أكد تقرير للبنك الدولي أن إنتاج الأسماك والتوسع فيه قد يكون مخرجاً مهماً لأزمة الغذاء في العالم. مشيراً إلى أن المزارع السمكية ستنتج نصف إمدادات العالم من الأسماك بحلول عام 2030م. يأتي ذلك في الوقت الذي أشار فيه الكتاب الإحصائي السنوي للمنظمة الدولية للأغذية والزراعة «فاو» عن عام 2013 إلى أن ثلاثة مليارات نسمة يعيشون في مناطق ريفية، وأن 2.5 مليار نسمة في تلك المناطق الريفية يوفرون بصعوبة الحد الأدنى من غذائهم. وبينما تنتج الدول النامية أكثر من 75% من المنتجات الزراعية في العالم، مازالت الزراعة بعيدة عن دورها المأمول في دعم اقتصاديات تلك الدول ونواتجها القومية الإجمالية. وخلال الفترة من 2010 – 2012 دلت الإحصاءات على أن أكثر من 870 مليون نسمة أو ما يعادل ثمن سكان العالم لا يتناولون ما يكفيهم من الغذاء لتغطية الحد الأدنى من الطاقة الغذائية التي تحتاجها أجسامهم. ويعيش 852 مليوناً من هؤلاء في الدول النامية، ويتوقع في غضون العقود الأربعة المقبلة أن يزيد تعداد سكان العالم مليارين آخرين ليصل إلى أكثر من تسعة مليارات نسمة بحول 2050م. ما يستلزم زيادة ناتج الزراعة في العالم بنسبة 60% مقارنة بالمستويات الراهنة. ووفقاً لإحصائيات الفاو، خصصت دول الاقتصاديات الناشئة في آسيا وشمال إفريقيا وأمريكا اللاتينية ميزانيات هائلة لتنمية القطاعات الزراعية لديها. ويقدر حجم الطاقة الغذائية المخصصة للفرد في الوقت الراهن بنحو ثلاثة آلاف كيلوكالوري يومياً. وتدريجياً، أصبحت هذه الاقتصادات تنزع إلى زيادة إنتاجها من القمح والشعير والأرز والسكر والزيوت النباتية واللحوم ومنتجات الألبان. وينتظر خلال العقود المقبلة أن ينخفض عبء سوء التغذية في معظم مناطق العالم، ولكن سوء الغذية لا يعني بالضرورة الجوع، بل الإفراط في تناول الطعام أيضاً. فمع تغير أنماط الاستهلاك والتحول نحو أساليب الحياة الأكثر استقراراً ستزيد أنماط أخرى من سوء التغذية سواء في البلدان المتقدمة أو النامية. حيث ينتظر أن تزيد معدلات الدهون المشبعة في الغذاء فضلاً عن السكر والملح، ما قد يتسبب في انتشار الأمراض المرتبطة بسوء الغذية نتيجة للاختلال في تحصيل السعرات الحرارية الأنسب للجسم. بحيث قد تنتشر فرص التعايش بين نقص التغذية والإفراط في الغذاء، ما يشكل خطراً مزدوجاً. وحتى الآن، لا ينتظر أن تتحقق مكاسب في القطاع الزراعي إلا من خلال تحسين تقنيات زراعة المحاصيل والتسميد والري. ويمكن تحقيق مزيد من المكاسب من خلال رفع متوسط إنتاجية المحاصيل والغلات المحتملة على غرار ما يحدث في الحقول التجريبية بالدول النامية. وتدل الإحصائيات على أن غالبية الأراضي الزراعية في الوقت الراهن لا تنتج أكثر من 30% من طاقتها الفعلية نتيجة لفقر البنى الأساسية للسوق وزيادة معدلات الهدر والخسائر. لكن الفاو حذرت في الوقت ذاته من اتباع تقنيات ضارة بالبيئة لتكثيف الإنتاج، وقرنت ذلك بتأثيرات سلبية عديدة كتلوث المياه الجوفية، وتآكل التربة وفقدان التنوع البيولوجي وانبعاثات الكربون. وأشارت إلى أن تطوير ونقل التكنولوجيا وحده لن يكفي لوقف الهدر والحد من الخسائر المرتبطة بالزراعة، بل يتمثل أيضاً في توفير الحوافز اللازمة للمزارعين وتأمين أسواق غنية للمدخلات الزراعية السليمة. ورغم تجاوز الطاقة الإنتاجية للزراعة العالمية معدلات النمو السكاني في العقود الأخيرة، بما أسهم في رفع نصيب الفرد من الطاقة الغذائية من 2200 كيلوكالوري للفرد إلى 3370 كيلوكالوري للفرد في المتوسط، فإن زيادة نصيب الفرد من الطاقة لا تعني بالضرورة تراجع معدلات الجوع. فالثابت أن قدرة الفقراء على شراء الغذاء مازالت تحول دون حصولهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم من الطعام. وهي مسألة ترتبط في الأساس بضعف أداء الاقتصادات النامية وتضاؤل فرص العمل التي تدرُّ دخولاً عالية. ويلاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت نمواً في إنتاج الحيوانات الحية، وأسهم في تعزيز هذا الاتجاه تزايد الاتجاه نحو التحول للنظام الغذائي النباتي وتراجع استهلاك الأغذية الحيوانية. ما زاد من طاقة العالم الإنتاجية من اللحوم والبيض والألبان. وتقدر تكلفة الجوع بالنسبة للدول النامية بنحو 450 مليار دولار سنوياً، ورغم التراجع الإجمالي في عدد ناقصي التغذية على المستوى العالمي، فإن تفاوت معدلات التقدم بين الأقاليم أدى إلى تغيرات في توزيع ناقصي التغذية في العالم، الذين مازال غالبيتهم يعيشون في جنوبي وشرقي آسيا وشمال إفريقيا، وبخاصة جنوب الصحراء الكبرى. فيما سجلت المعدلات تراجعاً من 32.7% إلى 24.8% خلال العقدين الماضيين. البنك الدولي من جانبه كشف عن أنه بحلول عام 2030 سيكون ما يقرب من ثلثي الأطعمة البحرية التي نتناولها من إنتاج مزارع الأسماك. ومع بلوغ مصادر مصائد الأسماك الطبيعية الحد الأقصى من الإنتاج، ستساعد المزارع السمكية -أو مزارع الأحياء المائية- على تلبية الحاجة العالمية المتزايدة للأسماك والأطعمة البحرية. وتوقع البنك أن يأتي 62% من الأطعمة البحرية التي تقدم على الموائد من المزارع السمكية التي ستزيد من إنتاجها لتلبية الطلب المتنامي، خاصة من آسيا، حيث سيُستهلك ما يقرب من 70% من الأسماك. وفي عام 2030 ستصبح الطبقة المتوسطة الصاعدة في الصين بشكل خاص سوقاً ضخمة للأسماك. ويتوقع التقرير أنه مع تزايد الاستثمار في المزارع السمكية ستنتج الصين 37% من أسماك العالم، وستستهلك 38% من إجمالي استهلاك العالم من الأسماك. ومع اقتراب تعداد سكان العالم من تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050، ستكون هناك حاجة لمزيد من الطعام والوظائف – وهو ما سيساعد نمو المزارع السمكية على تلبيته، لكنها تحتاج إلى التحلي بالمسؤولية. لكن ثمة سلبيات تجتاح تلك المزارع السمكية، من أبرزها تفشي الأوبئة في مزارع الربيان بالصين وتايلند وفييتنام، وفي مزارع السلمون في شيلي، ما يعكس بعض التحديات التي تواجه هذه الصناعة. إلا أن نمو المزارع السمكية يتيح للبلدان الفرصة أيضاً لتوسيع نطاق تربية الأسماك وتحسينها لكي تستمر وتكون مسؤولة من الناحية البيئية. ويتزامن ذلك مع إفراط في الصيد غير المسؤول في مصائد الأسماك الطبيعية، وفي المزارع السمكية، مع وجود جملة مشكلات أخرى تُسهم في إلحاق أضرار بالغة بإنتاج الأسماك. وثمة فرصة هائلة سانحة أمام البلدان النامية المستعدة للاستثمار في تحسين إدارة المصائد والمزارع السمكية المستدامة بيئياً. وأضحت المزارع السمكية جزءاً أساساً من حل أزمة الأمن الغذائي العالمي. ومن المتوقع أن تحسن صناعة المزارع السمكية ممارساتها اتساقاً مع توقعاتها من الأسواق للأطعمة البحرية التي تنتج بطريقة مستدامة ومسؤولة. وأصبح عديد من البلدان تعمل على مساعدة مجتمعاتها المحلية على تحسين طريقة إنتاجها الأسماك، حرصاً على الاستفادة من المزايا الاقتصادية والبيئية للمزارع السمكية المستدامة، لكن ثمة حاجة إلى بذل كثير من الجهد لتحسين طرق ممارسة تربية الأحياء المائية، وهو ما يبدو ممكناً في حال تدخل البنك الدولي بمساعدة البلدان النامية في جهودها لإدارة إنتاجها السمكي بشكل مستدام من خلال حلول مبتكرة وفعالة تلائم كل بلد على حدة. ويرتبط الأمن الغذائي بمجموعة من المعايير التي تحدد مستوى تحققه. ومن ذلك: