اغتالت مجموعة مسلحة أول من أمس المغني الجزائري المشهور معطوب لوناس رائد الأغنية السياسية البربرية. ونفذ الاغتيال كما ذكرت القناة الثالثة للتلفزيون الجزائري باللغة الفرنسية في منطقة وادي عيسى في ولاية تيزي وزو . وكان لوناس أثار خلال السنوات الماضية ضجة كبرى في الجزائر وأوروبا، لا سيما بعدما خطفته عام 1994 مجموعة مسلحة. وعلى رغم أن المغني القبائلي فرحات مهنى اتهم لوناس، آنذاك، بأن المغني دبر عملية خطفه، ليدعم بها الخط السياسي والايديولوجي لپ"التجمع من أجل الديموقراطية"، بعدما تخلت عنه "الحركة الثقافية البربرية"، فإن الناس لم تصدق فرحات، وأخذت بواقعة الخطف التي انتهت بسرعة. فقد كان لوناس محبوباً لجرأته، وصاحب معارك مفتوحة مع القمع أنى كان مصدره، وله رؤية تفترض أن على الفنان أن يتسلّح بحاسة خاصة، بينما هو يقرأ المستقبل. ولوناس نفسه قرأ مستقبله، ربما لأن ماضيه كان خطراً وشقياً، هو الذي تعرض للموت مراراً، فكانت المرة الأولى عندما أطلق عليه الدرك الجزائري النار خلال احداث تشرين الاول أكتوبر 1988 فأصيب برصاصات كادت تكون قاتلة، لولا أنه نقل إلى باريس، وأجريت له هناك 17 جراحة لزم معها الفراش طوال سبعة أشهر. لكن مغني الشبيبة الجزائرية الغاضبة، وصاحب الأغنية الشهيرة "سيدي الرئيس" التي تحولت إلى عنوان للغضب عام 1985، وجعلت من لوناس أشهر المغنين السياسيين في البلاد، لم يهدأ في فراشه، فلم يلبث أن أصدر من هناك شريطاً جديداً يتحدى فيه نظام الشاذلي بن جديد معتبراً إصلاحاته السياسية الشاملة بمثابة "هدية مسمومة". على رغم البعد الأمازيغي في نشاط المغني لوناس، وهو البربري الأصل والفن، إلا أن شعبيته كتفكيره تتجاوز كثيراً هذا البعد، إلى ما هو جزائري. يقول في إحدى أغنياته: "لا يهم بأي لغة يناديني يكفي أن يقول أنا جزائري" لذلك، ربما، فإن التهديدات التي طالما انهمرت على المغني خلال "سنوات الدم" المستمرة، جاءته من غير جهة، فهو شخصية نقدية هجاءة وهجاؤه لاذع، وبلا رحمة. وإذا كان هذا "الهجاء الوطني المفتوح" بدأ بالشاذلي عام 1985، عندما لم يكن أحد يجرؤ على انتقاد رؤوس النظام، فهو لم يتوقف عند الجماعات الراديكالية المتطرفة والمتعصبة إلى أي فريق انتمت، أكان هذا الفريق أصولياً كجبهة الإنقاذ، أو بربرياً كايت أحمد. ولوناس اتخذ موقفاً دعا مثقفي بلاده الذين اتهموا بالتواطؤ مع السلطة ضد فريق من الشعب وفريق من القوى السياسية، إلى الوقوف ضد كل من يصادر حياة الناس وحريتهم. لذلك قال في الذكرى الثانية لمصرع الرئيس الراحل محمد بوضياف: "إننا كمثقفين وفنانين لسنا مستعدين للموت من أجل زروال! ونضالنا يجب أن يكون على جبهتين: ضد فساد النظام، وضد تطرف الأصوليين"... فمن الذي قتل معطوب لوناس؟ لقد كان المغني دائماً على مرمى بندقية القاتل... وهو الذي شاء لنفسه هذا الموقع: ولسان حاله: "وأنا الذي اجتلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل؟" ذلك ليس إلا من باب الأنفة، فقط، فهناك من قتل المغني الذي رفض أن يغادر وطنه الجزائر، مهما ساءت الظروف. وهو كان يعرف أن الموت لم يعد حادثاً خطيراً، وإنما أمراً عبثياً متوقعاً كل لحظة