من صور، مدينة الارجوان، رحلت أليسا الملكة الفينيقية بعدما اختلفت على المُلك مع أخيها، الى تونس ابحاراً، وبنت هناك مدينة قرطاج وتربعت ملكة على عرشها. وأمس تجسد المشهد نفسه، في افتتاح مهرجان صور، في مسرحية عبدالحليم كركلا "أليسا ملكة قرطاج" التي بدت وليدة البارحة وكأنها تعرض للمرة الأولى. وهو عرضها الأول على أي حال في مكانها التاريخي نفسه في احضان الملعب الروماني القديم وعلى المدرج الأثري الذي كان يحاكي الراقصين المتماهين في حركاتهم وأدائهم مع سحر الاضاءة وبهرجة الألوان وزخرفتها واشكالها وراحوا يؤدّون رقصات الحزن والفرح والبطولة مجسّدين احداث التاريخ. والمسرح اقيم على طرف الميدان الروماني الذي تحيط به قناطر شاهقة وتبلغ مساحته 40 ألف م2 صنفته منظمة الأونيسكو العام 1984 مرفقاً من المرافق التراثية العالمية وتلفه مدرجات اثرية لم يبق منها الا أجزاء قليلة وبعض الأعمدة الضخمة المتناثرة في أرجائه والتي اتقنت انارتها في ليل المهرجان فزادت المكان عراقة وجمالاً. وفي المسرحية التي جسّدت بالرقص والموسيقى والغناء سلسلة من المشاهد الجميلة برزت بينها لوحة المركب الفينيقي ماخراً بحر صور. وقد سحر بشكله التراثي وألوانه أنظار المشاهدين فعلا تصفيقهم وهتافهم، وصعدت اليسا على متنه ولوّحت بيدها وكلها حزن فيما جاء أخوها وحاشيته يرقصون فرحين بنصرهم. وتصل أليسا الى تونس فيرتفع غناءٌ مغربي وتنزل فيؤذن لها بامتلاك مساحة من الأرض بمساحة جلد نقلته معها ففطنت للأمر، وأشارت الى ذويها بأن يقص الجلد كحبل حول مساحة كبيرة فأعطيت هذه المساحة وبنت قرطاج وحلت ملكة عليها. ثم ينتقل كركلا الى الأجواء اللبنانية، ممهّداً لها بصوت الشاعر سعيد عقل ويلقي قصيدة تحاكي العز والمجد ويدخل الراقصون في الدبكة اللبنانية والرقص الفولكلوري على ايقاع الطبل والمزمار.