بيروت - أ ف ب - في مفارقة ملفتة، يواجه لبنان منذ ثلاثة أعوام وفي خضم عملية اعادة الاعمار بعد الحرب، أزمة في قطاع العقارات: فهناك الكثير من الابنية الباهظة الاسعار التي لا تلبي حاجات الناس الفعلية. ولخص أحد الخبراء الوضع بقوله أن العروض غالية وتخضع للمضاربات، في حين أن الطلب نادر وقروض الاسكان غير كافية. وقال الاقتصادي مروان اسكندر لوكالة "فرانس برس" "إن مساحة المساكن التي تم بناؤها بين عامي 1992 و1997 تضاهي المساحة التي تم بناؤها خلال 30 عاما 1961 - 1990 اي نحو 111 مليون متر مربع". واضاف ان "عدد المنازل غير المباعة بسبب الوثبة التي شهدها قطاع العقارات ارتفع ليبلغ وفق الاخصائيين 80 الف مسكن تقدر قيمتها ب 7 بلايين دولار". واشارت أرقام رسمية نشرتها الادارة المركزية للاحصاءات مطلع الشهر الجاري الى ان في لبنان 200 ألف وحدة سكنية شاغرة. واكد المحلل الاقتصادي في "بنك عودة" في المرتبة الثالثة بين المصارف الخاصة في لبنان مروان بركات ان رخص البناء وكميات الاسمنت المباعة التي وصلت الى ذروتها عام 1995 33 مليون متر مربع و4 ملايين طن انخفضت عام 1997 لتبلغ 11 مليون متر مربع و6.3 مليون طن، ما يدل على حاجة فعلية. ولفت بركات، استنادا الى ارقام رسمية، الى أن عدد المباني التي دمرت او لحقت بها اضرار خلال الحرب 1975 - 1990 يبلغ 121 ألف مبنى منها 86 ألف مبنى سكني، مشيراً الى أن البنك الدولي قدر بان لبنان يحتاج حتى سنة 2005 إلى 500 ألف مسكن لتلبية الطلب السنوي المقدر ب 35 ألف وحدة سكنية. ولتلبية هذه الحاجة، تم تشييد الابنية في مختلف ارجاء بيروت وتم قطع الاشجار من ضواحيها ومن الجبال لتأمين مساحات واسعة للبناء بطريقة فوضوية في غالب الاحيان. وقال هيرفيه دوبون احد مسؤولي شركة "سوليدير" الشركة اللبنانية لاعادة اعمار وتطوير وسط بيروت التجاري لوكالة "فرانس برس" "ان المقاولين عمدوا الى البناء من دون دراسة حاجات السوق الفعلية بسبب رهانهم على عودة اللبنانيين المقيمين في الخارج بكثرة وعلى عودة رعايا دول الخليج فور استتباب السلام". واعتبر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة ان من عوامل اشتداد الازمة "التفاوت بين العرض الذي فضل بناء منازل كبيرة فخمة والطلب الذي يتمحور حول منازل اكثر تواضعا واقل كلفة". وانتقد رئيس نقابة المقاولين فؤاد الخازن "الذين شيدوا منازل فخمة في مناطق شعبية متجاهلين بقوة حاجات الطبقة المتوسطة". ويراوح سعر المتر المبني في ضواحي بيروت بين 600 والف دولار فيما يتضاعف سعر المتر المبني في المناطق الفخمة مرتين وحتى ثلاث مرات. ويرى الخبراء ان الاسعار انخفضت منذ عام 1995 بمعدل 30 في المئة لكن هامش الربح لا يزال يفوق 100 في المئة. وقد شهدت سوق العقارات أخيراً بعض النشاط بسبب تقديم المصارف قروضا سكنية بفوائد اقل ارتفاعا من الفوائد الباهظة التي كانت منذ 4 أعوام 14 - 15 في المئة. فحتى عام 1994 كانت ثلاثة مصارف فقط تعطي قروضا سكنية لا تتعدى قيمة الواحد منها 200 ألف دولار. اما الآن فان 16 مصرفا يقدمون قروضا سكنية منها 10 مصارف اعطاها البنك الدولي ما مجموعه 175 مليون دولار من اجل برامج مساعدة الاسكان. ولمواجهة هذه الازمة، انشأت الدولة "المؤسسة العامة للاسكان" التي وضعت مشروعا لتقديم قروض قيمة الواحد منها 35 ألف دولار بفوائد اقل ب 5.1 في المئة من الفوائد المطروحة في السوق 12 في المئة. ولا تؤثر الازمة التي يواجهها قطاع العقارات جديا على المصارف، اذ ان نسبة استثماراتها في هذا القطاع لا تتعدى 20 في المئة من مجمل رؤوس اموالها المستثمرة.