الزواج الثالث لنيلسون مانديلا أعلن في عيد الميلاد الثمانين للزعيم الجنوب افريقي. إبراهيم الضاهر يتناول المناسبة. يوم السبت 18 تموز يوليو 1998 احتفل رئيس دولة جنوب افريقيا نيلسون مانديلا بزواجه من غراسا ميشيل أرملة رئيس موزامبيق الراحل سيمورا ميشيل في إطار احتفاله بعيد ميلاده الثمانين، أما العروس ففي الثانية والخمسين، لكنها متحفظة بتقاطيع تنبئ عن جمال كان وعن أناقة باقية. عقد القران بين الاثنين اقتصر على عشرين شخصاً من المقربين على رأسهم نائب مانديلا وخليفته، ثابو امبيكي وزوجته زيناني. أما حفلة الزفاف فحضرها ألفان بينهم رئيس تنزانيا السابق جوليوس نيريري، ورئيس زامبيا السابق كينيث كاوندا، ومايكل جاكسون وستيفن وندر، فضلاً على زوجة مانديلا الثانية ويني ماديكليزا. وخرجت صحف جوهانسبورغ يوم الأحد 19 تمو 1998 حافلة ومحتفلة بالمناسبة السعيدة، ناشرة الصورة التاريخية لزواج بطل الحرية في جنوب افريقيا، وأول رئيس أسود لها. لكن الصدمة بإتمام اجراءات الزواج لم تأت لزوجة مانديلا الثانية، بل إلى مأمن مانديلا، قريته وقبيلته في قونو في مديرية الكيب الشرقية حيث عبر رئيس القبيلة عن صدمته لعدم اخطار مانديلا لهم بعزمه على الزواج، كما قال ثيليدومو ميترارا، رئيس قبيلة ثيمبو. كلفت حفلة العصر، كما قالت صحيفة "الانديبندنت" ثمانين ألف راند، أي حوالى اثني عشر ألفاً وخمسئة دولار، وهو مبلغ زهيد في سبيل سعادة زوجية ينشدها مانديلا ويشتهيها ويتمناها. ولم يستكثرها عليه شعبه أو أصدقاؤه من أمثال القس دوزموند توتو، لكن الأخير، على الأقل، علق قبل عام ويزيد معبراً عن عدم رضاه بالعلاقة العاطفية العلنية بين مانديلا وغراسا، من دون عقد زواج، لأنها تعطي الاشارة الخطأ من رجل جنوب افريقيا الأول للأجيال المقبلة، لهذا كان أسعد الناس بأن الرجل العجوز "ربط الصامولة" في عيد ميلاده الثمانين واستعدل البوصلة!! وعلى رغم أن عقد القران تم في الكنيسة مع عدد محدد من الحضور وعلى يد القدس موفمي داندالا، إلا أن توتو شاركه في الطقوس الدينية، فيما خرج نائب الرئيس ليعلن للناس النبأ السار بعد أن شهد وزوجته على وثيقة الزواج ووقفا إلى جانبه، وهم يقسم أمام القس: "أنا نيلسون، اقبلك يا غراسا زوجة لي، اقتنيها واتمسك بها منذ اليوم، في حالة الأفضل والأسوأ، في حالة الفقر والغنى في المرض والعافية، أحبك وأرعاك حتى يفرق بيننا الموت". فمن هي هذه المرأة التي ملكت قلب مانديلا وجعلته في الثمانين من عمره يتزوج بها؟ ترى هل كان يخطر في بال مانديلا أو زوجته آنذاك ويني، يوم أرسلا برقية عزاء إلى غراسا عندما فقدت زوجها سيمورا ميشيل في 1986، قبل أربع سنوات من اطلاق سراح مانديلا، انهما سيفترقان وأن مانديلا سيتزوج من غراسا؟ سبب السؤال هو رد غراسا على رسالة التعزية، الذي حمل إشارات عاطفية واضحة: "في كل حديقة هناك دائماً زهرة واحدة أزهى وأجمل من الاخريات، ورسالة التعزية التي تلقيتتها منك منكما كانت تلك الزهرة في الحديقة العظيمة من الرسائل والتعازي التي تلقيتها...". هذه المرأة التي احتفظت، وهي تتخطى الخمسين، بمعظم نضارة شبابها، كأنما كانت تقرأ الغيب، فهي تزوجت مناضلاً افريقيا هو سيمورا ميشيل، والآن تزوجت مناضلاً افريقياً جسوراً آخر، هو نيلسون مانديلا. وربما حصل ذلك لأن المرأة تمثل بعضاً من النضال الافريقي، مثقفة شرسة ذات شخصية قوية، استخدمت كل ذكائها عندما فاحت رائحة علاقتها العاطفية بمانديلا، وضبطهما المصورون في باريس في أيلول سبتمبر 1996 يسيران معاً يداً في يد. فحتى آخر لحظة قبل اعلان زواجها المفاجئ بمانديلا، كانت لا تنكر أنها تحب مانديلا، لكنها لن تتزوجه، فيكفي أنها في العام الماضي فقط صرحت لوكالة "رويترز" أنها تنتمي لموازمبيق وبأنها ستظل أبداً زوجة سيمورا ميشيل، كما أنها حددت قطعاً أنها ترغب أن تسمى "مدام ميشيل" لأن تلك هي الطريقة الوحيدة التي احتفظ ذكراه حية". ولا غرابة أن تقول غراسا مثل هذا الكلام، وهي التي أعلنت الحداد على زوجها الراحل والتزمت به طيلة خمس سنوات كاملة. ولأن مانديلا دخل تجربتي زواج من قبل، فلا بد أن ما قاله دوزموند توتو وجد صدى في نفس غراسا، إذ قال إن فشل زيجتي مانديلا السابقتين سببهما التوتر السياسي وقضاء قرابة ثلاثة حقب في السجن، وزاد على ذلك علناً بأن غراسا جعلت من مانديلا بزواجها منه، رجلاً يفرض احترامه، فتلك السيدة المولودة في 17 تشرين الأول اكتوبر 1945 تلقت تعليمها في لشبونة في أواخر الستينات، وتخصصت في اللغات الحديثة، ثم ارتحلت إلى تنزانيا لتتلقى تدريباً عسكرياً يمكنها من المشاركة في محاربة الاستعمار البرتغالي في بلادها، لذلك صارت وزيرة دولة في أول حكومة انتقالية في 1974 - 1975، ثم وزيرة التعليم والثقافة لمدة أربعة عشر عاماً وكانت خلالها المرأة الوحيدة في مجلس الوزراء الموزامبيقي! والسيدة غراسا، كما يتذكر رئيس تحرير صحيفة موزامبيقية هو كارلوس كاردوسو ركالس، واجهت زوجها الراحل، سيمورا ميشيل في اجتماع لاتحاد نساء جبهة "الفرليمو"، في 1980، بأن الجبهة علمت النساء المواجهة، واتهمته بأنه يتدخل أكثر من اللازم في شؤون المرأة، وأن ذلك ليس من حقه. لكن المرأة نفسها قالت للصحافيين بعد زواجها من مانديلا: "... إنه رجل من السهل جداً أن تحبه"!... ويبدو ان ذلك صحيحاً لأن كل الصحف، بما فيها جريدة الافريكانا "بيلد" هنأت مانديلا قائلة: "ماديبا"، وهو اسم مانديلا الشعبي، دعنا نتمنى لك الصحة، والثراء والسعادة ومثل ذلك الحب. تلك هي السيدة فماذا عن السيد؟ طلق زوجته الأولى ايفلين التي شكت من أن مانديلا يمضي معظم وقته في الشأن السياسي، ولذلك افترقا في 1955، وبعد خمس سنوات تزوج من ويني التي قال عنها مانديلا في كتابه الشهير "الرحلة الطويلة للحرية": "في اللحظة التي رأيتها فيها ايقنت اني أريدها لتكون زوجتي". ولد نيسلون مانديلا في 18 تموز 1918 وفصل عام 1940 من الجامعة لاشتراكه في إضراب طلابي، وفي 1944 انشأ مع رفيق دربه اوليفر ثامبو، اتحاد شباب حزب المؤتمر الوطني الافريقي، وفي 1956 تم اعتقاله بتهمة الخيانة العظمى، وفي 1961 أصبح قائد "حرية الأمة"، وهي القوات التي بدأت النضال المسلح ضد التمييز العنصري، وهرب بعد عام واحد إلى الجزائر لتلقي تدريب عسكري ليعود في 1963 ليحاكم بتهمة الهروب غير القانوني من البلاد، وحكم بخمس سنوات سجناً. أما في 12 حزيران يونيو 1964 فقد حكم مع سبعة من زملائه بالسجن المؤبد وتم اطلاق سراحه في 1990 ليصبح بعد أربع سنوات أول رئيس أسود لجنوب افريقيا