مقتل المطرب الوناس معطوب كاد أن يتسبّب في نزاع عربي - بربري مفتوح، ينضاف الى النزاع العسكري - الأصولي الذي يستنزف البلد ويقضي عليه. فمعطوب، الذي ارتبط غناؤه ولحنه باللغة الأمازيغية، كما سبق أن تعرض ذات مرة للخطف، تحول رمزاً ثقافياً لجماعة حريصة على أن تبقى جماعةً، وأن تبقى لها لغة ورموز. وهذا حقها. لكن هذا الحق لم يتعرّض للانتقاص بقتل المغني فحسب، بل أيضاً بإصدار القانون المجمد منذ 1991 والقاضي باستخدام العربية وحدها في الدوائر الرسمية والادارات. والحال أن ما من أحد اعترض على استخدام العربية، لكن الاعتراض هو على الطابع الحصري الذي ينمّ عن نزعة تسلطية مخيفة بمقدار ما هي مُلغية للآخر. فاللغة لا تُفرض فرضاً في أيامنا هذه، على ما فعل الفرنسيون قبل قرن ونيف، فيما كان الزمن يومها يسمح بذلك. وأية مسخرة يبدو عليها القرار حين تأمر شعباً يتكلم لغةً ما بأن لا يعتمدها في شؤونه الادارية، علماً أن الأنظمة الاستبدادية تميل أحياناً الى تقديم تنازلات لغوية من أجل أن تتجنب التنازل السياسي. ولا نأتي بجديد إذ نذكّر بسوابق تدل على أن التعاطي مع البربر وثقافتهم لا يجوز له أن يكون على هذه الطريقة. فقد سبق لحسين آيت أحمد، وهو أحد أقطاب الثورة الجزائرية، أن تمرد على سلطة أحمد بن بيلا حين حاولت المسّ بأمازيغية الأمازيغ. وفي 1980 تمردت تيزي أوزو ضد سلطة هواري بومدين لسبب مشابه. ثم أننا اليوم، في الزمن الذي يصفه كثيرون بيقظة الهويات الثقافية، لا يمكن الا أن ندعو الى تفهّم مثل هذه اليقظة عند البربر، وأن نتمنى انحصارها في الثقافة لئلا تمتد الى السياسة فتُمعن في تجزيء الجزائر المجزأة أصلاً. وفي هذا المعنى يبدو خطيراً أن الأمازيغ اتهموا السلطة بما فعله الأصوليون، كأنهم لم يفصلوا بين قتل الفنان واصدار القانون، أو كأنهم وحّدوا "العدو" بأن نظروا اليه نظرةً لا تميز بين أطرافه. وهذه من أكثر علامات النزاع الأهلي شؤماً. بيد أن النهج الأخرق للسلطة العسكرية وهي، بالمناسبة، وبفعل صلتها بمنطقة الشاوية، بربرية اثنياً وعربية إيديولوجياً بوصف العروبة "عقيدة السلطة"، ما كان ليمر من دون محاسبة: فهذا النهج في التراجع أمام الأصوليين في الحيز الثقافي، ومن كيس الآخرين، مقابل اعتماد الحل الأمني الأوحد معهم، نهجٌ غدا قديماً بقدر ما غدت نتائجه معروفة: امداد الحرب مع الأصولية بوقود جديد لأن الهدايا الثقافية لا تكفيها في ظل التضييق السياسي والأمني، واطلاق حرب أخرى مع البربر الذين يُنتهَكون في آخر ما يملكونه. فما يُزعم أنه سيُوحّد عن طريق السياسة يُصار الى تفكيكه وبعثرته عن طريق الثقافة. وتحت الرايات الخفّاقة للوحدة، لا تعود تخفق على الأرض الا حروب الالغاء والطرد والاستبعاد... ومعها سؤالنا البريء الدائم: ألسنا نحن، العرب، والبربر أبناء عم متداخلي الأنساب، ألسنا نحن والأكراد أبناء عم وحّد بيننا الجد الأعلى صلاح الدين؟ وفيما نحن نتسلى بالدم، يتأكد كم أن من أهم شروط الانخراط في العولمة، أي في العصر، اجادة اللغات واجادة العدد الأكبر منها، لا سيما اللغات الأوروبية... اللهم الا اذا خلنا أن ما نخسره على جبهة المعاصَرة نعوّضه على جبهات الهويات المتناحرة، التي لا تقبل أي منها أن تعيش الا على جثة الأخرى.