يقدر أحد كبار الخبراء العاملين في مجال الاحصاء المدني والاقتصادي في لبنان حجم الاستثمارات السنوية التي يتعين توظيفها في قطاع العقار السكني بنحو بليون دولار يقتضيها السعي الى بناء 35 الف شقة تكفي لاستيعاب الطلب المحلي. وتعاني سوق العقار السكني في لبنان في اختلالات هيكيلية ادى اليها، على مدى سنوات الحرب والفترة التي اعقب انتهاءها، غياب اي تنظيم حقيقي او توجيه فعلي للمستثمرين الذين كانوا يرون في مجال الانشاءات العقارية السبيل الامثل لتوظيف اموالهم خلال ربع القرن الماضي. وتشير الاحصاءات التي اعدتها "دائرة الاحصاء المركزي" العام الماضي الى ان لبنان بحاجة حالياً الى اكثر من 100 ألف شقة لاسباب عدة: بينها رغبة الافراد في تغيير شققهم او شراء مسكن جديد او الحصول على بيت سنوي موسمي للاصطياف. كما تشير الدراسة، التي اعتبرت اول مسح شامل للبنان، الى ان عدد الشقق المتاحة يراوح بين 140 الفاً و145 الف شقة تتوزع بين فارغ او قيد الانشاء. وقال ل "الحياة" الدكتور بشاره حنا، المتخصص في الدراسات الاستهلاكية في لبنان منذ 1984، ويساهم منذ 11 عاماً في اصدار ثلاث نشرات شهرية موجهة للمشتركين وتتعلق ب "كلفة المعيشة" و"الاكلاف الطبية" و"اكلاف البناء"، ان تلبية الطلب امر غير سهل لأن السيولة غير متوافرة بين ايدي الناس وما توافر منها لا يكفي لسدّ الفراغ القائم. واشار الى ان عدم التوزان بين العرض والطلب في مجال الملكية العقارية السكنية ادى الى اعطاء دفعة لسوق الايجار التي بدأت تشهد نمواً مع اقبال المستثمرين على اقامة مبانٍ تحوي شققاً صغيرة ومتوسطة القيمة مخصصة للايجار منوهاً الى ان "هذه الظاهرة تتركز في شكل خاص خارج بيروت نظراً الى ارتفاع اسعار الارض والايجارات عموماً في العاصمة اللبنانية". وقال المدير العام ل "شركة ترابة سبلين" نقولا نحاس "ان السوق اللبنانية تمرّ بدورات، مثلها في ذلك، مثل باقي الاسواق الحرة في العالم مؤكداً ان عام 1995 كان عام الذروة حينما ارتفع الطلب في وقت ازداد حجم العقار المعروض من دون ان يكون هناك توازن بينهما". واضاف: "ان السبب في هذا الخلل يعود الى كون البناء والعقار المطروح لم يكن متنوعاً بما يكفي لملاءمة جميع الاذواق بل كان مشابهاً في اغلبه يضم كثيراً من العقارات من الفئة الفخمة وقليلاً من الفئة المتوسطة وقدراً محدوداً من الفئة الشعبية وكثيراً من الابنية المعدّة للمكاتب". واشار الى ان السياسة الاسكانية في لبنان لم تتبلور في شكل ثابت سواء بواسطة قانون الايجارات او قانون التسليف السكني او ضمانات القروض السكنية او عبر مصرف الاسكان او مؤسسة الاسكان. واكد ان هذا الامر ساهم في عدم تسييل العقار المعروض نظراً الى عدم تناسب الطلب والعرض "بمعنى ان الطلب في القطاع السكني لذوي الدخل المتوسط والمتدني كبير الا ان العرض المتاح محدود للغاية بينما الطلب على السكن الفخم والمكاتب والمباني الادارية قائم الا انه ليس على قدر العرض". وكانت الحكومة اللبنانية اعلنت في 23 ايار مايو الماضي مشروعاً للاقراض السكني عبر "المؤسسة العامة للاسكان" و"جمعية مصارف لبنان" يقضي بالمساهمة في تمويل 20 ألف وحدة سكنية على مدى عشر سنوات. ولا يسمح المشروع، الذي اعلن قبل بدء الانتخابات البلدية، بحلّ المشكلة السكنية التي يعاني منها لبنان، على عكس ما اعلنه المسؤولون المحليون، اذ ان عملية بناء الفي وحدة سكنية سترصد الحكومة 100 مليون دولار لتمويلها سنوياً لن تسمح بتلبية اكثر من ستة في المئة تقريباً من حجم الطلب على العقار السكني. واشار حنا الى ان الدولة اللبنانية بدأت ايضاً تلزيم عشرة آلاف شقة سكنية في جميع المناطق على ان تخصص للطبقات الشعبية، منوهاً بتولي تعاونيات ضخمة تقف وراءها المؤسسات الدينية عملية بناء وتأمين عقار سكني للفئات ذات الدخل المتدني "ومن بينها مشروع بدأته مؤسسة دينية اخيراً لبناء الف شقة في احدى مناطق جبل لبنان". وحذر الخبير اللبناني من خطورة استمرار سوق العقار السكني على حالها مؤكداً انه "من مصلحة جميع العاملين في مجال الاستثمار العقاري تسييل العقارات المجمدة حالياً والا فانهم معرضون الى خسارة في وقت بدأت فيه السوق تتحول الى طريق ثانية حيث يتم بناء شقق شعبية متوسطة وصغيرة الحجم يجري عرضها للبيع او تأجيرها بينما لا تجد الشقق الفارغة مشترين لها". ونبّه الى ان "طبيعة الطلب في المجتمع اللبناني لم تعد تتلاءم مع فئات البناء القائم لأن الاهتمام كان منصباً سابقاً على تشييد مساكن فخمة او معدة للفئات المتوسطة "لكن مع فقدان الطبقة المتوسطة قدرتها الشرائية وبدء تلاشي هذه الطبقة بسبب الضائقة الاقتصادية كان من الطبيعي ان تتحول السوق الى الشقق الصغيرة الحجم". عقارات مجمدة بقيمة 7 بلايين دولار وقدر السيد حنا حجم العقارات السكنية المجمدة في لبنان بنحو سبعة بلايين دولار. لكن خسارة اصحابها تبقى محدودة "نظراً الى كون اغلبهم غطى اكلاف استثماراته والقروض التي حصل عليها من المصارف من خلال بيع جزء من المباني والعقارات التي شيّدها وتركت الشقق الباقية فارغة لبيعها لاحقاً ريما تتحرك السوق نحو الاعلى". وعن تقديراته الخاصة بعدد الشقق التي يحتاجها لبنان سنوياً قال انها تستند الى متوسط تكوين الأسر التي تنمو كل عام. واضاف "عام 1970 حينما كان عدد سكان لبنان 2.2 مليون نسمة كان عدد الأُسر التي تُبنى سنوياً يصل الى 20 ألف اسرة، بينما عدد السكان اليوم، بما في ذلك المقيمون في شكل دائم فوق الاراضي اللبنانية، يدور في محيط اربعة ملايين مما يعني ان عدد الاسر الجديدة التي ستكون بحاجة الى سكن دائم سيراوح بين 35 الفاً و40 ألفا اسرة". واعتبر ان اتجاهات الطلب ستؤدي الى ايصال متوسط سعر الشقق الى 35 الف دولار او 40 الف دولار للشقة الواحدة على ان تشكل قيمة الانتاج والارباح والزيادات التي يضيفها المستثمر على اكلافه الاساسية نسبة 40 الى 50 في المئة من حجم الاستثمار الاصلي "وهو ما يعني ان حدود الاستثمارات ستكون في محيط بليون دولار وسعر الشراء في محيط 1.5 بليون دولار سنوياً لتحقيق توازن بين العرض والطلب". وقال السيد نحاس من جهته ان "اختلال العرض والطلب ادى، ليس الى انكماش السوق، بل الى فترة نقاهة بانتظار ان يحدث فعلاً تصحيح للفائض قبل ان ينطلق القطاع العقاري نحو آفاق جديدة وهذا يقتضي اعطاء افق وارضية ثابتة لكل المؤسسات الاسكانية".