الحضور كثيف هذه السنة للدورة الرابعة من مهرجان الفيلم العربي في باريس الذي يقيمه معهد العالم العربي باشراف ماجدة واصف. 13 فيلماً روائياً طويلاً في المسابقة انتجت في العام الماضي ومطلع هذا العام هي كل ما وفرته السينما العربية من أعمال جيدة باستثناء ما عرض في محافل أخرى أو نسمع أنه لا يزال تحت التنفيذ عوض أن يكون الرقم مضاعفاً. كوستا غافراس "زد"، "هانا ك."، "مفقود" الخ... هو رئيس الشرف للدورة والمخرج الجزائري احمد راشدي هو رئيس لجنة التحكيم، ومعه في مهمة اختيار الفيلم الفائز في مجال الافلام الروائية قصيرة وطويلة كل من الممثلة اللبنانية نضال الأشقر والكاتب المغربي محمد برادة والمخرج المصري محمد خان والمخرج التونسي فريد بوغدير والمنتج الفرنسي جاك بيدو والموسيقار الفرنسي جورج موستاكي. مسابقة السينما الوثائقية والتسجيلية يرأس لجنة تحكيمها المخرجة الجزائرية يمينا بنجيجي وتضم من العرب المخرج العراقي الذي يعمل ويعيش في المانيا قيس الزبيدي والمخرج المصري مجدي عبدالرحمن. فيلم الافتتاح شهد اقبالاً حاشداً واعجاباً شاملاً وهو "بيروت الغربية" للبناني زياد دويري الذي شوهد في مهرجان "كان" الأخير ضمن تظاهرة "نصف شهر المخرجين": الدويري يسرد حيزاً من حياته في مطلع سنوات الحرب فيرينا استغلال المناسبة للمشاغبة العاطفية بينما يعيش والداه أزمة اتخاذ القرار بالبقاء أو الهجرة. الفيلم جيد الحرفة ويميل الى التناول المخفف لوقع الحرب بمهارة، لكن كتابته كانت تتطلب حواراً أعمق وأجدى وأقل تكراراً. من لبنان ايضاً الفيلم الوثائقي الجديد لمحمد سويد "نصيب". انتاج مشترك بين تلفزيون لبنان وشركة Le Cirtef البلجيكية. في 13 دقيقة ينسج المخرج والناقد المعروف عملاً حانياً لا يفتقر الى ما تتميز به أفلام سويد عادة من روحانيات. جدّه السوري الذي هاجر الى لبنان ليعمل في صنع آلات العود وجدته اللبنانية التي التقت معه، خيطان يتماوجان مع تفاصيل حياة متناثرة يجدها سويد مثيرة لاهتمامه وتتبدى على الشاشة بايحاء وان كان الفيلم يمر أخف وقعاً مما يجب. ذاكرة حزينة يرميها المخرج صوب الحياة التي ولت. فيلم مصري عنوانه "أحلام في العلالي" من انتاج التلفزيون المصري عنون نفسه بعبارة "دراما تسجيلية"، لكنه في الواقع ليس دراما وليس تسجيلاً بل هدر لفكرة كان يمكن أن تنجز أفضل لو أن المخرج ابتعد عن كل تلك الاستخدامات المألوفة كحركة "الزوم" والموسيقى المهرجة والأغاني التي علينا أن نسمعها طويلاً والتكرار كما لو أن الفيلم من انتاج شركة اسطوانات بالتعاقد مع وكالة البلح. قصة صبي يريد من والده أن يعلمه فن تسلق شجر النخيل وقطف البلح، لكن أياه يطلب منه الاهتمام بدروسه. بعد تطويل يقدم الصبي على ما علمنا أنه سيقدم عليه منذ البداية: يسرق العدة ويصعد النخلة بنفسه. عندما يصل قريباً من البلح، يقطع المخرج لقطات للأعناق المشرأبة نحوه. ويقطع عليه مجدداً ونجد الصبي في منتصف تسلقه في لزوم التطويل والمعاناة. روائياً، الفيلم اللبناني الأول للمخرجة دانييل عربيد عنوانه "ردم" ولادة لسينمائية على قدر كبير من الذكاء والمهارة. انه فيلم قصير من 17 دقيقة يتابع فتاة تبحث عن صور لبيت عائلتها الذي هدمته الحرب. وتجد الصورة التي لا نراها فتمزقها. المشاعر تمر تحتية والصامت منها أفضل من المنطوق. كأي سينمائي بموهبة لامعة تبلور الآنسة عربيد عملاً جيداً بتاريخ زمني كامل من عمر الحرب والسنوات التي تلتها في تلك الدقائق اليسيرة.