كتاب نقولا ناصيف "جوزف مغيزل : سيرة النضال والحب" عن دار مختارات في بيروت يخط نمطاً في كتابة السيرة يحتاجه لبنان، البلد الأكثر سرعة في الاحداث والاكثر نسياناً لها. ومع الكتاب يتبين ان سيرة الشخص لا تنفصل عن سيرة المجتمع، وبهما معاً يمكن كتابة التاريخ الحيّ، لا التاريخ الذي عرفه اللبنانيون دافعاً الأحداث الى الغموض، اذ يزيدها عمومية ويعزلها عن البشر وتجاربهم، كما عن الاحالات المتعددة للحدث الواحد. جوزف مغيزل الكتائبي فالقومي العربي فالشهابي فالديموقراطي فداعية حقوق الانسان، رجل يرحل في التيارات السياسية طالباً نجاح التجربة اللبنانية وفتح الأبواب بين الجماعات، وهو اذ يترك تياراً الى آخر، لا يرذل الأول بل يحفظ ايجابياته ويبرر الترك بعدم التلاؤم مع طموحاته وقناعاته. ويبدو جوزف مغيزل في مواقعه المتغيرة مستنداً الى صفة ثابتة فيه هي المحامي، فالمحاماة مهنته، لكنها أيضاً سمة شخصيته الدالة الى الحقيقة والمدافعة عنها والمتمسكة بالايجابية ناحية البراءة في شخصية الفرد وشخصية الجماعة. جوزف مغيزل، المحامي، في حياته الشخصية والسياسية والمهنية وفي نشاطاته الفكرية والنادوية، نموذج جيل شبّ في انطلاقة الاستقلال فأرادها نقطة لبدء التعرف الى لبنان كله وبنائه وإظهار المشترك في تراثه ومزاج جماعاته. في هذا الهاجس كانت رحلة مغيزل في الأفكار والتيارات، رحلة المجرب الشجاع، ولكن المسالم الذي يدل علناً الى الخطأ لكنه يغفر لأن المغفرة في أساس تربيته وثقافته الديموقراطية: يقول كلمته عالياً ويمشي بعد ان يسمعها الآخرون. واللافت لبنانياً وعربياً في الكتابة هو تجربة جوزف مغيزل في حزب الكتائب اللبنانية التي استمرت ما بين عامي 1994 و1957، فنقولا ناصيف يرسم سيرة الرجل من ضمن نماذج كانت تتطلب من الكتائب دوراً مفتوحاً على سائر المناطق والجماعات كمعادل حيوي للدولة الناشئة وكلاعب نشط في احياء المجتمع. وربما الكتاب هو الأول من نوعه الذي يشير الى نماذج كتائبية مثقفة تأثرت بالشخصانية أو بالليبرالية أو بالماركسية أو بالعروبة. وهجست بالانفتاح لبنانياً وعربياً ودولياً، معظمهم انتهى الى مغادرة الحزب وآخرهم موريس الجميل قبيل أيام من موته خطيباً على منبر المجلس النيابي. نقولا ناصيف يقدم هدية تنفع قارئ تاريخ لبنان الحديث، وربما تنفع كاتب الرواية اللبنانية التي لا تزال غائبة على رغم جهود كثيرين، خصوصاً مع دقائق الحياة الشخصية لجوزف ولور مغيزل، ومع نماذج تصلح للاستخدام الروائي مثل عبيد عيسى الماركسي الكتائبي الفرنكوفوني الذي انتهى قتيل نزاعات العائلات التقليدية في قريته وفي عزّ الشباب.