في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    صينيون يطوّرون نموذج ذكاء اصطناعي لأغراض عسكرية    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    "الأرصاد": أمطار على منطقة المدينة المنورة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    ضمك يتعادل إيجابياً مع الرياض في دوري روشن للمحترفين    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    تن هاج يشكر جماهير مانشستر يونايتد بعد إقالته    الهلال يكتب رقم جديد في تاريخ كرة القدم السعودية    الخليج يتغلب على الرائد برباعية في دوري روشن للمحترفين    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    سعدون حمود للقدساويين: لا تنسوا أهدافي    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    الدفاع المدني: استمرار الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى الاثنين القادم    ضبط إثيوبي في جازان لترويجه (3,742) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل سفارة جمهورية كوريا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    المملكة تحقق المرتبة 12 عالميًا في إنفاق السياح الدوليين للعام 2023    مجلس السلامة والصحة المهنية يؤكد عدم صحة ما تم تداوله حول ظروف العمل بالمملكة    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    ما الأفضل للتحكم بالسكري    عن نشر الكتاب: شؤون وشجون    نقص الصوديوم في الدم يزداد مع ارتفاع الحرارة    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    الأنساق التاريخية والثقافية    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    رحلة في عقل الناخب الأميركي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    عن فخ نجومية المثقف    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شينوا إتشيبي واجه الاستعمار وأدواته الافريقية
نشر في الحياة يوم 07 - 04 - 2013

توفي الكاتب النيجيري الكبير شينوا إتشيبي قبل أيام في أحد مستشفيات مدينة بوسطن الأميركية، بعد أن علّم الآداب في جامعاتها، وكان يتنقل على كرسي متحرك، بعد إصابته بالشلل إثر حادث في العام 1990. هنا قراءة في عالم هذا الروائي الذي يحتل موقع الصدارة في الادب الافريقي والعالمي.
ولد شينوا – ويكتب تشينوا أحياناً – في العام 1930 في قرية «أوجيندي» الواقعة في شرق الإقليم الأوسط من نيجيريا، ويعود في أصوله إلى «قبائل الإيبو» المنتشرة في وسط البلاد وجنوبها. تعلّم في نيجيريا وحصل على شهادة جامعية من إحدى جامعاتها، ثم تابع تخصصه في لندن بتقنيات الإذاعة، وعين في عام 1961 مديراً لإذاعة صوت نيجيريا، ثم انتقل للتعليم في جامعة ماساشوسيتس الأميركية، وعلّم في غيرها من جامعات في الولايات المتحدة، أي أنه خبر - واختبر وعايش - المجتمعات الغربية وثقافاتها؛ ومع ذلك، فإنه بقي متحصناً بثقافته الإفريقية، خصوصاً بما في هذه الثقافة من إيجابيات، ولم يتحول إلى تابع، أو سمسار، أو وكيل في بلاده للثقافة الغربية.
ذكر في حوار معه أن الكاتب الإفريقي الخلاق الذي يحاول تجنب القضايا الاجتماعية والسياسية الكبيرة في إفريقيا المعاصرة، سينتهي به الأمر إلى أن تكون كتاباته أشبه بدخان في الهواء. لذلك دان الاستعمار وممارساته، والمبشرين الدينيين في بلاده، وبيّن سلبيات أو مساوئ ما فعلوه وارتكبوه في بلاده، وفي غيرها من بلدان إفريقيا؛ إلا أنه تابع في رواياته التي تلت روايته الأولى «الأشياء تتداعى» التي صدرت في العام 1958، نقد ممارسات أبناء بلاده الذين حكموا وتحكموا في البلاد والناس، بعد نيل الاستقلال من المستعمر، وتابعوا أساليب النهب والسلب، ودان تفشي الرشوة والمحسوبية والقمع والديكتاتورية ومصادرة الحريات. كما دان الحروب الأهلية التي قامت بين الشمال والجنوب النيجيريين، ونقدها فنياً – حرب بيافرا بين عامي 1967 و1970.
أصدر بعد روايته «الأشياء تتداعى» التي لفتت الأنظار إليه، الروايات الآتية: «مضى عهد الراحة» (1960)، «سهم الرب» (1964)، «رجل الشعب» (1966)، ثم توقف عن كتابة الروايات لمدة تزيد عن عشرين عاماً، بعد نشوب الحرب الأهلية في بلاده. وذكر حينها «أن ليس هذا وقت كتابة الرواية، الظروف الحالية تفرض عليّ أن أقول ما أريد بإيجاز شديد، في مقالة أو قصيدة أو قصة قصيرة». وكان كتب قصصاً للأطفال في تلك الفترة. ثم صدرت له رواية «كثبان السهل» عام 1987، وترجمت إلى العربية في عام 2002 تحت عنوان «كثبان النمل في السافانا»، ثم صدرت له رواية «الوطن والمنفى» في عام 2001، كرر فيها اعتقاده «بأن المثقفين الغربيين يهمشون إفريقيا وأبناءها» على ما ذكرت مودي بيطار في «الحياة» (21/6/2007).
«أفضل كتبي»
ما يجدر ذكره أن رواية «الأشياء تتداعى» لا تزال بين أكثر الروايات قراءة في العالم، نظراً لإدراجها في البرامج التعليمية في الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية والإفريقية، وترجمت إلى نحو خمسين لغة، وباعت نحو عشرة ملايين نسخة. وقد منحت المؤسسات الثقافية في ألمانيا جائزة لأتشيبي عن مجمل أعماله في عام 2002. ومنحت لجنة تحكيم «مان بوكر» العالمية البريطانية الجائزة لأتشيبي في عام 2006، وتبلغ قيمتها نحو 60 ألف جنيه استرليني.
ذكرت رئيسة لجنة تحكيم الجائزة «أن إتشيبي دشن الأدب الإفريقي الحديث، وأضاء طريق الكتّاب الذين يبحثون عن أشكال جديدة لمجتمعات ووقائع مختلفة». وذكر إتشيبي عن روايته «الأشياء تتداعى» أنها «من أفضل كتبي» فماذا جاء في الرواية؟:
تنقسم الرواية وفق ترجمتها العربية إلى جزءين في نحو من 163 صفحة. الجزء الأول منها والذي يبلغ عدد صفحاته نحو مئة صفحة، يسرد فيه «الراوي» ويتابع بإلحاح توثيقي فني مكونات بيئة قبلية إفريقية، وحوادث معينة وقعت في بعض قراها، وما حدث مع بعض شخصياتها.
صحيح أن همّ الكاتب كان التسجيل والتوثيق لعادات وتقاليد وطقوس ومعتقدات وأعراف في مجتمعه القبلي؛ إلا أن ذلك تم من خلال بنية روائية فنية، أدخلت القارئ في أجواء وملامح جديدة عليه، فيها متابعة ملحّة ونابهة لمكونات ذلك المجتمع. وذلك من خلال شخصيات روائية عمل الكاتب على رسم تكويناتها بعناية، وكانت تعالج قضاياها ومشاكلها بروية، تعتمد على حكمة مستقاة من خبرات تراكمت عبر الأجيال، وعلى أمثال وأقوال ناتجة من تجارب غنية وعميقة في الحياة اكتنزتها الأجيال وتوارثتها من الآباء والأجداد.
كان همّ الكاتب التوثيق لمجتمع متضامن ومتساوق ومتآلف مع بيئته وعاداته وتقاليده، وخاضع لها، وقلما كان أحد يخالفها؛ وإلا فإن الإجراءات العقابية كانت ستطبق عليه من دون هوادة. لذلك حشد مجموعة من الحوادث – طبعاً ضمن السياق الروائي الفني – التي تبين كيف كان ذلك المجتمع يتعاطى مع نتائجها ومترتباتها، ويعالجها ويسيّرها وفق طقوسه وأعرافه المستكينة والمتداولة منذ مئات السنين.
زلزال المستعمر
سجل الكاتب ووثق حوادث معينة بإيجابياتها وسلبياتها، إلى أن جاء المستعمر بقواته العسكرية وأسلحته الحديثة، وثقافته وقوانينه المستغربة والغريبة على مجتمع تقليدي، لم يتدرج في التعامل معها. كما جاء المبشرون الدينيون البيض الذين استظلوا واحتموا بحراب المستعمر، وأخذوا معاً في تحطيم مكونات ذلك المجتمع – في الجزء الثاني وفي الثلث الأخير من الرواية – ونفدوا في البداية من سلبيات البنيان التقليدي القائم، ووسعوا الشقوق، خصوصاً أنهم استعانوا ووظفوا بعض الأفراد المحليين المتضررين، أو الذين ينحازون دائماً إلى السلطة الأقوى الحاكمة والمتحكمة بمجريات الأمور والمقاليد. ثم نفذ المبشرون بالدين الجديد، إلى بعض المتضررين من تطبيقات الأعراف والتقاليد، وبعض السلبيات المترتبة من مكونات وتطبيقات الديانات التقليدية القائمة، ثم بدأت «الأشياء تتداعى»، وأخذ المجتمع الممسوك يمر بتغييرات متسارعة تخالف الأعراف والتقاليد، وتخالف الديانة التقليدية أيضاً.
ولأن الكاتب كان منحازاً في الأساس إلى قضايا شعبه، فقد تابع فنياً رصد أو تسجيل المراحل التي تلت خروج المستعمر بعد انتفاضات وثورات عدة في البلاد، واستلام «النخب الوطنية» الإدارة والحكم في رواياته اللاحقة، والتي لم تخل من نقد قاس وشديد لمباذل هذه «الطبقة» التي تسلمت السلطة بعد خروج المستعمر، وورثت الكثير من ممارساته المعطلة والتخريبية، وزادت عليها الكثير من تقنيات العصر وتطوراتها القمعية والديكتاتورية، والنهب والسلب لخيرات المجتمع.
علاوة على كل هذا، فإن إتشيبي كان دائم النقد والتبرم من «نمذجة إفريقيا» لدى بعض كتاب الغرب، ووضعها في قوالب التوحش أو التخلف أو الدونية بالإجمال. من هنا توجيهه نقداً مريراً لجوزيف كونراد – كاتب إنكليزي من أصول بولندية - في روايته «قلب الظلام»، إذ ذكر في مقالة له «أن كونراد يعرض صورة لإفريقيا باعتبارها (عالم الآخر) أي نقيض أوروبا، وبالتالي نقيض الحضارة». وأضاف: «إن كونراد لم يبتكر صورة إفريقيا التي نراها في كتبه، فهي كانت صورة إفريقيا المهيمنة على الخيال الغربي». كما أنه لم يوفر في نقده الكاتب نايبول الإنكليزي الهندي الأصل، الذي ذكر عنه في العام 1985 أنه «كاتب لامع، باع نفسه للغرب، وذات يوم سيكافأ بجائزة نوبل أو غيرها»... وفعلا فإن نبوءة إتشيبي صدقت ومنح نيبول الجائزة في العام 2001.
من الكلمات التي قيلت عن الكاتب الراحل تشينوا إتشيبي، ذكر الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما أن «إتشيبي أحد أعمدة الأدب الإفريقي». أما الكاتب النيجيري الحائز جائزة نوبل وول سوينكا، فقال في بيان مشترك مع الشاعر جون بيير كلارك: «لقد خسرنا أخاً وزميلاً، لقد كان رجل حداثة ومقاتلاً شجاعاً». وذكرت الكاتبة الجنوب إفريقية نادين غورديمير - 89 سنة وحائزة جائزة نوبل – بعد نيل إتشيبي جائزة مان بوكر في 2006: «إن أتشيبي تغلب مراراً على خطر القتل والتشهير السياسي والمنفى والإصابة الجسدية»، وعلقت بعد وفاته: «لم يكن كاتباً عظيماً فحسب، أشعر بالصدمة بسبب رحيله، كان كاتباً له قراء كثر، وإنسانياً».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.