لمجرّد التسلية، تعالَ نتذكّر أحاديث مسؤولي صناعة السيارات ومراقبيها... وصحافييها طبعاً، في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات. كانت القصة محسومة آنذاك، أليس كذلك؟ المينيفان والرباعي الدفع، هل نسيتَهما؟ المينيفان سينمو بهذا المعدّل والرباعي الدفع سيجتاح الأسواق بتلك الطريقة ومسكينة سيارات الصالون سيدان! سبحان من يغيّر ولا يتغيّر! لا أزور معرضاً للسيارات في هذه الأيام، إلا وتتدافع في ذاكرتي صفحات السنوات العشر الأخيرة. ففي وسط الثمانينات، أخذت صناعة السيارات "تُقسِم" بنظام الدفع الرباعي حتى لبعض فئات موديلات الصالون المتوسطة-الكبيرة والكبيرة. السلامة من هنا وإياك من الإنزلاق هناك على الأرضية الرطبة وسط الدوّار. لا خلاص لك من دون فئات الدفع الرباعي من تلك الموديلات. لكن مبيعات تلك الفئات من موديلات الصالون العادي كانت مخيّبة الى حد دفع الصانعين الى سكك تسويقية أخرى. أصبحنا هنا في أواخر الثمانينات، وموديلا رينو "إسباس" وكرايسلر "فواياجر" ينهبان الأرض نهباً، الأول في أوروبا والثاني في الولاياتالمتحدة. كيف لا وقد مضت على إطلاقهما في 1984 سنوات كافية لإثبات جدارتهما في باب النمو؟ هيا بنا إذاً الى عالم المينيفان، فالسهرة عامرة هناك. لم يمضِ وقت طويل من بداية التسعينات حتى إتضح أنه لم يعد هناك شبر حرّ للرقص في تلك السهرة المكتظة، فبدأت المخيّلات تتفتق من جديد. يا للشقي الصغير، كيف نسينا سوزوكي "فيتارا" يسرح ويمرح في زاويته؟ الى سهرة "فيتارا" يا شباب! لم يكن نمو مبيعات النوعَين الأخيرين من السيارات مخيباً أبداً. فقد كانت هناك رغبة فعلية لدى المستهلك بالتنازل عن السيدان إذا ما توافر له المينيفان والرباعي الدفع في صيغة حجمية ووزنية وإستهلاكية معقولة. لكن مشكلة الصانعين لم تعُد في نسبة نمو الطلب، بل في وتيرة هطول العروض في السنوات الأخيرة حتى أخذت مبيعات كل منهم تقضم أرباح الآخر بهوامش مؤلمة. ما العمل الآن والأسواق العالمية الرئيسية بلغت حد التشبّع فلم يعد يُتوخّى منها أكثر من نمو متواضع؟ الحل في الصغر. فجأة، بدأ الخطاب التسويقي يتحوّل من "حرية" المراعي الخضراء، يجترّ فيها الرباعي الدفع أحلام المدينيين مرة أو مرتَين في السنة هذا إن فعلوا، ومن الرحابة والسعة في "أرجاء" مقصورة المينيفان، الى العودة الى حنين الذكريات: الرودستر والكوبيه والكابريوليه، لا للشباب الذي ينعم بأولى عشريناته بالضرورة بميزانيته المحدودة إجمالاً، بل خصوصاً ل"عشرينيي الهوى"، هؤلاء الذين يعيشون بحبوحة عمل ثلاثيناتهم وأربعيناتهم، وأكثر من ذلك أحياناً، ويحلمون بهوى العشرينات. من هنا تؤكل الكتف! بعد إزدحام المراعي الخضراء وضيافة المينيفان، وبداية إزدحام الرودستر والكوبيه والكابريوليه، عثر الصانعون أخيراً على جزء منسي من الكتف، منسي منذ مدة. السيارات الصغيرة جداً. يا جماعة، قبل سنوات قليلة كنا نتغنى بالأجواء والضيافة ورحابة المقصورة، والحرية، ماذا حصل؟ إنه إختناق البيئة. ويل لمن يمس الأوزون، مسؤوليتنا الجماعية. لا بد من محرّكات وسيارات صغيرة. طبعاً، ليس تضاؤل ميزانية شراء السيارة الجديدة هو السبب. بل هو ثقب الأوزون. حباً بالأوزون، غمرنا الصانعون بلطف رعايتهم للبيئة في السنوات الأخيرة. لا خلاف على أهمية موضوع البيئة في جوهره وهو يتعدّى البُعد التسويقي... لكن وراء التغييرات المختلفة لأشكال الهياكل وأساليب الدفع، وبعد موجة السيارات الصغيرة المنهمرة من كل حدب وصوب، قد نكون على عتبة عودة الحلقة الى نقطة مألوفة: الصالون