بلغ اجمالي انتاج السمك في العالم مستوى قياسياً العام الماضي. وهو متوفر للمستهلك في الدول الصناعية وأسعاره معقولة. لكن مؤسسة "وورلد ووتش"، اكدت، في تقرير نشرته اخيراً، ان الحقيقة غير ذلك، مشيرة الى وجود ازمة في الانتاج العالمي للسمك، وتراجع النوعيات الجيدة منه منذ عام 1970، فيما بلغت نسبة السمك ذي النوعية الادنى 73 في المئة من الزيادة في الصيد العالمي للسمك خلال الثمانينات. ولفتت الباحثة في مؤسسة "وورلد ووتش"، الناشطة من واشنطن آن بلات ماكغين، الى ان ممارسات أصحاب المسامك التجارية سبّبت تراجعاً في صيد السمك في 11 منطقة صيد من اصل 15 هي الأهم في العالم. كما اكدت ان المناطق الاربعة الباقية وهي شرق المحيط الهندي وشمال الاطلسي الشرقي وجنوب الاطلسي الغربي، وغرب وسط المحيط الهادئ، ستصل الى وضع يصبح فيه الصيد اكثر مما ينبغي ويشح السمك، اذا بقيت الامور على حالها. وشددت ماكغين على وجود بُعد شمالي - جنوبي مهم لهذه المشكلة. فنصف الصيد العالمي للسمك والذي تبلغ قيمته السنوية 52 بليون دولار، يصدّر من الدول النامية، في المقام الاول، الى الدول الصناعية. واصبحت تايلاند اكبر مصدّر للاسماك في العالم خصوصاً سمك التن والقريدس "من المزارع". ومن كبار المصدّرين كذلك الصين والتشيلي واندونيسيا. وتستهلك الدول الصناعية 40 في المئة من الانتاج العالمي للسمك خصوصاً السمك الباهظ الثمن مثل التن والقريدس والسلمون والحبار، فيما تستهلك الدول النامية، التي يقطنها ثلاثة ارباع سكان العالم، الباقي. وتخلص ماكغين الى ان بُعد الشمال مقابل الجنوب هو في الحقيقة المشكل الاساسي في هذه المسألة لأن غداء سكان العالم النامي يفتقر الى البروتين في مجمله. واوضح التقرير ان الشخص الواحد في العالم الصناعي يستهلك في المتوسط 9.27 كيلوغرام من السمك في السنة الواحدة، مايعني ان سكان العالم الصناعي يستهلكون ثلاثة اضعاف ما يستهلكه العالم النامي الذي تتراجع حصة الفرد فيه، في المتوسط الى 2.9 كيلوغرام في السنة. ووفق التقرير يحصل الشخص الواحد في الشرق الاوسط على ستة كيلوغرامات من السمك في السنة، ما يعني ان السمك يزوّده بأقل من عشرة في المئة مما يستهلكه هذا الشخص من البروتين الحيواني كله. وتبدي الدول الصناعية استعداداً لدفع اسعار مرتفعة بغية التوصل الى المسامك في نصف الكرة الجنوبي بسبب الاسراف في الصيد في النصف الشمالي. وتنجح الدول الصناعية في بلوغ مسامك العالم الجنوبي لأن عدداً كبيراً من الدول النامية يئن تحت ضغوط الديون الخارجية وارتباطه ببنود تسديدها من خلال اتفاقات تسمح بدخول صيادي الدول الصناعية الى المسامك الجنوبية، او من خلال تصدير السمك الجنوبي الى الدول الصناعية. وعلى سبيل المثال يبدي الاتحاد الاوروبي، منذ فترة من الزمن، استعداداً لدفع بدل لقاء السماح له بالصيد قرب شواطئ افريقيا. وفي صفقة عقدت في حزيران يونيو من 1996 وقّع الاتحاد الاوروبي اتفاقاً مع موريتانيا يسمح له بصيد ما قيمته 70 مليون دولار من السمك من مياه موريتانيا الاقليمية سنوياً. وبموجب هذا الاتفاق يحق للاوروبيين زيادة ما يصطادونه على طول 750 كيلومتراً من الساحل الموريتاني على نحو لا يستهان به "على رغم ان مسامك موريتانيا عانت في الماضي اسرافاً في الصيد خصوصاً لبعض انواع السمك". وتشير ماكغين الى ان "جمعية الصيادين المحليين" في موريتانيا و"جمعية الصيادين" في السنغال المجاور لموريتانيا احتجتا على الاتفاق، لكن حكومتي موريتانياوالسنغال تجاهلتا الاحتجاجات بسبب الضغوط المتأتية من ضرورة تسديد الديون الخارجية. وساهمت المزارع السمكية في التخفيف من ضغوط الطلب العالمي في السنوات الاخيرة. وبفضل تطورات طرأت اخيراً، مثل الهندسة الجينية وازدياد قوة المضادات للجراثيم وتسريع دورة الحياة الخاصة بالاسماك وجعلها اكثر عولاً، ازداد انتاج مزارع السمك ثلاثة اضعاف، من نحو سبعة ملايين طن عام 1984 الى 26 مليون طن عام 1996. وبات السمك "من المزارع السمكية يشكل خُمس السمك المستهلك عالمياً. ومن المنتظر ان يغطي السمك المربى في المزارع ربع الاستهلاك العالمي للسمك بحلول سنة 2000. ومن هذا المنطلق، سمى البنك الدولي زراعة السمك في عام 1995 "الخطوة العملاقة الآتية في انتاج المواد الغذائية". ويبدي الباحثون في "وورلد ووتش" حذراً حيال تشجيع زراعة السمك. فالنوعان الاكثر شعبية من السمك المزروع المربى هما السلمون والقريدس الجمبري وهما نوعان يتغذيان على الاسماك الاخرى وبكميات كبيرة.