يتبوأ المسجد مكانة متميزة في تاريخ المغرب ليس لأنه فضاء لأداء الشعائر الدينية فحسب، أو لأن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب كانت دول دعوة، ولكن لأن المسجد ارتبط بالحياة الثقافية والفكرية منذ تأسيس جامع القرويين في منتصف القرن الثالث الهجري في مدينة فاس والذي، بقدر ما يعتبر من أقدم مساجد المغرب، هو أقدم جامعة في العالم الإسلامي. واذا كان المرابطون قد أبدعوا في انشاء القلاع وتأسيس الحصون خصوصاً على يد يوسف ابن تاشفين آسر الملك الشاعر المعتمد ابن عباد دفين اغمات، فإن الموحدين قد بلغوا شأواً لا يُدانى في تأسيس المساجد وخصوصاً على يد يعقوب المنصور الموحّدي مؤسّس الرباط حاضرة المغرب. فإلى اليوم لا تزال المساجد التي بناها هذا السلطان العظيم قائمة تتحدّى العصور وتقهر الأحداث على غرار مسجد حسان في الرباط، والكتبية في مراكش، والخيرالدا في الأندلس التي امتد اليها أيضا نفوذ الموحدين. وإذا كان المعمار في عهد المرينيين قد حافظ على ضخامة البناء كما عند الموحدين، فالواقع أنه أضاف اليه فن النقش على الخشب. هذا ما يتجلى في مدارس فاس وسلا التي بناها السلطان أبو الحسن المريني، والجامع الكبير في تازة، ومسجد أبي يعقوب المريني في مدينة وجدة شرق المغرب، والتي احتفلت أخيراً بالذكرى الألفية لتأسيسها. وفي عهد السعديين بدأ الفن المعماري يعتمد على النقش على الحجر، ولا تزال بعض مآثرهم القائمة تشهد بذلك، على غرار قبور السعديين ومساجد المواسين، والقصبة وباب دكالة، في مدينة مراكش. وحافظ المعمار في عهد العلويين على مسحات من فنون الدول السابقة، وتجلت فيه رقة بلاد الأندلس وجماليتها، وصلابة الأسلوب المرابطي، وقد تكون الحصون ومدرسة الشراطين التي بناها مولاي رشيد في فاس، والقصور التي بناها مولاي اسماعيل في مكناس خير شاهد على ذلك. بعض أشهر مساجد المغرب - جامع القرويين: شُرع في بنائه في رمضان 245 ه، ذلك ان محمد بن عبدالله الفهري الذي استقر في فاس قادماً من القرويين انجب فتاتين هما فاطمة ام البنين ومريم، وبعد وفاته ورثت الفتاتان مالاً كثيراً عن أبيهما، فشرعت فاطمة في بناء جامع عدوة القرويين، ومريم في بناء جامع الأندلس، ومنذ سنة 307 ه حتى الآن لم تنقطع خطبة الجمعة في هذا المسجد العامر. وقد بنى المظفر بن ابي عامر منبره عام 388 من عود الابنوس، حيث خطب عليه الى ايام علي بن يوسف بن تاشفين الذي بنى له منبراً جديداً من عود الصندل والابنوس والنارنج والعناب وعظم العاج، وذلك على حد ما ذكر صاحب "زهرة الآس في بناء مدينة فاس" علي الجزنائي. ومنذ سنة 750ه يحتوي الجامع على خزانة اسسها ابو عنان المريني وجهّزها بالكتب. وللجامع 18 باباً و300 سارية و130 ثريا من النحاس، ويحتوي على تحفة نادرة هي الساعة المائية التي صنعها الموقت ابن الحباك في العهد المريني، والتي كان العاهل المغربي قد أمر باستصلاحها وتشغيلها من جديد على يد خبراء اجانب استقدموا من دول اوروبية لهذا الغرض. - جامع الأندلس: شرع في بنائه في مدينة فاس عام 245 بمال أوقفته عليه مريم بنت محمد بن عبدالله الفهري - اخت ام البنين -، انتقلت اليه خطبة الجمعة من جامع الأشياخ منذ 321 ه وفي سنة 600 ه بنى فيه الناصر الموحدي سقاية ومدخلاً لمصلى النساء ونافورة للوضوء على غرار تلك القائمة في القرويين. ويقول عبدالواحد المراكشي صاحب كتاب "المعجب في تلخيص اخبار المغرب" عن فاس في عهد الناصر المذكور: "حاضرة المغرب، وموضع العلم منه، اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة... رحل من هذه وهذه من كان فيهما من العلماء والفضلاء من كل طبقة فراراً من الفتنة فنزل أكثرهم بمدينة فاس... وما زلت اسمع المشائخ يدعونها بغداد المغرب". - جامع حسان: معلمة الموحدين الخالدة وأثرهم المتجدد عبر العصور، أتم بناءه يعقوب المنصور الموحدي في 592 ه. يقع هذا الجامع شرق الرباط العتيقة على علو 35 متراً فوق سطح البحر، وهو ثاني اقدم مسجد بناه الموحدون في الرباط، بعد جامع قصبة الاوداية العتيق. منارته مربعة ويبلغ ارتفاعها 64 متراً مما يجعلها اعظم منارة في الغرب الاسلامي. وقد شهد المسجد المذكور تجديداً واسعاً على يد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني الذي عمل على الاحتفاظ بسواريه - كما هي دون سقف - وتبليط ارضه وبناء مسجد آخر جنبه بالقرب من ضريح الملك الراحل محمد الخامس الذي كان قد نقل جدثه اليه رحمه الله في أواخر الستينات، من ضريح جده السلطان الحسن الأول بمنشور الرباط. - جامع الكتبية - مراكش: منارته تضم غرفاً مقوسة السقف كما الشأن في منارتي الخرالدا، وحسان. وقد أورد الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله في الموسوعة المغربية نقلاً عن مجلة "هسبريس" مجلد 6، عام 1926 انه "...توجد في المسجد الموحدي بقصبة مراكش اعمدة اموية من الصعب وجودها ملتئمة في قرطبة نفسها، فجامع الكتبية يشكل متحفاً حياً للأعمدة الموحدية التي ينيف عددها على الأربعمائة والتي ما زالت تحتفظ بأصالتها المتجلية في عبقرية الفنان الأندلسي الموحدي، ومهارة يد الصناع". ويعود انشاء منبر جامع الكتبية الى عهد عبد المومن بن علي الموحدي وهو لا يزال قائماً حتى الآن كأروع منبر في العلم الإسلامي. وبعد دراسات مستفيضة رمّمت السلطات المغربية منارة الكتبية محتفظة بكل المعطيات الأثرية لهذه المعلمة التاريخية الخالدة. - الجامع الكبير - الرباط: تبلغ مساحته 1800 متر مربع. أما طول صومعته فهو 15،33 متراً وهي تحتوي على ست غرف مربعة الواحدة فوق الأخرى. ويعود هذا المسجد الذي يقع داخل الرباط العتيقة الى العهد المريني، ويحتوي على سبعة صحون موازية للقبلة، وساحة مربعة وستة أبواب، ومقصورة للنساء، وأخرى للامام، واقواسه ضخمة ذات مسحات مرابطية وموحدية، ومحراب منقوش بالجبس بأسلوب أندلسي. - جامع السنّة - الرباط: من المساجد التي تأسست على عهد الدولة العلوية، وقد شيّده السلطان سيدي محمد بن عبدالله واتم بناءه في اذار مارس 1785 على حد ما ذكره الضعيف الرباطي في تاريخه. وقد جدده السلطان سيدي محمد عبدالرحمن ووسعه خصوصاً بعد أن تأكدت الحاجة اليه اثر تأسيس المشور الملكي غير بعيد عنه. وهو من أكبر مساجد المغرب اذ تصل مساحته الى حوالى 5556 م. بيد ان اكبر عملية تجديد طالت المسجد هي تلك التي أمر بها العاهل المغربي سنة 1969 فنقلت منارته من الطرف الشمالي الى الطرف الجنوبي للمسجد، وجددت سقوفه وبلاطاته، وشمعت ابوابه بالنحاس الأصفر اللماع بطريقة رائعة تبرز حذق الصانع المغربي ومهارته.