عندما تتحدث فرنسا - شيراك بلسان سورية الرافضة أي نقاش لسيادتها على الجولان في مقابل السلام، وبلسان لبنان الذي يصر على رفض أي شرط إسرائيلي لتطبيق القرار 425، تكون زيارة الرئيس حافظ الأسد لباريس حققت نجاحاً. وهي حققت ذلك بالفعل، ليس فقط لأن الثوابت اللبنانية - السورية في الجولان والجنوب باتت في قاموس الثوابت لدى الاليزيه، بل لأن كلام شيراك أمام ضيفه يعطي أكثر من مؤشر إلى أن الرئيس الفرنسي عازم على بدء تحرك لكسر الجمود على المسارين اللبناني والسوري. وتحذير الأسد من حروب في المنطقة، الذي عكس تشاؤماً بحال الاحتقان المستمرة منذ وصول نتانياهو إلى الحكم، وباحتمالات تفجر أزمة كبيرة، ربما كان اقنع باريس بأهمية بدء التحرك ولو خارج المبادرة الفرنسية - المصرية التي بدت كأنها نقطة الخلاف الوحيدة بين شراك والأسد، حليفه الجديد. وعلى رغم ان الرئيس السوري ترك مجالاً للمرونة الديبلوماسية ب "الانفتاح على أي مبادرات جديدة" لتحقيق السلام، فإنه لمح إلى قلة حظوظ المبادرة المصرية - الفرنسية. و"الفشل" بالتالي يحتم تحركاً من نوع آخر، ما دامت سورية متمسكة ب "ثوابتها". الزيارة مكّنت دمشق من تكريس مظلة فرنسية لمواقفها في المنطقة، بعدما اقتنعت بأن كلينتون في ولايته الثانية لن يمارس أياً من أنواع الضغط على نتانياهو، وبأن الأخير هو الذي نجح في ممارسة الابتزاز مع الإدارة الأميركية... ولم يعد مجال لرهان خاسر على تأييد واشنطن تحريك المسار السوري من حيث جُمِد. وإذا كان شيراك سعى من خلال توقيع عقد "الشراكة الاستراتيجية" مع سورية إلى أن يتوج عودة الحضور الفرنسي إلى الشرق الأوسط من البوابة السورية، فإن دمشق بدت بهذا العقد راغبة في تحصين البوابة ونافذتها اللبنانية للصمود في وجه متغيرات أو أزمات قد تنفجر في المنطقة. وقد لا يسقط من حسابات دمشق أن نتانياهو ربما استغل العجز الأميركي لافتعال حرب وفرض شروطه: السلام والأرض لإسرائيل. وفي حساب المتغيرات أيضاً أن اللوبي اليهودي في أميركا لن يمانع في تأييد "استراتيجية" أميركية جديدة على ثلاثة خطوط: تطبيع مع إيران، تغيير في العراق، حرب في الشرق الأوسط لفرض السلام الإسرائيلي. من باريس أكدت سورية أنها لن تبدأ الحرب، وما دام نتانياهو ليس مستعداً لدفع "ثمن" للمفاوضات، يبقى البديل الآخر، وبديل ثانٍ كافتعال تفجيرات في الداخل. وكالعادة لبنان مرشح ليكون مسرح البداية: للحرب من الجنوب، ولمحاولات الاختراق والتفجير من الوسط إلى الشمال. فهل المظلة الفرنسية قادرة على تحصين الساحة اللبنانية، وكذلك الثوابت السورية في السلام ولبنان؟ لا بد من اختبار، وإن كانت تجربة "المبادرة" الأميركية لتحريك المسار الفلسطيني لا توحي بأي أمل لتحرك فرنسي مع إسرائيل - نتانياهو التي تصر على اسقاط القرار 425 بالضمانات الأمنية، وما زالت أبعد ما تكون عن مجرد الاعتراف بمبدأ انسحاب من الجولان. أهي مصادفة كشف شبكتي التجسس والتخريب في لبنان؟ والخطة الأميركية "السرية" لإطاحة الرئيس صدام حسين؟ واعلان سورية أنها لن تبدأ الحرب مع إسرائيل؟... وتحذيرات الرئيس حسني مبارك من موجة عنف وارهاب تصل إلى أميركا؟