياتي. لكن الطريقة التي عشت فيها هذه الحياة، خارج مجال التمثيل، امر يخصني أنا وحدي". قالتها بابتسامة وحزم في آن