حمل "الجيش الشعبي لتحرير السودان" بقيادة العقيد جون قرنق بعنف على منظمات الاغاثة العاملة في جنوب السودان الذي يعاني مجاعة واتهمها بالعجز والفساد وإهدار أموال المساعدات الإنسانية والتدخل في السياسة وتلقي بعض مسؤوليها عمولات. فيما دافعت المديرة العامة لمنظمة رعاية الطفولة يونيسيف التابعة للأمم المتحدة كارول بيلامي عن عملية "شريان الحياة" الدولية في الجنوب، وأكدت أنها ستحقق في "اتهامات يدعمها دليل". وجاءت اتهامات المتمردين الجنوبيين الحادة بعد أيام من انتقادات وجهها إليهم مسؤولون في مجال الاغاثة، ركزت على أن المتمردين يستأثرون بالمساعدات الإنسانية للمدنيين ويفرضون ضرائب على أعمال الاغاثة. وأوضح مسؤول الاعلام في "الجيش الشعبي" جون لوك في بيان تلقت "الحياة" نسخة عنه أمس ان حركته "قلقة لسوء إدارة أعمال الاغاثة التي تديرها يونيسيف وعملية شريان الحياة وعدم فاعليتها، وتعتبر أن هذا الأمر يستدعي تصحيحاً عاجلاً". وأضاف ان "سوء الإدارة وعدم الفاعلية أديا إلى عدم الاستفادة الفعالة من الموارد التي وفرها المجتمع الدول والمحسنون". وأشار خصوصاً إلى "الحجم الكبير للبيروقراطية التي تدير الأعمال الإنسانية، إذ أن عملية شريان الحياة والمنظمات غير الحكومية العاملة معها تقيم معسكرات باهظة التكاليف في الجنوب تستنزف أيضاً جزءاً مهماً من شحنات الاغاثة الجوية الدولية". وأوضح لوك أن "40 في المئة من طاقة الشحنات الجوية الإنسانية تخصص للخدمات المتعلقة بمعسكرات العاملين في مجال الاغاثة، على رغم ان عددهم قليل جداً"، مقارنة بالمتضررين من المجاعة الذين يقدر عددهم بنحو 2،1 مليون شخص في الجنوب. وأشار إلى أن نسبة 1،5 في المئة فقط من الطاقة الاستيعابية لرحلات الاغاثة الجوية تخصص للبذور والأدوات الزراعية ومعدات صيد السمك اللازمة لمساعدة السكان في الاعتماد على أنفسهم. وأشار إلى ان معسكر لوكوشيكو شمال كينيا المخصص للعاملين في مجال الاغاثة يستنزف "3 ملايين دولار سنوياً" من موازنة الأعمال الإنسانية. ولاحظ "التناقض الفاضح في كون العاملين الإنسانيين المتخصصين في حفر آبار المياه وتوفير المياه يجلبون المياه الخاصة بشربهم على متن طائرات، مما يخفض حجم المعونات التي ترسل على متن هذه الطائرات". وقال إن "مياه الشرب لموظفي عملية شريان الحياة ترسل على حساب البذور والأدوات الضرورية والمواد الغذائية للسكان". وتساءل: "هل يمكننا القول إن المياه التي يوفرها هؤلاء صالحة فعلاً لاستهلاك السكان إذا كانوا هم انفسهم لا يرضون شربها؟". وقال إن "ترحيل الرمال والحجارة بالطائرات إلى السودان أمر أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه لا يمكن تفسيره". لكن لوك لم يوضح الاستخدامات الخاصة بهذه الرمال والحجارة. الفساد وتحدث لوك مطولاً عن "الفساد المنتشر الذي يستدعي تحقيقاً عاجلاً من المانحين والمستفيدين". وقال إن "أسعار مواد الاغاثة تشترى بأسعار مضاعفة حتى يحصل مسؤولو الاغاثة على عمولات". وضرب مثلاً ب "أدوات تصليحية ومعدات منقذة للحياة اشتريت بثلاثة أضعاف أسعارها الحقيقية في الأسواق. وان 50 في المئة من هذه الأسعار المضخمة يذهب إلى جيوب بعض العاملين في شريان الحياة في شكل عمولات. لذلك لم يكن مستغرباً أن لا تظهر نتائج النداء الإنساني لاغاثة المتضررين في الجنوب النتائج المطلوبة. وللأسف فإن يونيسيف وعملية شريان الحياة اختارتا صرف الأنظار في اتجاه الخوض في السياسة بدل معالجة هذه المشاكل". وأضاف ان حركته "تدين أسلوب الكيل بمكيالين الذي تطبقه المنظمات الإنسانية في إدارتها لأعمال الاغاثة، إذ أنها تعطي مواد الاغاثة للحكومة لتوزيعها على النازحين في الخرطوم ... في حين تتولى التوزيع بنفسها في المناطق الخاضعة للجيش الشعبي". واتهم لوك عملية "شريان الحياة" التابعة للأمم المتحدة التي تعمل في إطارها المنظمات الإنسانية غير الحكومية و"يونيسيف"، "تقود حملة إعلامية مركزة لصرف الأنظار عن عجزها باتهام الجيش الشعبي" بالاستيلاء على مواد الاغاثة لإطعام جنوده. واعتبر ان منظمات الاغاثة "تضامنت مع الحكومة في الضغط من أجل تحقيق وقف شامل لاطلاق النار من دون حل المشكلة". وأشار إلى أن هذه المنظمات تضغط حالياً من أجل وقف دائم لاطلاق النار وتوسيع نطاقه. ونفى بشدة أن تكون حركته "حولت الغذاء من المدنيين إلى مصلحتها، والانطباع الذي حاولت يونيسيف وعملية شريان الحياة ان تعطيه بأنها تهتم أكثر منا بشعبنا غير موفق وبلا أساس وليس صحيحاً ومستنكر". وختم بأن "دور الحركة هو قيادة الدعوة إلى تحقيق تطلعات ومصالح شعبنا وتحديد أولوياته. ونحن ندعو جميع الخيرين الذين يرغبون في المساعدة إلى القيام بذلك في شراكة وتعاون مع شعبنا ومؤسساته". وردت بيلامي الأميركية الجنسية أمس أ ب، على اتهامات قالت إنها استمعت إليها أثناء زيارتها لمناطق "الجيش الشعبي" في جنوب السودان الأسبوع الماضي قائلة: "اعتقد اننا نتعامل مع هذه الاتهامات بجدية، لكنني لم أتلق حتى الآن معلومات تدعمها، خصوصاً الاتهامات بالفساد". وأوضحت بيلامي، التي كانت تتحدث في نيويورك، أنها تتفهم انتقادات تحدثت عن تأخر لكشف حجم المعاناة في جنوب السودان. وقالت إن "العملية الإنسانية في الجنوب ضخمة جداً ومتعددة الأوجه ومن الطبيعي أن ننظر في جعلها أكثر فاعلية". وقالت المسؤولة الدولية إن إقامة مركز لأعمال الاغاثة في مدينة الأبيض في جنوب السودان ستساعد في خفض تكاليف العملية. نداء جديد في غضون ذلك رويترز، وجه برنامج الغذاء العالمي نداء عاجلاً يطلب فيه من مانحي المعونة زيادة تمويل توسيع مشاريعه لغوث ضحايا الحرب والجفاف في السودان. وقالت كاترين بيرتيني، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي: "سنحتاج إلى مساعدات كثيرة من مانحي المعونة، إذا قدر لنا ان نحول دون انتشار المجاعة في السودان". وأضافت في بيان أول من أمس: "اطلب إلى مانحي المعونة البحث عن أي وسيلة لمساعدتنا في انقاذ هؤلاء الناس". وأوضح برنامج الغذاء العالمي أن هذا النداء يأتي بينما تتفاقم الكارثة، خصوصاً في الجزء الجنوبي من البلاد الشاسعة مع تحرك أعداد كبيرة من الناس بحثاً عن الغذاء والأمان. وأضاف ان الحاجات العاجلة للغذاء وصلت إلى 129 ألف طن مقارنة مع تقديراته في نيسان ابريل الماضي التي بلغت نحو 82 ألف طن. ونتيجة لذلك ناشد البرنامج مانحي المعونة تقديم معونات غذائية قيمتها 5،154 مليون دولار لتغطية عملياته حتى نيسان 1999.