لماذا تنشغل شعوب الأرض بضجيج الكرة، دون الأحداث الأخرى المهمة؟ من هذا التساؤل، وجدت نفسي هذا العام متابعة جيدة لمباريات كأس العالم، أريد أن أتقصى سر هذه الشعبية الكبيرة، التي يخجل أي حدث آخر من الادعاء بمنافستها. أخوض في التحليل، بعد أن شجعتني كثرة أقلام المثقفين التي تناولت الحدث هذا العام، واعتقد بأن الظاهرة هي أحد تجليات العولمة! ووجدت نفسي أقارن بين عالمي الثقافة والسياسة، وبين عالم كرة القدم، اللغة الأكثر انتشاراً في العالم. كانت لدي رغبة شديدة في تفسير هذا التفاهم العالمي، عند اعتماده على لغة الأقدام، في الوقت الذي يفشل حوار الرؤوس، ويؤدي الى حروب لا تتوقف مع اطلاق صفارة الحكم. حرب الكرة أشرف الحروب. مدتها معروفة ومحددة. حرب تنافسية تعتمد على قوة اللاعبين وتدريبهم العالي، لا تستعير أسلحة متطورة تخل من توازن الطرفين. لعبة كرة القدم ساحة فيها الحلال بيّن والحرام بيّن. لا مجال لتأثير وسائل الإعلام وتزييف الحقائق، كما يحدث في تغطية أحداث أخرى مهمة في العالم. لا مجال لادعاءات الطرفين، وضياع الحقيقة بينهما. وحتى ان انحاز الحكم لطرف، فإن الجمهور قادر على التمييز، وسيظل يذكر أن الفريق الفلاني خسر المباراة ظلماً. هذا الوضوح يجعل المتابع في حال ثقة شديدة، فما يراه أمامه غير قابل للبس، قوانينه واضحة يعرفها المتفرج واللاعب، وحكم اللعبة بالتساوي، وان ظلت فرصة لاجتهادات صغيرة وقليلة من قبل هذا الأخير. ولأن الرياضة لا تقبل الكهنوتية واقتصار المعرفة على قلة، فإن نقادها نادراً ما يزيفون وعي المتلقي، بالترويج لما يتوافق ومزاج الناقد، كما قد يحدث في معالجة النصوص والأعمال الفنية. في الرياضة، لا يمكن لواحدهم أن يمتدح لاعباً زوراً وبهتاناً. وأساساً لا يستطيع هذا اللاعب أن يشتهر، بسبب علاقات عامة، أو حضور مهرجانات وظهور في حوارات صحافية وتلفزيونية. قدراته الحقيقية هي اجازته الى النجاح والشهرة. وهذا صفة تحسب وتحسد. كثير منا يغبط أهل الرياضة على اختصاصهم، لاعبين ونقاداً وحكاماً. مجال ممتع وسهل الفتوى، ثم انه شديد الشعبية عالمياً. السلبية الوحيدة فيه، شروطه القاسية: الشباب واللياقة الجسدية العالية، وبالتالي قصر مدة امتهان اللاعب، وهما شرطان نفذ بجلده منهما كل من يعمل في السياسة والثقافة