مرّةً، لم يَبْقَ حرفٌ في الأبجدية إلا سَخَرَ مني، ذلك أنّني كنتُ دائماً، أسألُ الثورةَ عن الوقت، وأسأل عن الثورة، قتلاها. وكان بين شفتيَّ بوقٌ يغرّد لها ولهم. * مرّةً، ارْتَطَم جبيني ببابِ الغيب - كنتُ أقرأ تاريخ كوكبٍ مَنْفيٍّ، هارب. نعم بعض الكواكب، كمثل البشر، تعرِف الهربَ، وتعرف المنفى. هذا الكوكبُ ضخمٌ، يتكوّنُ من الغاز، و"يعيش" في مَنْفى، بعيداً عن منظومته الكوكبية. وليس له اسمٌ، وإنّما يُعرف بهذه الحروف TMR-IC. وهو أول كوكب، خارج المنظومة الشمسية، يُشاهَدُ مباشرةً بفضل آلة تصويرٍ للأشعة تحت الحمراء في التلّسكوب الفضائي هُوبْل Huble. وقد اكتُشِفَ مصادفةً، بينما كان بعض علماء الفلك الاميركيون يدرسون صوراً للكواكب الفتيّة في مجموعةِ النجوم التي تُحيط بكاهلِ الثَّوْر! فقد لاحظوا على صورةٍ لكوكبين متجاورين نقطةً مضيئةً، أقلَّ إضاءة بعشرة آلاف مرّة من شمسنا، غير أنّها شاحبة بحيث لا يمكن ان تكون نجمةً عادية. إنها، إذن، نجمةٌ خارقة أو أعجوبة! وهكذا وصفوها بأنها نموذجٌ كوكبيّ أول، بحجم جوبيتير حوالي ثلاث مرّات، قُذِفت في الفراغ الفضائي على بعد أكثر من مِئتي مليار من الكيلومترات من هذين الكوكبين المتجاوريْن! والبرهان هو أن هنالكَ خيطاً من الغاز يمتدّ من الغشاء الغازيّ لِلنجوم حتى هذه النجمة القاتمة، كمثل الأثر الذي يتركه سير السفينة، وهو هنا أثرُ كوكبٍ هاربٍ لكي يعيش في المنْفى، أو أثَرٌ لهربٍ - أُعجوبة!. * مرّةً، أخذتُ عطلةً من سيّد غُباري، لكي أتفرّغ لِقراءة الوَساوسِ التي تَشغلُ الريح. * مرّةً، نَصبْتُ فَخّاً للغيم - كنت أقرأ خبراً عن عملية جراحية للقلب تمّت، للمرة الأولى، بيدٍ غير إنسانية: يد الآلة! تَتحرّك هذه اليد بوساطة دماغٍ غير إنساني، هو كذلك: دماغٍ إلكتروني. لهذه الآلة ذراعان طبعاً، في طرَف كل منهما آلة جراحية خاصة، تمتاز بأنها دقيقة جداً، وتضيّق الحزَّةَ التي يتركها المِشْرَط. وهي إذن أقل إيلاماً. وقلتُ هوذا إنسانٌ آليٌّ يمكن ان نصفه بأنه طبيبٌ جرّاح! هذه العملية تمّت، للمرة الأولى، في فرنسا، كما يقول الخبر. * مرّةً، التقينا - الطبيعة وأنا، الآلَةُ وأنا، التاريخ وأنا، وتبادَلْنا وثائِقَ أَحْلافِنا. * مرّةً، نام المنطقُ بين يديَّ، مُتّكئاً على عُكّازٍ مكسور. وكان الشعر يَسهَرُ، راقصاً مع كيمياء الأشياء. * مرّةً، مات عندنا رجلٌ، فقال أصدقاؤه: نزلت نجمةٌ الى قبره، وأخذته إلى بيتها. * مرّةً، صرختُ: أيّها العقل، لماذا أُخِذْتَ بثيابِ الكواكب، ونسيتَ أجسادهنّ؟ * مرّةً، في طفولتي - حَوّلتُ حصَى النهر في قريتنا إلى رُفُوفٍ صغيرة أَسْتَقْرِئ في جَرْسِها بُكاءَ الينابيع. * مرّةً، قَدّمتُ طَلَب انتسابٍ إلى رابطةِ الموج، وَالتَمسْتُ نَوْرَساً لكي يُعرّفَ بي. * مرّةً، نظرتُ فَشُُبِّهَ لي أَنَّ السّماءَ تَغْلي وتَفُورُ وتكادُ أن تحترقَ في مَطْبخ عُشّاقِها. * مرّةً، لكي أُحْسِنَ رؤيةَ الغيب، لامَسْتُ وجهَه بِوَرْدةِ المادّة